حمد التميمي: رؤية 2045 للعرب: هل ستصبح واقعاً فعلياً أم ستظل مجرد خطة استراتيجية؟

حمد التميمي: رؤية 2045 للعرب: هل ستصبح واقعاً فعلياً أم ستظل مجرد خطة استراتيجية؟

حمد التميمي
لطالما شكّلت الوحدة والتنمية حلمًا عربيًا مشتركًا، سعت إليه الأجيال المتعاقبة، غير أن التحديات السياسية والاقتصادية المتراكمة أخّرت تحقيقه على أرض الواقع. ومع تصاعد المتغيرات الإقليمية والدولية، بات واضحًا أن النهوض لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال رؤية استراتيجية طويلة الأمد، تنطلق من خصوصية الواقع العربي وتطمح إلى إعادة تموضع المنطقة في خريطة العالم. من هنا، جاءت “الرؤية العربية 2045” كمبادرة طموحة تمثل تحولًا جذريًا في طريقة التخطيط التنموي العربي، واضعة أسسًا جديدة لتحقيق الاستقرار والتقدم المشترك.
تم تبني هذه الرؤية خلال القمة العربية التي عقدت في بغداد، مستندةً إلى أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 و”ميثاق المستقبل”، لكنها تتفوق عليهما بتضمينها منظورًا إقليميًا يعكس تطلعات الشعوب العربية ويأخذ بعين الاعتبار التحديات والفرص التي تواجهها. وتميزت عملية إعداد الوثيقة بمشاركة واسعة من الشباب والمفكرين والخبراء، في خطوة تعزز شعور الملكية المجتمعية لهذا المشروع المستقبلي، ما يجعلها وثيقة استشرافية قابلة للتنفيذ وليست مجرد إعلان نظري.
تهدف الرؤية إلى بناء منظومة متكاملة تُعيد صياغة أولويات الأمن والاستقرار عبر تعزيز التعاون بين الدول العربية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، بالتوازي مع ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية وضمان المساواة وتكافؤ الفرص. كما تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير التعليم والبحث العلمي، وخاصة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، باعتبار الابتكار محورًا أساسيًا لنهضة اقتصادية حقيقية. ومن هنا، يصبح التحول الرقمي أولوية رئيسية، إذ يمكنه أن يُحدث تغييرًا جوهريًا في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة العربية، مما يفتح المجال لتنافس عالمي في الاقتصاد الرقمي والمعرفي.
إضافةً إلى ذلك، تدفع الرؤية نحو تنمية متوازنة لا تقتصر على المدن الكبرى، بل تمتد لتشمل الأرياف والمناطق النائية، لضمان توزيع عادل للموارد والفرص، ومن هنا تنطلق مشاريع إعادة تأهيل المناطق النائية ودعم البنية التحتية فيها لجعلها أكثر جاذبية للاستثمار والسكن. كما تسعى الرؤية إلى الحفاظ على الهوية الثقافية العربية وتعزيز التنوع كقوة ناعمة، من خلال دعم الفنون، الأدب، والتراث، باعتبار الثقافة عنصرًا جوهريًا في تكوين الهوية العربية الحديثة.
الرؤية تدفع أيضًا نحو التجدد الحضاري، عبر الاستثمار في الاقتصاد الإبداعي والعلوم الإنسانية، وتشمل مشاريع نوعية مقترحة مثل تطوير مناهج تعليمية حديثة تواكب المتغيرات العالمية، وإنشاء منصات عربية موحدة للبيانات والخبرات، وتطوير شبكات نقل وبنية تحتية تربط بين الدول العربية وتفتح آفاقًا جديدة للتكامل الاقتصادي والاجتماعي. إن تفعيل هذه المشاريع بصورة منهجية ومستدامة سيجعل الدول العربية أكثر قدرة على المنافسة عالميًا، ويضعها على مسار متقدم من النمو والتطور.
حظيت هذه الرؤية بتأييد واسع من القادة العرب، إذ اعتبرها الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، فرصة لإعادة توجيه البوصلة نحو تنمية شاملة ومستدامة، مشددًا على أهمية العمل المشترك لتنفيذها. ومع ذلك، فإن التنفيذ الفعلي لهذه الرؤية يواجه عددًا من التحديات، بدءًا من الفوارق في القدرات المؤسسية، وصولًا إلى الحاجة لإرادة سياسية موحدة تقود عملية التحول بفعالية واستمرار.
نجاح هذه الرؤية لا يقتصر على الحكومات، بل يعتمد أيضًا على انخراط فعال من قبل مؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والشباب الذين يمثلون العمود الفقري لأي تغيير مستدام. كما أن للإعلام دورًا حيويًا في نقل الرؤية إلى واقع معاش، من خلال نشر الوعي، وتسليط الضوء على قصص النجاح، وتحفيز المشاركة المجتمعية في صياغة المستقبل.
وفي نهاية المطاف، تبقى “الرؤية العربية 2045” وثيقة طموحة تحمل آمالًا كبيرة لمستقبل المنطقة، لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه: هل ستتحول إلى واقع ملموس يغيّر مسار التنمية العربية، أم ستظل مجرد إعلان استراتيجي دون تنفيذ حقيقي؟
كاتب قطري