زياد أحمد سلامة: الأسباب وراء انتقادات الحداثيين لآراء الفقهاء بشأن أقصى فترة للحمل؟!

زياد أحمد سلامة
لا ينفك دعاة التنوير! من ترديد مقولات سرقوها من المستشرقين ونسبوها لأنفسهم، دون تبصر ولا تفهم، ومن هذه المقلات أن أقصى مدة الحمل في التراث الإسلامي هي أربع سنوات، ويكررون هذا القول مصحوباً بالسخرية والاستخفاف في سياق حملاتهم ضد ما هو تراث وفقه إسلامي، وهي موجة من موجات الكيد للإسلام وضرب مصداقيته والقول بأن الفقه الإسلامي يناقض ويعارض العلم الحديث!
ولكن ما موقفنا من أقوال الفقهاء تلك والتي ثبت مخالفتها للعلم الحديث الذي يقدر مدة الحمل الطبيعي بتسعة أشهر، أقصى مدة له كما يقول الأطباء المختصون:
عشرة أشهر . (300 يوم ÷30 عدد أيام الشهر = 10 أشهر).
310 يوماً .(310÷30 يوما = عشرة أشهر وثلث).
330 يوماً .(330÷ 30 يوما = 11 شهراً).
نقول في الرد على ما يقوله دعاة التنوير والقراءة المعاصرة للقرآن الكريم.
نعم قال فقهاء كبارٌ من المسلمين بذلك، وقال العلم ذلك القول، ومن أقوال الفقهاء:
أقصى مدة للحمل: هي المدة المعهودة، وهي تسـعة أشـهر، وبه قال أصحاب المذهب الظاهري.
أقصى مدة للحمل: سنَة واحدة، وهو قول محمد بن عبد الحكم من المالكية، واختاره ابن رشد، ومن المعاصرين الشيخان عبد الوهاب خلاف ومصطفى الزرقاء.
سنتان، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد بن حنبل، والثوري والأوزاعي وعثمان البتي والسيدة عائشة والمزني من الشافعية.
ثلاث سنين، وهو قول الليث بن سعد.
أربع سنين، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، ورواية عن مالك وهو مشهور مذهب أحمد.
خمس سنين، وهي رواية عن الإمام مالك.
ست سنين، وهي رواية عن الزهري.
سبع سنين، وبه قال ربيعة الرأي، والزهري.
لا حد لأكثر الحمل، وهو قول أبي عبيد، والشوكاني، ومن المعاصرين: الشنقيطي، وابن باز، وابن العثيمين.
إذاً؛ من أين جاء أولئك الفقهاء بهذه الأقوال:
هناك في أصول الفقه ما يُسمى بتحقيق المناط، وهو أن نعرف طبيعة الحادثة نفسها وكل ما يتعلق بها حتى نحكم عليها. فحتى نحكم على شراب ما أنه مجرد عصير عنب أم خمر، ننظر في واقع العصير نفسه، فإن حمل صفات العنب ولم يتغير تركيبه ولم يؤد للإسكار فهو مجرد عصير عنب، ولكن لو تغيرت إحدى صفاته فتخمَّر وتغيَّر واشتد، أو قذف الزبد، أو الغليان، فحينئذ يُحَرَّم تناوله، لأنه سيكون مسكراً، أو مظنة الإسكار ومعنى اشتد (أي غلظ وصار له قوام)
وهنا أراد هؤلاء الفقهاء تحديد مدة الحمل لإيقاع الأحكام الشرعية المناسبة، كالزنى، والنسب، والميراث، والعدة، ولما لم يكن هناك نص شرعي قطعي يحدد أقصى مدة للحمل، ولم يكن هناك رأي طبي قاطع آنذاك أيضاً، فعمد أولئك الفقهاء للاستعانة بأقوال النساء من ذوات الخبرة، وتجاربهن الشخصية وما يُشاع من أقوال عند الناس، فكانت هذه أدوات تحقيق مناط أقصى مدة للحمل عند المراة، يقول الإمام ابن قدامة المقدسي “ولنا أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وُجِد الحمل لأربع سنين، فروى الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس حديث جميلة بنت سعد عن عائشة:لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل. قال مالك: سبحان الله !من يقول هذا ؟هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد، وقال الشافعي: بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين، وقال أحمد :نساء بني عجلان يحملن أربع سنين وامرأة عجلان حملت ثلاثة بطون كل دفعة أربع سنين، وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي في بطن أمه أربع سنين، وهكذا إبراهيم بن نجيح العقيلي حكى ذلك أبو الخطاب، وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لأنه ما وجد! ولأن عمر حدَّد لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية الحمل.
