آخر أيام الدكتور القاعود قبل وفاته

القاهرة- ” رأي اليوم “- محمود القيعي:
بعد حياة مديدة ملؤها العزة والكفاح والصبر والجهاد، رحل عن دنيانا د.حلمي محمد القاعود الناقد الأدبي والأكاديمي الأديب اللوذعي .
حياة د.القاعود- رحمه الله-كانت ملأى بالأحداث الكبيرة ، وهل من هو أهل لمجابهة الأحداث الكبيرة سوى رجل كبير؟
بأسى بالغ وحزن عميق يقول الأديب د.محمود حلمي القاعود عن أبيه :
“عَرَجَتْ رُوحُ أَبِي الطَّاهِرَةُ وَكَانَ يَبْتَسِمُ ابْتِسَامَةً عَجِيبَةً، لَمْ أَعْهَدْهَا فِيهِ طِيلَةَ حَيَاتِهِ..
يَقُولُ رَبُّ العَالَمِينَ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (سورة النحل: 32).”.
ويضيف قائلا: “نَعَمْ يَا رَبِّ، كَانَ وَالِدِي الشَّهِيدُ فِي كُلِّ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ يَذْكُرُ اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا.. فِي غَيْبُوبَتِهِ، كَانَ كُلَّمَا سَمِعَ اسْمَ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الحَالِ: “عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ” بِصَوْتِهِ العَذْبِ الجَمِيلِ.. كَانَ يُرَدِّدُ فِي الغَيْبُوبَةِ بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ: “لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.. لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ”.
قَبْلَ عُرُوجِ رُوحِهِ الطَّاهِرَةِ، طَلَبَ أَنْ نَتَبَرَّعَ لِدَارِ الأَيْتَامِ، وَهِيَ عَادَتُهُ الَّتِي حَرِصَ عَلَيْهَا. عَلَى الفَوْرِ، أَرْسَلْتُ شَقِيقِي عَبْدَ اللهِ وَأَعْطَيْتُهُ المَبْلَغَ المَطْلُوبَ. بَعْدَهَا بِسَوِيعَاتٍ، سَأَلَنِي رَضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ: “عَبْدُ اللهِ فَيْنَ؟” أَجَبْتُهُ: “ذَهَبَ إِلَى دَارِ الأَيْتَامِ، وَقَامَ بِالمَطْلُوبِ، وَكُلُّ الأَطْفَالِ الصِّغَارِ هُنَاكَ يَدْعُونَ لِحَضْرَتِكَ بِالشِّفَاءِ وَالصِّحَّةِ”. فَأَجَابَ بِفَرَحٍ: “الحَمْدُ لِلَّهِ.. الحَمْدُ لِلَّهِ.. الحَمْدُ لِلَّهِ”، وَظَلَّ يُكَرِّرُ “الحَمْدُ لِلَّهِ” عَشَرَاتِ المَرَّاتِ. “.
زيارته غزة ولقاؤه مع هنية وعن زيارته أبيه لغزة ولقائه مع الراحل الشهيد إسماعيل هنية، يقول د. محمود القاعود: “في يَنايِرَ مِنْ عَامِ أَلْفَيْنِ وَاثْنَيْ عَشَرَ مِيلادِيَّةٍ، وَفي رَحابِ المَسْجِدِ العُمَرِيِّ العَتيقِ بِقِطاعِ غَزَّةَ، تَأَلَّقَ الشَّهيدُ المُجاهِدُ حَلْمِيُّ القاعُودُ يَخْطُبُ بِصَوْتٍ يَمْلَؤُهُ الإيمانُ وَالعَزيمَةُ، مُشْعِلًا فِي النُّفوسِ نَارَ الصَّبْرِ وَالجِهادِ. وَإِلَى جَانِبِهِ، وَقَفَ الشَّهيدُ الرَّمْزُ إِسْماعيلُ هَنِيَّةُ، صَلبًا كَالطُّودِ، مُتَأَمِّلًا فِي كَلِماتِ رَفيقِهِ، تَجْمَعُهُما رُوحُ النِّضالِ وَحُلْمُ الفَجْرِ القَريبِ.”.
