الدكتورة جيهان بابان: أثر التغير المناخي على عناصر البيئة وأهمية التنمية المستدامة

الأستاذة الدكتورة جيهان بابان
التلوث البيئي الذي يشهده العالم قد وصل الى مستويات غير مسبوقة مما يهدد مستقبل البشرية و الكوكب على حد سواء, و حيث اصبحت معالجة اثاره من اولويات القلق العالمي البيئي و منها تغير المناخ كما عكسها الاهتمام الدولي الكبير بمؤتمرات المناخ الأطارية و اتفاقات كيوتو في 1997 للحد من الأنبعاثات الدفيئة وباريس في 2015 لتقليل ارتفاع درجة حرارة الأرض فوق 1.2 درجة مئوية مقارنة ما قبل الثورة الصناعية. و لتغير المناخ أسباب مركبة بعضها طبيعية مثل البراكين و أخرى تعود للنشاط الإنساني و خاصة بعد الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر حيث اصبح الوقود الأحفوري (الفحم أولا ومن ثم النفط و الغاز في القرن العشرين) المصدر الرئيسي للطاقة الذي أدى الى تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي مؤدية الى ظاهرة الأحتباس الحراري و ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض. و أدى هذا الارتفاع الى حالة من الهشاشة في نظم المناخ و متغيرات مناخيه متسارعة و متزايدة و تراجع في النظم البيئية المائية و الجافة و الذي فاقم منها التدمير الممنهج لرئة الكوكب في غابات الأمازون للدور الذي تلعبه في امتصاص ما يقارب ثلث انبعاثات الكاربون في العالم والحرائق المتزايدة للغابات في أوروبا و أمريكا و الأنبعاثات من وسائط النقل التي تستخدم مشتقات النفط.
ويطلق مفهوم التغير المناخي على التحولات الطويلة الأمد في أنماط المناخ ودرجات الحرارة على الكوكب نتيجة تراكم الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان في الغلاف الجوي التي تحتجز الحرارة و تمنعها من الانبعاث مرة أخرى الى الفضاء وهو ما يُعرف بالاحتباس الحراري ومن مظاهره ذوبان الجليد القطبي و ارتفاع مستوى سطح البحر الذي بات يهدد مدن ساحلية و تقلبات شديدة مثل الجفاف و الفيضانات و الأعاصير بكل ما تؤدي اليه من خسائر اقتصادية و مالية ضخمة و عدم الاستقرار الاجتماعي يضاعف منها ارتفاع معدلات تنمو السكان و مضاعفات تهدد الصحة البشرية العامة. وللتغير المناخي أيضا تأثيرات سلبية على النظم البيئية كتدمير موائل الكائنات الحية و تراجع النظم الأحيائية و الجافة.
ويمثل التغير المناخي في بلدان الشرق الأوسط تحديًا كبيرًا نتيجة تأثيرات بيئية واجتماعية واقتصادية خطيرة تسببها موجات الحر الشديدة التي هي اكبر من متوسط النسب العالمية و الجفاف المتزايد و تناقص معدلات التساقط المطري و شحة المياه السطحية و الجوفية و تزايد وتيرة العواصف الترابية و الرملية مما يزيد من هشاشة مواجهة تداعياتها بكل ما يحمله من تهديد للأمن الغذائي و لسلامة الأنظمة البيئية المائية والصحراوية وتقلص التنوع البيولوجي. ومن المحطات المهمة انعقاد مؤتمر المناخ الإطارية ( كوب 28) في دبي عام 2023 اتخذت فيه قرارات هامة حول تمويل مشاريع التخفيف و التكيف مع التغير المناخي.
اما على صعيد المعالجات فالاستثمار الرئيسي يكون في اتباع مقاربة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة واعتماد الاقتصاد الدائري الاخضر تستند الى رؤية اطارية تعتمد تضافر جهود الجهات ذات العلاقة الحكومية و القطاع الخاص و الأكاديمية و منظمات المجتمع المدني لتحويلها الى خطط استراتيجيه و عملية و حوكمة إدارية مناسبة .
فعلى سبيل المثال تقليل البصمة الكاربونية وصولا الى الحياد الكاربوني خاصة بالأستفادة من أسواق الكاربون الناشئة لتمويل مشاريع التخفيف و التكيف و استخدام التكنولوجيا الحديثة لمعالجة الانبعاثات الدفيئة و الانتقال الممنهج الى مصادر خضراء للطاقة كالشمسية و الريح و المياه و غيرها. و يحتل القطاع الزراعي أهمية استثنائية في تطبيق الاستدامة بسبب كونه المستهلك الأول للمياه عبر ترشيد الاستخدام و استخدام التكنولوجيا الحديثة للسقي و الحفاظ على ديمومة المياه الجوفية و بما يهدف الى تحقيق الأمن الغذائي.
و نشهد في القرن الحالي صعود العلوم الرقمية و الحاسوبية و الذكاء الاصطناعي التي تفتح افاق واعدة امام اعتماد أسس علمية لسياقات رسم الأهداف و الخطط كما توفر القدرات لمعالجة و تحليل البيانات البيئية باستخدام الحاسبات فائقة السرعة و تطبيقات الذكاء الاصطناعي و منها تطبيقات النمذجة لمحاكاة البيانات المناخية وتوقع الأنماط المستقبلية . و يتطلب ذلك عقد شراكات دولية ومع كليات البيئة للأستفادة من الخبرات و منها استخدام التقنيات الحديثة في الرقابة و الاستشعار عن بعد, هذه الاستدامة مع التحديات البيئية ستطور حالة توازن بين الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية لضمان استمرارية الموارد و الاستفادة القصوى منها وتحقيق رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية.
وستبقى مهمة الحفاظ على البيئة مسؤولية الجميع من اجل بيئة خضراء مزدهرة.
خبيرة في علوم البيئة وهندسة الطاقة المتجددة و التغير المناخي
مؤسسة و رئيسة جمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة
و المركز العراقي لهندسة الطاقة المتجددة و التغير المناخي