ويمكن اعتبار ما يُسمى بالحمل الكاذب أو الوهمي عند بعض النساء سبباً من إيراد تلك التقديرات، والحمل الوهمي عند الأطباء هو: حالة تشعر فيها غير الحامل بكل أعراض الحمل, وتؤمن إيماناً قوياً بكونها حاملاً, وتأتي الطبيب شاكية من كل عوارض ومتاعب بداية الحمل, من انتفاخ في البطن, والغثيان, وتغيب للحيض .. , وغير ذلك. وتحدث هذه الحالة في الغالب عند النساء في نهاية العقد الثالث من أعمارهن, أو في مطلع العقد الرابع, واللواتي يتطلعن للحمل بكل شغف منذ سنوات, وقد تحدث عند نساء أصغر عمراً, خاصة إذا كن تحت تأثير ضغط أسئلة الأهل والأصدقاء عن قابليتهن للحمل, أو عند نساء فقدن طفلاً أو حملاً في السابق, كرد فعل عاطفي لما حدث. وبعض البراهين العلمية تشير إلي أن السبب وراء هذه الحادثة هو اضطراب هرموني مؤقت يسبب كل أعراض الحمل الوهمي, فتعاني المرأة من انقطاع الحيض, بسبب تأثير الغدة النخامية المباشر علي إفرازات هرمون المبيضين, كما تحس المرأة وكأن هناك حركة جنين في بطنها, وهي في الحقيقة ليست إلا حركة الأمعاء داخل البطن , والإحساس بتقلصات عضلات جدار البطن وعند الميعاد المحسوب للولادة تحس المرأة بآلام الولادة, وليس ذلك إلا حالة نفسية عصبية, تكون الربة فيها عند المرأة في الحمل ملحة, أو الخوف الشديد منه, ونسبة هذا الحمل: امرأة واحدة من كل عشرة ألاف.
وهناك ما يتسمى عند الأطباء بـ ” السبات ” ، وهو يحدث عندما يتم الحمل، وفي مرحلة ما يتوقف هذا الحمل عن النمو لفترة، لكنه موجود حيٌّ، وفق الفحوصات، والاختبارات الطبية، فتزيد مدة الحمل بقدر زيادته، وعلَّل بعض الأطباء حكايات الحمل الممتد لسنين بعدة تعليلات، وهي : الحمل الوهمي أو الكاذب، الخطأ في الحساب من بعض الحوامل، ظهور أسنان عند بعض المولودين حديثاً، موت الحمل في بطن أمه وبقاؤه فيها مدة طويلة، عدم صحة هذه الأخبار.
وقد استدل من قال من الفقهاء بامتداد مدة الحمل إلى سنوات كثيرة ببعض الأحاديث والآثار، غير أنها ضعيفة لا يثبت بها مثل هذا الحكم. وقد طعن الإمام الفقيه ابن حزم رحمه الله في صحة الأخبار التي اعتمد عليها أولئك العلماء، وقالوا بأن الحمل يمكن أن يمتد لسنوات. فقال:”وكلُّ هذه: أخبارٌ مكذوبةٌ، راجعةٌ إلى مَنْ لا يَصْدق، ولا يُعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا” “المحلى” (10/316) . وقد تتبع ابن حزم رحمه الله كل هذه الأقوال وحكم عليها بالتضعيف ، والإنكار .
احتمال وجود خطأ في حساب مدة انقطاع الدورة الشهرية ضمن مدة الحمل, وذلك أن المرأة قد تكون مرضعاً فتنقطع الدورة الشهرية فترات طويلة جداً بسبب وجود هرمون الحليب, وقد يحدث في أثناء ذلك أن تحمل المرأة وتلد في أقصى مدة الحمل فتظن انقطاع الدورة جزءاً من حملها وليس كذلك.
لذلك يمكن الاعتذار عن العلماء الذين قالوا بجواز المدة الطويلة، بأنهم بنوا ذلك على أخبار ظنوا ـ حينئذ ـ ثبوتها، وبنوا الأمر أحكامهم هذه.
ما اعتبرته قوانين الأحوال الشخصية:
وأما في قوانين الأحوال الشخصية في غالب البلاد العربية: فقد ذهبوا إلى تحديد المدة بسنة، ومنهم من حسبها باعتبارها سنة شمسية – وهم الأكثر – ، ومنهم من نصَّ على كونها سنَة قمرية. وسبب اعتبار السَنة وليس التسعة أشهر لاعتبارات احتياطية سيرد ذكرها.