ويقول إن أباه كان يتمنى أن يُصلي في المسجد الأقصى، داعيا الله أن تسعد روحه الطاهرة بتحرير الأقصى وهو في جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار.
الناقد والأكاديمي الكبير د.سعد مصلوح قال في رثائه: “{ إنّ ما توعَدون لآت } رحم الله أخي وحبيبي حلمي القاعود ، وغفر له ، وجزاه عن دينه وكتابه ورسوله جزاء العلماء العاملين.
عزائي لولده وذويه وتلامذته ومحبيه! {إن إلى ربك الرّجعى}”.
أما د.خالد فهمي أستاذ اللغويات بجامعة المنوفية فيقول ناعيا د. حلمي: “رحل اليوم واحد من أعظم المدافعين عن الهوية المصرية الإسلامية
رحل حلمي القاعود الذي خدم اللغة العربية والوطنية المصرية والقومية العربية الإسلامية.
رحل رجل عاش مجاهدا يمثل كما وصفته من قبل بالمئذنة الحية.
رحمه الله وغفر له وربط على قلوب أهله ومحبيه وعارفي فضله!”.
د. سُعَادُ النَّاصِر من المَمْلَكَةُ المَغْرِبِيَّةُ تقول في رثائه: “لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ الكَلَامَ عَنْكَ أُسْتَاذَنَا الكَبِيرَ وَقَدْ رَحَلْتَ عَنَّا؟ أَمِنَ المُرَبِّي الَّذِي رَبَّى وَعَلَّمَ وَأَفَادَ وَأَوْفَى؟ أَمْ مِنَ الأَدِيبِ الَّذِي صَاغَ الجَمَالَ بِمَعَايِيرِ القِيَمِ؟ أَمْ مِنَ النَّاقِدِ الَّذِي صَنَعَ مِنَ المَنْهَجِ دِفَاعًا عَنِ الحَقِّ، وَمِنَ الكَلِمَاتِ حِصْنًا لِلْهَوِيَّةِ؟ أَمْ مِنَ الإِنْسَانِ الَّذِي حَمَلَ قَلْبًا يَسَعُ الجَمِيعَ، وَخُلُقًا طَيِّبًا يَفِيضُ عَلَى القَرِيبِ وَالبَعِيدِ؟
كُلُّ مَا أَدْرِيهِ أَنَّ العَالِمَ لَا يَمُوتُ، إِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى عَالَمِ الحَقِّ، لِيَنْعَمَ بِأَنْوَارِ تُرَاثِهِ. وَالدُّكْتُورُ حِلْمِي القَاعُودُ خَلَّفَ لَنَا تُرَاثًا إِنْسَانِيًّا وَنَقْدِيًّا شَاهِدًا، فَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ أَدِيبٍ أَوْ نَاقِدٍ، بَلْ كَانَ ضَمِيرًا يَقِظًا، وَصَوْتًا صَادِقًا فِي زَمَنٍ ضَجَّ بِالصَّخَبِ وَالِادِّعَاءِ. ظَلَّ وَاقِفًا كَالسِّنْدِيَانَةِ، لَا تَنْحَنِي هَامَتُهُ لِعَاصِفَةٍ، وَلَا يَغْرِيهِ مَنْصِبٌ أَوْ مَكْسَبٌ.
وَإِذَا بَكَيْنَاهُ اليَوْمَ، فَإِنَّنَا نَبْكِيهِ وَجَعًا فِي القَلْبِ، وَدَمْعًا فِي حَنَايَا الذَّاكِرَةِ، وَفِكْرًا حَيًّا يَضِجُّ بِالحَقِّ وَالنُّبْلِ وَالحُبِّ. فَسَلَامٌ عَلَيْهِ فِي المَلَإِ الأَعْلَى، كَمَا كَانَ سَلَامًا فِي الأُمَّةِ. وَرَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَنَقَّاهُ مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَسْكَنَهُ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى، وَجَعَلَ مَا قَدَّمَ عِلْمًا نَافِعًا لَا يَنْقَطِعُ، وَذِكْرًا طَيِّبًا لَا يَغِيبُ.
اللَّهُمَّ مَتِّعْ أُسْتَاذَنَا بِرِفْقَةِ الأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.”.