غيداء أبو طير: اقتصاد الدمار: عندما تصبح غزة ساحة موت غير محدودة

غيداء أبو طير: اقتصاد الدمار: عندما تصبح غزة ساحة موت غير محدودة

غيداء ابو طير

ليست غزة فقط ساحة قتال. إنها مختبر حرب، وسوق أسلحة، وصفقة بورصة، وإعلان دمويٌّ عالميّ لفاعلية أدوات القتل. ما يحدث اليوم على أرضها ليس عدوانًا مؤقتًا، ولا “عملية عسكرية” كما تسميها إسرائيل وحلفاؤها، بل مشروع اقتصادي طويل الأمد، تتغذّى عليه كُبرى الشركات، وتغضّ عنه الأنظمة، وتُشرعنه المؤسسات الإعلامية.
إنّ هذه الحرب لا تُقاس فقط بعدد الضحايا، بل بعدد الأرباح. لا تُحتسب فقط بالأشلاء، بل بأسهم البورصة.
شركات الأسلحة: المال مقابل الدم
في اللحظة التي يُقصف فيها حيّ في رفح، هناك رقم أخضر يلمع في شاشة أحد المستثمرين في نيويورك. كل قنبلة تسقط فوق رأس طفل، تُترجَم إلى أرباح فصلية لشركات مثل Elbit Systems وLockheed Martin.

شركة Elbit Systems الإسرائيلية أعلنت عن ارتفاع بنسبة 22% في إيراداتها في الربع الأول من 2025، ووصلت مبيعاتها إلى نحو 1.9 مليار دولار – جزء كبير منها من السوق المحلي، أي على حساب دم الفلسطينيين.

في نفس الفترة، ارتفعت أسهم Lockheed Martin بنسبة 3.6% في يوم واحد مع تصاعد الهجمات على غزة.

المستثمرون يعرفون تمامًا أن الحرب ليست “كارثة”، بل فرصة مالية.
هل نبالغ؟ إطلاقًا. هذه الأرقام منشورة علنًا. هذا الربح مسجَّل في تقارير الأرباح. هذه ليست “إبادة جماعية” فقط، بل إبادة تُدار كمشروع تجاري شرعي.
من يموّل آلة القتل؟ الدول الراعية للجريمة
الولايات المتحدة
تقدّم مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل، وبلغت في عام 2024 وحده أكثر من 17.9 مليار دولار، وهي أكبر حزمة في تاريخ العلاقات بين البلدين. هذه الأموال لا تُعطى فقط، بل تُصرف داخل أمريكا لشراء الأسلحة التي تُرسل إلى تل أبيب.
يعني أن المواطن الأمريكي، دافع الضرائب، يموّل قتل المدنيين في غزة، سواء علم أم لم يعلم.
ألمانيا
في 2023، زوّدت إسرائيل بأكثر من 50% من وارداتها من الأسلحة. رغم الجدل القانوني، استمرت برلين بتصدير السلاح حتى بعد توثيق المجازر في الجنوب. ما الذي يجعل “ألمانيا ما بعد النازية” تدعم مشروعًا استعماريًا عسكريًا بهذا الشكل؟ الربح، لا أكثر.
هذا هو شكل “القتل الحديث”: قتل بارد، تقني، آمن للمُنفّذ… فتاك لمن تحته.
الطائرات بدون طيار “Hermes 450” و”Hermes 900” مثلًا تُستخدم بشكل مكثّف في غزة، ثم تُسوّق عالميًا على أنها “Field-tested” – مجرّبة ميدانيًا.
أي أن جسد الطفل الفلسطيني يتحوّل إلى شهادة جودة.
العالم الغربي يعرف. يرى. يسمع. ومع ذلك، لا يتحرك. لماذا؟ لأنه مستفيد.
لأن كل بيت يُقصف في غزة يعني صفقة جديدة تُبرم، وكل مدرسة تُمحى من الوجود، تعني مساحة إعلانية مجانية لصناعة الموت.
وهكذا، تُحوّل المجازر إلى فرص نمو اقتصادي، ويُعاد تشكيل مفهوم الحرب ليصبح استثمارًا قابلًا للتكرار، لا فظاعة يجب وقفها.
هذه ليست حربًا فقط، بل اقتصاد إبادة. دم الفلسطينيين صار عملة صعبة. وأجسادهم تحوّلت إلى أرقام في تقارير الأرباح.
القتل يُدار كما تُدار المشاريع… بجداول زمنية، ومؤشرات أداء، وتقارير ربع سنوية. وكل مَن يصمت، أو يشتري، أو يبرّر، هو مساهم فعلي في هذا المشروع.
إذا كانت غزة مختبرًا، فمَن سيكون التالي؟ وإذا كانت الإبادة صارت فرصة استثمار… فكم “مجزرة مربحة” ما زالت قادمة؟
واخيراً كل دولار يُنفق على منتجات شركات السلاح والتكنولوجيا المتورطة، هو رصاصة جديدة تُطلق على طفل فلسطيني.
المقاطعة ليست مجرد موقف رمزي. هي فعل سياسي، اقتصادي، أخلاقي. هي الوسيلة الوحيدة للفرد في وجه منظومة دولية تموّل وتربح من المجازر.