سحب الثقة من الحكومة المغربية.. “خطوة” المعارضة أدت إلى انقسامها

الرباط / الأناضول
بينما كانت 4 أحزاب معارضة في المغرب تعتزم تقديم طلب برلماني لحجب الثقة عن حكومة عزيز أخنوش، تحولت القضية إلى اتهامات متبادلة فيما بينها.
وهذه الأحزاب هي الاتحاد الاشتراكي (أكبر أحزاب المعارضة)، والحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية.
ففي 12 مايو/ أيار الحالي، قررت تلك الأحزاب تأجيل تقديم طلب برلماني لحجب الثقة عن حكومة أخنوش.
بعدها قرر الاتحاد الاشتراكي الانسحاب من الخطوة، معتبرا أنه “لم يلمس أي رغبة من طرف باقي أحزاب المعارضة في التقدم لتفعيل المبادرة”، لتبقى الخطوة معلقة.
ويرى المحلل السياسي إدريس قسيم أن خطوة أحزاب المعارضة “مناورة سياسية” كانت تحمل أسباب فشلها منذ البداية، معتبرا أن المعارضة تسعى لكسب نقاط سياسية ترفع من رصيدها الانتخابي.
في حين قال أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق إن هذه المبادرة “ورقة سياسية لأحزاب المعارضة”، خاصة في ظل امتلاك أحزاب الأغلبية 270 مقعدا بمجلس النواب مقابل 125 للمعارضة.
أما متحدث الحكومة مصطفى بايتاس فقال إن الآليات التي منحها الدستور للكتل النيابية تخضع لضوابط دستورية وقانونية، والحكومة تتعامل مع موضوع حجب الثقة في إطار نظام ديمقراطي.
ويمنح الدستور المغربي أعضاء مجلس النواب حق تفعيل آلية حجب الثقة عن الحكومة، شريطة توقيع الطلب من خمس الأعضاء (ما لا يقل عن 79 نائبا)، وتصويت الأغلبية المطلقة لصالحه 198 نائبا من أصل 395.
** طلب حجب الثقة
الأزمة بين أحزاب المعارضة بدأت في 12 مايو/ أيار الجاري، حين أعلنت أربعة أحزاب معارضة تأجيل تقديم طلب برلماني لحجب الثقة عن الحكومة؛ لوجود رؤساء الكتل النيابية لتلك الأحزاب بمهمة برلمانية في موريتانيا.
وبعد أربعة أيام، أعلن حزب الاتحاد الاشتراكي وقف التنسيق مع باقي الأحزاب حول هذه المبادرة، متهما إياها بـ”إغراق المبادرة في كثير من الجوانب الشكلية”.
ولفت الحزب، في بيان، إلى أن “هذه الفكرة (حجب الثقة) تعود إلى نهاية سنة 2023، حيث باشر الحزب التنسيق مع مكونات المعارضة بخصوص تقديم طلب حجب الثقة”.
وشدد على أنه “واع بأن المعارضة لا يمكنها أن تصل إلى تصويت الأغلبية المطلقة بمجلس النواب”.
الحزب اعتبر أن الهدف كان فتح نقاش سياسي هادئ ومسؤول أمام المغاربة حول التحديات المطروحة، وحول أهمية الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية.
وتأتي هذه الخطوة في ظل صراع سياسي بين الأغلبية والمعارضة حول ملفات اجتماعية واقتصادية.
وتضم الأحزاب التي كانت تعتزم التقدم بالطلب كلا من: الاتحاد الاشتراكي (يسار/34 مقعدا)، الحركة الشعبية (وسط/28 مقعدا)، التقدم والاشتراكية (يسار/22 مقعدا)، والعدالة والتنمية (محافظ/13 مقعدا).
وكلف ملك المغرب محمد السادس، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أخنوش بتشكيل الحكومة، عقب فوز حزبه “التجمع الوطني للأحرار” (وسط) بـ102 مقعد في الانتخابات البرلمانية.
وتتألف الأغلبية الحكومية الحالية من أحزاب “التجمع الوطني للأحرار”، و”الأصالة والمعاصرة” (ليبرالي/87 مقعدا)، و”الاستقلال” (محافظ/81 مقعدا)، وتشغل 270 مقعدا مقابل 125 للمعارضة.
** تباين واضح
ووفق المحلل السياسي إدريس قسيم فإن “أحد أهم أسباب فشل هذه الخطوة هو التباين الواضح في السلوك السياسي لأحزاب المعارضة”.
وأضاف قسيم للأناضول أن “إثارة أحزاب المعارضة هذا الملف لا يتعلق برغبة حقيقة في إسقاط الحكومة”.
وتابع: “بل يتعلق بتسجيل موقف سياسي ومناورة سياسية، خاصة أن مكونات المعارضة تعلم عدم قابليتها للنجاح”.
