سعد الدالاتي: هل نستعد لظهور قطب جديد؟ تحالف متين بين أنقرة والرياض والدوحة عبر دمشق

سعد الدالاتي
منذ سنوات، كان المشهد الدولي مقسمًا بين قطبين:
معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، ومعسكر الشرق بزعامة روسيا والصين.
لكن المتغيرات الأخيرة، خصوصًا عقب اللقاء المفاجئ بين ترامب والشرع، تُنذر بولادة قطب ثالث… لا يتبع أحدًا، ولا ينتظر أوامر أحد.
من التبعية إلى المبادرة: تحالف لا يُملى عليه عودة العلاقات السعودية–التركية بعد سنوات من التوتر، وتقاطع مصالحهما في الملف السوري، أفرز واقعًا جديدًا على الأرض.
أما قطر، فتتصرف كـ”مدير حسابات” سياسي بارع؛ تحسب الأرقام، وتوزع الأدوار، وتتحكم بوتيرة الإيقاع بين الحلفاء المتخاصمين.
بات واضحًا للمراقبين أن الرياض وأنقرة والدوحة لم تعد تنتظر الأوامر الغربية، بل تصدر قراراتها بما يخدم مصالحها الوطنية، وتلعب على خطوط النار في الملفات الإقليمية الحساسة: سوريا، غزة، اليمن، ليبيا.
وبدل أن تدفع ثمن “الحماية الغربية”، باتت قادرة على حماية نفسها، وتأمين حلفائها، وفرض شروطها.
حلف تتوفر فيه كل أدوات القوة
صناعة، تجارة، سلاسل توريد، رؤوس أموال، موارد بشرية، نفوذ ديني، وسياسات خارجية هجومية، كلها اجتمعت في هذا الحلف الثلاثي، مدعومًا بموقع استراتيجي هو الأهم عالميًا.
وبات يمتلك ما يشبه ريشة جغرافية–سياسية ترسم خرائط النزاعات وتسعى لإغلاقها بشروط خاصة.
ولادة القطب الثالث: نتاج صراع القطبين الأصليين
من مفارقات اللحظة الدولية أن توازن الصراع بين الشرق والغرب قد أفسح المجال لظهور لاعب ثالث.
روسيا والصين صمدتا، وأمريكا وأوروبا تعثرتا في الداخل والخارج، فدخلت السعودية بمالها، وتركيا بسلاحها وخبرتها، وقطر بإعلامها وقدرتها على التفاوض وسوريا بميدانها الذي يغلي والمسرح الرئيسي لهذه الولادة هو سوريا، حيث تتقاطع الرهانات جميعها:
الخزان البشري في الشمال والجنوب
الجيوب الأمنية القابلة للتفكيك أو الاستثمار
الفراغ الروسي–الإيراني بعد اندحار طهران وانشغال موسكو
والبوابة السياسية الجديدة التي يمثلها الرئيس احمد الشرع، بتفويض دولي وخليجي هادئ
ميلان محسوب: لا غرب ولا شرق… بل من يناسب المرحلة
السعودية تلوّح بالانضمام إلى مجموعة “بريكس”، وتعقد صفقات مع الصين، دون أن تقطع مع واشنطن.
تركيا، رغم عضويتها في الناتو، لا تتردد في التهديد بالعودة إلى الحضن الروسي حين تتطلب مصالحها ذلك.
قطر، التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في الوطن العربي، تدعم “حماس” من تحت الطاولة وتدير أقوى ماكينة إعلامية في الشرق وربما في العالم
هل رُفعت العقوبات عن سوريا رغماً عن واشنطن؟
رفع العقوبات عن سوريا لم يكن “مكرمة” أمريكية، بل نتيجة طبيعية لانكسار اليد الأميركية في أكثر من جبهة:
الخلاف الأميركي–الأوروبي، خصوصًا بعد فضيحة ترامب–زيلينسكي.
تراجع الهيبة الأميركية في الشرق الأوسط مع صعود النفوذ الصيني والخليجي.
انهيار الرهان على المعارضة المسلحة، وانكفاء إيران الكامل من المشهد السوري.