أشار المجمع الفقهي الإسلامي إلى عدم ورود نص صريح من الكتاب والسنة يحدد أكثر مدة الحمل، إضافة إلى تأكيد المجمع أن وسائل الطب الحديث المتعلقة بالحمل عبر التحاليل المخبرية والتصوير بالموجات فوق الصوتية، لم تثبت أن جنيناً واصل داخل الرحم لمدة تفوق التسعة أشهر إلا لأسابيع قليلة، فجاء قرار المجمع على أن يكون أكثر مدة للحمل هي عامُ واحد من تاريخ الفرقة بين الزوجين، لاستيعاب احتمال ما يقع من أخطاء في حساب الحمل، وأي ادعاء لوجود حمل يزيد عن السنة يحال على القضاء لبته مستعيناً على ذلك بلجنة شرعية طبية.
وجاء في التوصيات الصادرة عن ” المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ” في موضوع ” أقصى مدة الحمل ” الندوة الثالثة سنة 1987م -: يستمر نماء الحمل منذ التلقيح حتى الميلاد معتمداً في غذائه على المشيمة، والاعتبار: أن مدة الحمل بوجه التقريب: مئتان وثمانون يوماً، تبدأ من أول أيام الحيضة السوية السابقة للحمل. فإذا تأخر الميلاد عن ذلك: ففي المشيمة بقية رصيد يخدم الجنين بكفاءة لمدة أسبوعين آخرين, ثم يعاني الجنين المجاعة من بعد ذلك، لدرجة ترفع نسبة وفاة الجنين في الأسبوع الثالث والأربعين, والرابع والأربعين, ومن النادر أن ينجو من الموت جنين بقي في الرحم خمسة وأربعين أسبوعاً.
ولاستيعاب النادر والشاذ: تُمد هذه المدة اعتباراً من أسبوعين آخرين، لتصبح ثلاثمئة وثلاثين يوماً, ولم يُعرف أن مشيمة قدِرت أن تمدَّ الجنين بعناصر الحياة لهذه المدة , وقد بالغ القانون في الاحتياط مستنداً إلى بعض الآراء الفقهية، بجانب الرأي العلمي , فجعل أقصى مدة الحمل: سنَة
ذكر الأستاذ عمر بن محمد بن إبراهيم غانم في خاتمة كتابه ” أحكام الجنين في الفقه الإسلامي ” النتائج التي توصل إليها ومنها:
– أن أقصى مدة للحمل هي: سنَة قمرية واحدة، ولا عبرة لما ذهب إليه الفقهاء من أقوال تزيد عن هذه المدة التي بنيت على الظنون والأوهام، ولا أساس لها من الحقيقة، بل إن معطيات العلم الحديث تبددها.
والمسألة ليس فيها نص من القرآن أو السنة حتى نقول إن الدين تصادم مع العلم ، وإنما هي اجتهادات لأهل العلم المرجع فيها إلى الوجود؛ أي أن من قال بقول ما، ذكر أنه قد وجد في الواقع ما يشهد له ويؤيده. ولهذا قال ابن رشد رحمه الله: “وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة، والتجربة، وقول ابن عبد الحكم من فقهاء المالكية، وقول للظاهرية: هو أقرب إلى المعتاد، والحُكم: إنما يجب أن يكون بالمعتاد، لا بالنادر ولعله أن يكون مستحيلاً”.
وقال ابن عبد البر رحمه الله :”وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد، والرد إلى ما عُرف من أمر النساء”
فالمسألة تقديرية من قبل أولئك الفقهاء بناء على موصلهم من أخبار، وليس فيها نصٌ شرعي من الكتاب أو السنة، وبعد أن قطع العلم بأن مدة الحمل لإنجاب طفل حي قادر على الحياة هي ما بين الستة أشهر إلى الحد عشر شهراً من الحمل، فقد تم اعتماد هذا المعطى العلمي، وكانت الزيادة شهراً واحدا على أقصى مدة حمل قالها الطب، إنما هوباب الاحتياط للأسباب التي تم ذكرها.
كان الأولى بمرددي هذه الأقاويل البحث في المسألة من كل وجه، وتقدير دوافع أولئك الفقهاء في إعطاء هذه الآراء، وكذلك عليهم الاعتماد إلى ما قاله الفقهاء والباحثون المعاصرون الذين استعانوا بمعطيات الأبحاث الطبية، ولكن نعرف أن دوافع هؤلاء ليس البحث عن الحكم الشرعي وتحرير المسألة، إنما دوافعهم فقط هي التشكيك بما كل ما في الإسلام، ورأيناهم يهاجمون السنة والفقه وأصول الفقه والتفسير والسيرة النبوية، بل هاجموا ما هو مقطوع به كعدد الصلوات المفروضة وكيفية أدائها.
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
كاتب اردني