و”من الواضح أن أحزاب المعارضة ليست على قلب رجل واحد، والتوتر والتنافر بين قطبيها الرئيسيين، الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، يطغى على اعتبارات التعاون والتنسيق”، حسب قسيم.
ورأى أن هذه الخطوة كانت تحمل أسباب فشلها منذ البداية.
واعتبر أنه مع اقتراب الانتخابات في صيف 2026 لا يمكن تجاهل أن كل الأحزاب، خاصة المعارضة، تسعى لكسب نقاط سياسية ترفع من رصيدها الانتخابي.
وذهب إلى أن السياق لم يكن في صالح المعارضة، وتوقيت المبادرة لم يكن مناسبا، وهو ما يؤكد عدم قابلية هذه الخطوة للتنفيذ لعدم توفر شروطها السياسية.
** اتهامات متبادلة
وبعد إعلان حزب الاتحاد الاشتراكي انسحابه، تحول التنسيق بين أحزاب المعارضة إلى اتهامات متبادلة.
وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد بنعبد الله، في تصريحات صحفية، إن مكونات المعارضة “دخلت في حسابات ثانوية مرتبطة بمَن يمكن أن يسجل ربحا سياسيا أو يظهر بمظهر المتزعم للمبادرة”.
فيما اتهم حزب الاتحاد الاشتراكي، في بيانه، باقي أحزاب المعارضة “بعرقلة خطوة التقدم بطلب برلماني لحجب الثقة عن الحكومة”.
ورأى أنه لم يلمس أي رغبة (من طرف باقي أحزاب المعارضة) في التقدم لتفعيل المبادرة، بل كان هناك إصرار على إغراق المبادرة في كثير من الجوانب الشكلية.
** تشرذم المعارضة
أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية رشيد لزرق قال إن انسحاب الاتحاد الاشتراكي له وقع كبير على هذه الخطوة، خاصة أنه القوة الأولى في المعارضة ولأنه مَن كان وراءها.
وأضاف لرزق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، للأناضول أن “هذا الانسحاب وعدم تمكن الأحزاب من التوافق يبين تعطيل الأدوات الرقابية وتشرذم المعارضة”.
وزاد بأن دور المعارضة هو تفعيل الأدوات الرقابية، وعدم تفاهم أحزاب المعارضة يعطل هذه الأدوات.
واعتبر أن “الكرة بقيت في ملعب المعارضة التي لم تستطع تفعيل المبادرة حتى الآن”.
وتابع أن دور المعارضة الضغط وتجويد العمل الحكومي، وليس الانخراط في تبادل الاتهامات.
وبحسب لزرق فإن غياب التنسيق الفعال للمعارضة هو “ضرب لروح الدستور الذي أعطاها صلاحيات”.
ورأى أن ما أقدمت عليه أحزاب المعارضة “مجرد ورقة سياسية”، فإسقاط الحكومة يتطلب تصويتا بالأغلبية، وهو ما لا تمتلكه المعارضة حاليا.
ووصف خطوة المعارضة بـ”الإشارة الرمزية لإطلاق نقاش سياسي حول حصيلة الحكومة وتقييم لعملها”.
واستطرد: هي “فرصة سياسية من أجل نقاش سياسي داخل المؤسسات، بدل أن يتم مناقشته حصيلة الحكومة خارج المؤسسات”.
** ضوابط دستورية
وحتى اليوم لم يصدر تعقيب من الحكومة على مسألة طلب حجب الثقة.
لكن الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان متحدث الحكومة مصطفى بايتاس سبق أن علق على اعتزام حزب الاتحاد الاشتراكي التقدم بطلب لحجب الثقة في مارس/ آذار 2024.
وقال بايتاس، في مؤتمر صحفي آنذاك، إن “الآليات التي منحها الدستور للفرق البرلمانية (الكتل النيابية) تخضع لضوابط دستورية وقانونية”.
وأوضح أن الدستور حدد مختلف الآليات والإجراءات والضوابط بخصوص اللجوء إلى طلب حجب الثقة.
وشدد على أن الحكومة “تتعامل مع هذا الموضوع في إطار نظام ديمقراطي”.
ووفق المادة 252 من النظام الداخلي لمجلس النواب “يودع ملتمس الرقابة (طلب حجب الثقة) لدى رئيس المجلس في شكل مذكرة مفصلة يسلمها له أحد الموقعين على الملتمس”.
على أن تكون المذكرة “مرفقة بقائمة تضم أسماء أصحاب الملتمس وتوقيعاتهم والفرق والمجموعات النيابية (الكتل النيابية) التي ينتمون أو ينتسبون إليها”.
وشهد المغرب طلبي حجب ثقة عن الحكومة عامي 1964 و1990، تقدمت بهما المعارضة آنذاك، إلا أنهما لم ينجحا في إسقاط الحكومة بسبب التفوق العددي للأغلبية.