في هذا السياق، بدا رفع العقوبات عن دمشق أشبه بالانسحاب الأميركي الهادئ من موقع القيادة الحصرية للملف السوري، مقابل حفظ ماء الوجه ومحاولة احتواء تسارع النفوذ الصيني، الذي بدأ يتحرك على الأرض فعليًا بعد اجتماع ممثلي بكين مع أحمد الشرع في دمشق والذي يدعم هذا الرأي هو رفع العقوبات قبل التنفيذ الفعلي لاي شرط فلم تعدل دمشق دستورها ولم تفكك امنياً ولم تنسحب من مناطق ،
ريشة الخرائط بيد الحلف الجديد
هذا التحالف الإقليمي لم يكتف بإعادة تموضعه، بل بدأ يرسم الخرائط الجيوسياسية بنفسه:
في سوريا: هو من أعاد دمشق إلى الخارطة السياسية.
في غزة: هو من يفاوض ويضغط ويموّل ويهندس التفاهمات.
في اليمن وليبيا والسودان: لا تمر تسوية دون بصمة من أحد أركانه.
يمتلك هذا الحلف:
المال السعودي
السلاح التركي وخبرته العسكرية
النفوذ الإعلامي والدبلوماسي القطري
إضافة إلى أرضية جغرافية–ديموغرافية تتمثل في سوريا، التي تحولت من عبء إلى رصيد استراتيجي
ما الذي قد يعطّل ولادة القطب الثالث؟
رغم الزخم الكبير الذي يحمله هذا الحلف الثلاثي (السعودي–التركي–القطري)، ورغم الأرضية السياسية التي وفرتها سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع، إلا أن الطريق نحو قطبية ثالثة ليس معبّدًا بالكامل. ثمة تحديات داخلية وخارجية قد تؤجل أو تُربك هذا التحول التاريخي:
غياب البنية المؤسسية
التحالف لا يزال حتى اللحظة تحالفًا مرنًا غير مؤطر، بلا ميثاق مشترك، ولا اتفاق دفاعي، ولا إطار تنسيقي دائم.
غياب هذا الهيكل قد يُضعف قدرة الحلف على اتخاذ قرارات استراتيجية منسقة في اللحظات الحرجة.
الخلافات الصامتة
بين الرياض والدوحة تاريخ من التوتر لم يُمحَ تمامًا.
بين أنقرة والرياض اختلافات في الرؤية بخصوص جماعة الإخوان، والعلاقة مع مصر.
داخل قطر نفسها، مزيج من التوازنات بين الأميركيين والإسلاميين يجعلها تتحرك على خيط رفيع دائمًا.
هذه التناقضات قد تنفجر عند أول أزمة إقليمية كبيرة.
الضغوط الغربية المضادة
الولايات المتحدة لن تترك فراغها في الشرق الأوسط بسهولة:
قد تعيد تنشيط أدوات الضغط الاقتصادي على الحلف، خاصة عبر الدولار والنظام المالي العالمي.
قد تعرقل صفقات الأسلحة، أو توجّه رسائل مباشرة لوقف التمدد السياسي.
أوروبا، بدورها، قد تدخل بخطوط موازية لتخريب أي توازن جديد لا يخدم مصالحها في المتوسط والقرن الأفريقي.
ضعف المظلة الأمنية
بعكس الناتو أو تحالفات آسيا، هذا القطب الثالث لا يملك منظومة أمن جماعي.
لا ردع موحّد.
لا تنسيق عسكري رسمي.
لا شبكة استخبارات مشتركة.
وفي عالم تسوده الفوضى، من لا يملك ذراعًا أمنية، لا يصمد طويلًا.
سوريا… ورقة القوة والضعف معًا
سوريا بقيادة أحمد الشرع قد تكون نقطة ارتكاز، لكنها أيضًا نقطة هشّة.
أي تفجير أمني،
أي عودة لمجموعات جهادية،
أو أي خلل داخلي في التوازن بين قوى الجيش والسلطة المدنية،
قد يقلب المشهد رأسًا على عقب ويعيد اللاعبين الإقليميين إلى مواقعهم القديمة
صحفي ومدون سوري