علي وطفي: لبنان بين التحولات والأخطاء

علي وطفي: لبنان بين التحولات والأخطاء

 

 

علي وطفي
في الجغرافيا تم تشكيله بداية بولاية هي منطقة جغرافية من سورية الكبرى (جبل لبنان) و من ثم إضافة اراضي بقوة الامر الواقع إلى حدوده الحالية بإرادة المستعمر الفرنسي عندما وضع يده على جزء بلاد الشام و الجزء الاخر تحت السيطرة البريطانية ما عرف آنذاك ب إتفاقية “سايكس وبيكو” الذي قسمت إرث الاحتلال العثماني تزامنا مع نزوح جماعات اغلبها من شمال بلاد الشام و كيليكية إلى ما عرف سياسيا بولاية جبل لبنان ، و تحول مركز استقطاب لكل القوى الدولية و الاقليمية تديره مجموعة قناصل اجنبية و بالتالي اصبح دور الكيان تهديد بؤرة ازعاج ومؤمرات في المشرق و تهديدا لما اصبح كيان سياسي (سورية) و بقية كيانات حديثة .
هذا المشرق (مقبرة الامبراطورات) على مد العصور ، التي سعى الاقربون و الابعدون للسيطرة عليها منذ مملكة تدمر و أسر ملكة الشرق “زنوبيا” إلى روما هذه البقعة من الجغرافيا السياسية على مدى التاريخ البشري و أرض نشوء و تفاعل الحضارات التي منحت العالم كل المعرفة من الحرف الى الرقم و النوتة الموسيقية إلى الهندسة ،الطب و العلم و الزراعة و الري و الشواهد تحكي ذلك مسرح بصرى الشام، تدمر، افاميا، ماري ، عمريت ، رأس شمرا، بعلبك، صيدون، أرادوس (أرواد) قلعة فينيقيا البحرية و الكثير من الشواهد .
هي جغرافيا الديانات الثلاثة و نقطة انتشارها في اربع اتجاهات الارض، إنها خصوصية لا توازيها خصوصية لاي موقع على هذه الارض ، اما في الديموغرافيا البشرية و الاجتماعية هذه البلاد متنوعة الاعراق ، الديانات ، الطوائف و المذاهب و ما بعد الطوائف ، فرادية الكيان اللبناني انه نسخة ميكروية عن بلاد الشام ، لكن الميزة (الكارثة) منذ التأسيس لكل جماعة و مذهب راعي خارجي و باهداف تتضارب مع بقية الجماعات و الرعاة ، لذلك لم و لن تجد مادة لاصقة لتثبيت أجزاءه الاجتماعية حتى يومنا ، مهما تغنى الفرقاء بحبهم للكيان يبقى عصي على التفاهم و الشراكة و هذا منطقي لان مبدأ تكونه يوصل الى هذه النتيجة .
آخر الفاعلين في مصيره في العصر الحديث كان الاحتلال الفرنسي إلى ان اصبح الكيان اللبناني الابن الوحيد المدلل في المشرق و وصل الامر مؤخراً بجزء من اللبنانيين لمجرد انها فرنسا التي منحتهم بعض الامتيازات فهم يتفاخرون بلغتهم الفرنسية على حساب الأصلية بشيء من التعالي و التعجرف على بقية المكونات المحلية (الإخوة في العيش) و حتى على السورييين و الفلسطينيين و الخروج على مفهوم العروبة في القرن الماضي بشيء من العنصرية و تفوق الذات على الآخر ، نتذكر كم أرعب هؤلاء المحسوبين على الغرب و فرنسا بشكل خاص (الفرانكفونية ) قوة المد الناصري و مشروع الوحدة مع سورية و كيف دخلت السلطة الحاكمة (كميل شمعون)آنذاك في حلف بغداد المعادي ، و أكاد اجزم ان هؤلاء و في قرارة انفسهم يتمنون لو كانوا جزء قانوني أو جغرافية فرنسية و حاليا حتى ولاية أمريكية ، و نذكر مؤخرا وصل بهم الاول إلى ان يترجوا باكين شاكيين رئيس فرنسا “ماكرون” بعد تفجير مرفأ في بيروت بان يعيد احتلال لبنان ، كما وصل خيال متعصبيه في فترة ليست