الواقع صعب، لكن الحلول متاحة… والرسالة الملكية تُحدث تأثيراً.

فؤاد البطاينه
الأردن بالنسبة للأردنيين ولكل عربي دولة وجدت لتبقى، أمّا للأنجلو صهيوني فقامت لوظيفة تنجزها وتزول. والقيادة الهاشمية تعلم بهذا منذ البداية وقدمت على مدى قرن الكثير للمشروع الصهيوني ولكن سعياً وراء فرصة تُبقي فيها على الدولة والمُلك. وإبرام القيادة لمعاهدة وادي عربة كان لهذا السبب، وهو النجاة بالدولة وبمُلكها. اغتيل رابين لاعتبارهم المعاهدة خيانة للمشروع الصهيوني، ورحل الملك حسين، وأنهت “إسرائيل” المعاهدة عملياً وتنمرت. بينما تمسكت القيادة الأردنية بها لعدم قدرتها على الخيار المقابل في ظل عدم وجود نظام سياسي وطني متماسك من رحم الشعب تلجأ إليه في المواجهة تحت وطأة التزامها بالنهج السياسي المفروض .
قامت المملكة الأولى وانتهت بما لها وعليها، وقامت الثانية وانتفضت على المستعمر وأسست دستورا وطنيا وقوميا ورحلت بما لها.وقامت الثالثة ورسخت المملكة بنيةً وبناءً وتحضراً، وسياسياً على الخريطة الدولية. حتى شاع اسمها عند الغرب بمصطلح Jordan of king Hussein. رجل عبقري في السياسة على طريقته،همه قد لا يتعدى بقاء الدولة والمُلك بأي ثمن حتى لو كان محظوراً ومحذوراً.فقد ابتدأ متعاملا وانتهى بسياسة الخطوة خطوة صديقاً للغرب وفارضاً الأردن ونفسه عليهم. رحل ولم يُكمل ما برأسه، وانتهت المملكة الثالثة بما لها من الكثير وما عليها. وتنفست الدولة الأمريكية العميقة الصعداء. وفي المملكة الرابعة عادت القبضة على الدولة واشتدت، ثم دخل العالم في المرحلة التي نعيشها، تفككت فيها عرى النظام الدولي بتحالفاته وانفردت أمريكا بالتسيد،واستمرأ أعراب الخيانة العبودية والجثو وتجسدوا في دابة موسى.
اليوم، وبعد قرن من الزمان واظبت فيه أمريكا على سياسة صنع التهديدات الأمنية الخارجية للأردن وعلى سياسة الإفقار والحصار الإقتصادي عليه،وإضعافه وإبقائه في غرفة الإنعاش وإنهاكه بشعبه الذي عزلته عن الشأن العام، انتهت حاجة العدو لبقاء الدولة التي يعتبرها وديعة للكيان الصهيوني، ودخل مرحلة استعادتها. فلعبته السياسية مع الأردن باعتقادي انتهت بلا مكان له في لعبة جديدة. ونحن في لحظة دولية لا حسابات فيها تهم أمريكا أو تردعها. أوروبا لن تفعل شيئا لنصرة وجود المملكة غير الكلام، وروسيا ستبارك والصين ستصمت، وأنظمة الأعراب غارقة بالتنافس على من يُعطي لأمريكا أكثر في مشهد تاريخي مهين، وبعضها ما فتئ يحفر ويتوثب بمال الزيت الأسود لمحو مصطلح الهاشميين كأصحاب الشرعية الدينية التاريخية.
