من يقوم بتحديد مستقبل سوريا؟ وما هي الجوانب التي شكلت هوية الجولاني الحديثة؟

د. شهاب المكاحله
تُخاض حرب صامتة على مستقبل سوريا – ليست بالرصاص، بل بالرموز، والتحالفات، والصفقات المخفية. رواية مثيرة للجدل بدأت تنتشر في أوساط الإعلام البديل ومواقع التواصل الاجتماعي: الرئيس السوري بشار الأسد أزيح مؤقتاً، ليس لأسباب سياسية تقليدية، بل لأنه لا يحمل الهوية الدينية المناسبة لتوقيع المرحلة المقبلة.
واليوم، تتمحور الرواية حول “الاتفاق الإبراهيمي” – اتفاق رمزي يوحّد الأديان السماوية الثلاثة تحت مظلة واحدة. في الشرق الأوسط، حيث الدين لا يقتصر على العقيدة بل يتقاطع مع الهوية والشرعية والسيادة، يُنظر إلى هذا الاتفاق كخطوة جذرية تحمل أبعادا تتجاوز المصالحة.
وفقا لهذا السرد، فإن الخطة اقتضت استبدال الأسد، مؤقتا، بشخصية سنيّة ذات شعبية، تُعرف بالرمز ” 11″ المعروفة لدى ضباط المخابرات الإقليمية والدولية والرقم “11” هو إشارة للجولاني وفق اللائحة. والسؤال هو ما الهدف؟ يكمن السبب في إعطاء الشرعية الدينية والشعبية للتوقيع على الاتفاق لأن توقيع قائد علوي، أو مسيحي، أو درزي، أو شيعي، سيُفقد الاتفاق مصداقيته بين قطاعات واسعة من السنة. أما إذا وقع عليه شخصية “محبوبة” من التيار السني، فإن الاعتراض يتحول إلى ترحيب والاتفاق يتحول الى مكسب.
التوقيع بقلم “أبو محمد الجولاني”، الذي لديه ارتباطات دولية خفية وسرية ظهر منها ما افشاه السفير الأميركي الأسبق لدى سوريا روبرت فورد في محاضرة بجامعة بالتيمور اذ قال:
“في عام 2023، دعتني منظمة بريطانية غير حكومية متخصصة في حل النزاعات لمساعدتها على إخراج هذا الرجل من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة العادية. في البداية، كنت مترددا جداً، كانت لدي صور في ذهني لي وأنا أرتدي بدلة برتقالية وسكينا على رقبتي. ولكن بعد التحدث مع عدة أشخاص ذهبوا هناك، وأحدهم التقى به، قررت أن أغامر. في أول لقاء بيني وبينه – اسمه الحركي كان عبد القادر الجولاني، لكن اسمه الحقيقي هو أحمد الشرع، وقد كشف عنه فقط بعد أن سيطر على دمشق في هجوم خاطف في ديسمبر 2024، أي قبل حوالي خمسة أشهر فقط”.
وأضاف فورد: “(عندما التقيته لأول مرة، جلست بجانبه، كنت قريباً منه كثيرا، وقلت له – وكل ذلك كان باللغة العربية – “لم أكن أتخيل أبداً في مليون سنة أنني سأجلس بجانبك. لحية طويلة، وملابس عسكرية.” نظر إليّ وتحدث بهدوء شديد، وقال: “والله أنا أيضا، ما كنت أتخيل.” واستمر الحديث بيننا”).
ونقل فورد على لسان الشرع قوله: “(أنا أتعلم أن الحكم يتطلب تقديم تنازلات.” وكان هذا اللقاء في مارس 2023. وفي يناير 2024، ذهبت إلى سوريا مرة أخرى. التقيت بأحمد الشرع، الرئيس. وعندما رأيته في القصر الرئاسي، قلت له: “لم أتخيل أبداً في حياتي أنني سأراك هنا.” ابتسم وقال لي: “أنا أحب أن أستمر في مفاجأتك يا سعادة السفير.”)
ألمهم في كلام السفير فورد انه نجح في إعادة تصنيع الجولاني كشخصية “معتدلة”، وهذا بحد ذاته مقدمة لجعله يوقع على الاتفاق الابراهيمي بدل الرئيس السابق بشار الأسد، بمباركة إقليمية ودولية.
لكن ماذا ينتظر سوريا بعد التوقيع؟ يُقال إن سوريا ستدخل في مرحلة “التحول الاقتصادي” – بلد يُعاد بناؤه ليصبح جاذبا للاستثمار، لكن ليس لصالح شعبه، بل لصالح مستثمرين أجانب. فيتم رسميا التخلي عن الجولان وقد تُمنح أراض مثل جبل الشيخ والقنيطرة لتكون جزءا من مشروع تطبيع شامل. أما المواطنون السوريون، فيصبحوا “مستأجرين” في وطنهم.
الجزء الأكثر إثارة في الرواية هو عودة الأسد لاحقا بشبحه، بعد إتمام التوقيع والانفتاح، ليُقدَّم كشخصية “منقذة” لم تكن جزءا من التنازلات، ليستعيد الحكم من موقع “البراءة”.
سواء أكانت هذه الفرضية صحيحة أم لا، فإن ما تطرحه من مخاوف أمر حقيقي. الشعوب العربية، والسوريون خصوصا، سئموا من أن يكونوا مجرد بيادق في صفقات تتجاوزهم. توقيع اتفاق ديني بهذا الحجم لا يمكن أن يُعالج كخطوة إدارية أو شكلية. إنه يُعيد تشكيل الوعي الجمعي، ويمسّ بجذور الهوية.
قد تعود سوريا قوية. لكن السؤال الذي يُقلق كثيرين يبقى: تعود لمن؟ هل تُبنى من جديد لشعبها، أم لأولئك الذين يمتلكون مفاتيح استثمارها؟ اما اننا سنشهد صراع القوى الإقليمية والدولية على الساحة السورية لشرذمتها وانهاكاها من جديد لتوسيع رقعة الشرذمة الى دول أخرى؟