ببعيدة من التاريخ التنصل من العرب و الاصرار على الميثيولوجيا الفينيقية و كأن( فينيقيا) كانت حدودها فقط ساحل جبل لبنان و صور جنوباً ، أما ساحلي فلسطين و سوريا هم في المحيط الهندي ..! او تكونا فيما بعد نتيجة ( انزياح ارضي قاري زلزالي) كما لا يعلمون كمية التمازج البيولوجي نتيجة تواتر موجات الحضارات البشرية المتنوعة عرقيا و دينيا من بداية الجامعات البشرية من العموريبن ،الكنعانيين ،البيزنطيين و الرومان المسيحيين و المغول ، التتار ، العثمانيون وصولا إلى الاحتلال الفرنسي ، فهل بقي احدا بدم فينيقي صافي و إن اعتبرنا ان النسل اللبناني بدا من فينيقيا و هو خيال ..!؟
الطرافة اليوم انقلبوا على ذواتهم و يزايدون على القوميبن و الناصريين و أصبحوا ينادون بالعروبة و لكن العروبة المصلحية عروبة الخليج حيث المال.. تقريبا اصبحوا (بعثيين) للتقرب من انظمة الخليج بنظرية ( العوربة) انها ضرورة التزلف و المصلحة و التمويل و دعم اجندات هذه الانظمة و من يرعاها
كما ليس خافيا على احد ان ابناء هذا الكيان و سكانه من العائلات السورية و الفلسطينية او (الشامية) حتى اقتصاده و ازدهاره حتى الحرب النهاية أسسه رجال اعمال و مصرفيون سوريون و فلسطينيون و بالوثائق ان نورد اسما وكنية العائلات الحالية هي عائلات سورية صافية بالغالب الاعظم و فلسطينية نوعا ما ، لذلك عدد عدد لا يستهان من مواطنيه هؤلاء يعيش نوع انفصام الشخصية او المرض النفسي بعضهم يكاد يتجاوز بعصبيته خرافة الشعب المختار… هذا كله نتاج عقدة نقص بنيوية و نفسية.
كما هو حالهم في التجارة السياسية و بيع و حتى المزايدة بالمواقف (سلع تجارية ) , معظمهم سياسيون بالوراثة على تاريخ ابائهم و أجدادهم و لا يرتقون إلى مستوى رجال دولة بسبب صراع التناقضات و المصالح الضيقة و الشخصية ممزوجة بالحقد و الكراهية هم لبنانيين بالهوية فقط حتى وصل الامر ببعضهم بإصدار حكم بمن هو اصلي او تقليد من من مواطني الكيان و ظاهرة لا يشبهوننا مؤخراً.
اليوم عندما نرى امواج عاتية لا تخبو من الضغوطات و الاعتداءات لإعادة لبنان إلى شعار المسخرة ” قوة لبنان في ضعفه ” و التناغم وحتى التحالف السياسي إلى المزايدة على مواقف العدو الاسرائيلي بالاصرار على نزع آخر مخلب لبناني يمكن ان يخدش كبرياء تل أبيب،،،! فالانسان ذو العقل السليم يستغرب هذا ، فالعقل لا يقبل هذه المواقف من الاخر اللبناني في الوطن ، ليس هذا إلا نوع من الفوقية و الحقد ، التشفي و الكراهية.
لبنان صُمم على أن يكون حر في الحالة البينية بين مجموعاته على انوعها و قمة التسلط او الاقطاعية و ديكتاتورية الاحزاب و الطوائف عموديا. لكل حزب (حرية) في الصراع مع الاخر , حرية بلا ضوابط في السياسة اتجاه حزب آخر نقيضه في الايديولوجيا او عند المنافسة على المصالح المادية و الشعبية و المكتسبات الخاصة ، إنما داخل هيكلية الحزب الواحد فالحالة هتلرية بدون رائحة ديمقراطية في الحياة الحزبية و رئيس الحزب إلى الابد و لسخرية القدر ينعتون الغير بالديكتاتورية من الاحزاب و الانظمة التي لا توافق مصالحهم و أهداف رعاتهم الإقليميين و الدوليين ، فرئيس الحزب (معصوم) فوق الانتقاد و لا رأي له معارض.