ما أريد إيصاله لصاحب القرار، أن ابتلاع الأردن لا يُمكن أن يتم إلا باستهداف مؤسسة العرش الهاشمي أولاً. لكونها رمزاً لمملكة مستقرة في العالم يصعب ابتلاعها، وارتباط شعبها الأردني نفسيا وعاطفياً بالهاشميين متأصل وشديد، وثقافته القبلية ترفض حكم قبيلة أو عشيرة لأخرى أو حكم أجنبي.، فالأردنيون يجدون بمرجعية الهاشميين ضالتهم من دون غيرهم. لم تكن القيادة الهاشمية يوما إلا مستهدفة من قبل أمريكا والصهيونية مع وقف التنفيذ ولا تريدها إلّا ضعيفة ومستضعفة بلا شعب يسندها. أما نهاية علاقتها مع الكيان فهي الحرب أو تسليم الوديعة. وإذا كان الحكام الأعراب الحلفاء لأمريكا من طرف واحد هم قيد التبديل في اللحظة المناسبة مهما ركعوا وقدموا، إلا أن استهداف القيادة في الأردن هو استئصالي الطبيعة مرتبط باستهداف وجودي للاردن الوطن والشعب والدولة. وأما وسيلة العدو بالإستهداف فسيكون بالإخلال بالأمن الداخلي وسآتي لهذا.
فالأردن الدولة سيكون وحده في مواجهة استهداف وجوده بأي صورة أو ملعوب، في حين أن الأردنيين لم يكن لهم منذ نشأة الإمارة هوية سياسية مستقلة مرتبطة بالوطن كشعب للدولة أو بواحدة من رموزها، حيث حرص المُستعمر على أدماجها بهوية مؤسسة العرش الهاشمي السياسية بمصير واحد. لكن هذا الفعل لا ولن ينفي وجود هذه الهوية السياسية بأردنيتها وعروبتها،ولا يعني التنازل عنها وتغريبنا عن وطننا ولا التنازل عن مؤسسة العرش. فالأردنيون يعترضون على النهج السياسي للقيادة وتداعياته وليس عليها. هذا النهج الذي انعكس على الشعب والدولة بالتدمير وأسهم في قيام وترسيخ الكيان..
وعليه ليعلم الأردنيون بكل أطيافهم بأن افتقادهم لمؤسسة العرش الهاشمي أو نجاح استهدافها لا يعني اليوم واقعاً سوى افتقادهم لوطنهم ودولتهم وهويتهم السياسية، فلا تغيير في أنظمة المنطقة العربية إلّا أمريكي، ولا بديل سياسي وطني جاهز لكم للحكم، والبديل هو الكيان الصهيوني، والجاهز هي الفوضى والدم المجاني فرشة لدخوله مباشرة مع من يستخدمهم من عملاء أو مغرر بهم،بالغطاء الأمريكي.
المملكة الرابعة،مملكة وجود أو لا وجود. وأنتم الشعب شركاء بالحدث. فقط ضعوا نصب أعينكم بأن استهداف الأردن لن يبدأ إلا بوسيلة العبث بأمنه الداخلي واستقراره بوعي أو دون وعي فالنتجية واحدة. اللحظة الأردنية لا تحتمل. الإستخبارات الأمروصهيونية هي مالكة السر والدسيسة والإرهاب، توجهه لخلق الذرائع للهجمة. الجيش الأمريكي في وسطنا موجود وكيان الإحتلال على الحدود، يعمل لتسويرها لا للدفاع، بل للهجوم في ساعة آتية.
نحن الأردنيين في صميم القضية الفلسطينية والحدث الرهيب،ونحن التالي. نحن فلسطينيون، والفلسطينيون أردنيون. وإن لم نكن هكذا فالعدو الصهيوني ومشروعه يعتبرنا مع أرضنا هكذا. لا تحالف اليوم أقدس من تحالف الشعب مع القيادة لحماية وطن ودولة. وهذا ما هو مطروح على القيادة، والرسالة الكبيرة والمنتجة التي يوجهها الملك للعدو الصهيوأمريكي وللأردنيين معا بهذا الصدد هي المسارعة لتبييض السجون من كل حبيس رأي سياسي، أو على خلفية سياسية. وهذا ليس خياراً إنها رسالة ردع استباقي كبيرة للعدو، ناعمة لكنها بعيون حمر ووجوه كُشر، فهي الأساس والشرط للمصالحة الوطنية لبناء جبهة داخلية موحدة وقوية
لا انتصار بدونها، كفى كفى،هل من مُدكر ؟ هل من حيا على العمل؟.
كاتب عربي اردني