ثم لم يحدث في علم السياسة أن الاحزاب كافة هي السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية و هي متصارعة فيما بينها معا في نظام برلماني طائفي و مفهوم المشاركة للمعارضة من داخلها ، يعني لا تعليق يليق.
لن و لم تجد على شاكلة الكيان اللبناني لا في التاريخ و لا في المستقبل ، إنما حديثاً ظهر نموذج لمحاولة إلحاق العراق بالحالة اللبنانية و نجحوا لحد ما و اليوم يحاولون الشيء عينه في سورية ، أي كتابة الوصفة اللبنانية للمريض السوري مع اختلاف النسبة و التناسب.
الآن بعد ان حصل ترامب على ملياراته منح النظام السعودي حصرية “طائف” سوري ،أي نعود إلى دولة مشلولة بثلاثة رؤوس تبقى دولتين او ثلاثة تتحكم بقرارات النظام السوري الجديد على غرار لبنان (الطائف)، تحول شعار وحدة “المسار و المصير” بقوتهما و استقلال قرارهما إلى لبنان و سورية قوتهما بضعفهما.
لبنان في حالته السياسية المتناحرة بين كياناته السياسية هو عبارة عن أوراق للعبة خارجية قد توصله إلى الاندثار بعد ان ظهر حالة في كارثية من الخلاف تجلت بعد الحرب الاخيرة عندما تطلب اطراف داخلية و تشجع العدو الخارجي على سحق او قتل و اقتلاع مجموعة لبنانية و الحد الادنى ان تتشفى من لبنانيين انكسروا في معركة مع اسرائيل مثلا.
اما النكتة هي كلهم يريدون ال 10452كم مربع و يعشقون السيادة و الاستقلال بينما راجع تاريخهم نرى ان هؤلاء لا يعلمون معنى و قيمة هذه الجغرافيا و لكل سيادته و استقلاله حسب تبعيته و تمويله ، و أبرز وجوه و تجلياتها ظهرت في انتخاب الرئيس الحالي و تعيين رئيس الحكومة هذه (السيادة) في القرار الوطني يمكن ان تُدرس في اكاديميات العلوم السياسية.
 و شعار “لبنان أولاً” المختلف عليه هو مجرد وهم لان الواقع نقيض ذلك في تصرفات معظمهم ،السبب كان هو ضرورة تسويقه في تللك المرحلة لأجندة سياسية وصلتهم كتعليمات ليتشربها الوعي الجمعي اللبناني و لا شيء آخر ، أما مفهوم الوطنية فحدّث بلا حرج فهو سريالي الفهم فلكل تفسيره و وجهة نظره و يتوقف تفسيره على موازين القوى الخارجية الحاكمة لقوى للبلد و أصبحت الحياة السياسة اليوم (الوطنية) لهؤلاء عبارة عن منصات متناحرة سياسية إعلامية لنشر الغسيل الداخلي الغير نظيف و مرآة نفوذ و خطط للقوى الخارجية على مختلف المستويات و لا شيء آخر يخدم كيانه و أبنائه بكل أسف سوى المزيد من التحكم ، العداوة و الضغينة، هو ما ينعكس حتماً على الجوار القريب و الابعد و اصلا قد بدأ يظهر في سورية بعد الانقلاب و وصول المجموعات المتطرفة إلى السلطة و كل منها يتبع لنظام اقليمي- عربي و دولي و بدأ ظهور التعامل مع سلطة الامر الواقع و مؤسساتها بإسلوب تعامل الانظمة العربية كما تعامل السفارات مع المؤسسات و المجموعات السياسية اللبنانية و للاسف. علينا ربما نسيان (السيادة) إلى حين و عليه في آية لحظة الامور قابلة للإنفلات في ما عرف ببلاد الشام او سورية الطبيعية وصولا إلى الحرب الاهلية على كامل جغرافيتها .
كاتب سوري