أمريكا والدول العربية: من يحتاج إلى الحماية من الآخر؟

أمريكا والدول العربية: من يحتاج إلى الحماية من الآخر؟

د. بسام روبين

 

يتكرر بين الحين والآخر خطاب أمريكي جاف، يفتقر إلى الدبلوماسية، يذكر بعض الأنظمة العربية بأن الحماية الأمريكية ليست مجانية، وأن عليهم الدفع مقابل الأمن والإستقرار ، ورغم ذلك، لا يبدو أن العرب يتوقفون كثيرا عند هذه التصريحات لحظة إتخاذ قراراتهم الإستراتيجية ، لكن السؤال الأعمق والأكثر إلحاحا هو من يحمي من فعلا؟

فلو سألت مسؤولا أمريكيا عن سبب إنتشار القواعد العسكرية من الخليج إلى المغرب، لأجابك ببرود ، نحن نحمي حلفاءنا، لكن المواطن العربي البسيط يرى الصورة من زاوية مختلفة تماما ، إذ يعتقد أن أمريكا هي من حولت المنطقة إلى ساحة صراعات، وزرعت فيها ألغام الإنقسام، وفرضت عليها كلفة حريتها وأطماعها.

فالعلاقات العربية الأمريكية مليئة بالتناقضات، وبعض الدول العربية تقدم أراضيها للقواعد الأمريكية، وتسخر نفطها وثرواتها لإنعاش الإقتصاد الأمريكي، وتربط بقاء أنظمتها بتحالفات غير متكافئة، مقابل صفقات سلاح ضخمة وشعارات ديمقراطية لا تتجاوز حدود الإعلام، أما المستفيد الحقيقي، فهو من يحصد الثروات، ويفرض الولاءات، ويستثمر في الضعف السياسي السائد،

أما التهديدات التي تزعم واشنطن أنها تتصدى لها، فكثير منها صناعة أمريكية بإمتياز من غزو العراق، إلى دعم الجماعات المتطرفة، والإنقلابات، وتفكيك الدول الكبرى مثل اليمن وسوريا وليبيا والسودان، مرورا بتوفير الغطاء الكامل للآلة الوحشية الإسرائيلية وهي ترتكب المجازر بحق أطفال غزة وتحاصر شعبها.

وفي المقابل، يدفع العرب الثمن مضاعفا ، مليارات تهدر على صفقات السلاح، ودعم مباشر للإقتصاد الأمريكي، مقابل صمت سياسي مخز أمام جرائم الإحتلال، وخضوع في المحافل الدولية.

لكن لا بد من الإشارة إلى أن العالم العربي ليس كتلة واحدة ، فبعض الأنظمة ترى في التحالف مع واشنطن صك بقاء، بينما تحاول أخرى مغازلة موسكو وبكين بحثا عن توازن إستراتيجي يعيد للمنطقة شيئا من مكانتها، أما الشعوب العربية، فهي تدفع الثمن مرتين ، من جيوبها ومن كرامتها.

ورغم أن أمريكا لم تعد بحاجة إلى نفط العرب كما في السابق، فإنها لا تزال بحاجة لأن يباع ذلك النفط بالدولار، كركيزة لإستمرار هيمنتها المالية، أما العرب، وبرغم تشرذمهم، فما زال بعضهم يتشبث مخطئا بالأمل وأن الراعي الأمريكي لن يتخلى عنهم، أو على الأقل، لن يبتزهم أكثر ، رغم تاريخ طويل من الخداع.

لقد باتت العلاقة اليوم أقرب إلى زواج مصلحة ، أمريكا تمنح السلاح والشرعية، والعرب يقدمون الأرض والثروات والصمت السياسي، أما الشعوب، فهي الحلقة الأضعف ، تلك التي لا صوت لها ولا حول.

وأذكركم بما حدث في عهد المستعصم ، فما جمعه بنو العباس في خمسة قرون أخذه هولاكو في ليلة، حين ذهب المستعصم معه ودله على مخابئ الذهب والفضة والنفائس داخل وخارج قصوره، حتى أنه أرشده إلى نهر مطمور من الذهب، فقال له هولاكو ساخرا لو كنت أعطيت هذا المال لجنودك لحموك مني ، ولم يبكِ المستعصم على المال، بل بكى حين أخذ هولاكو يستعرض جواريه الحسان،  داعياً الله ألا يوقع الأمة فيما وقع فيه. ثم وضعوه في كيس من الخيش وركلوه بأقدامهم حتى الموت.

فهل نستفيق قبل أن يتحول الحامي إلى أول من يهرب، والمحمي إلى أول من يسقط؟

ربما يكمن الجواب الوحيد في وعي الشعوب، لا في تصريحات ترامب، ولا في وعود من سبقوه أو من سيأتون بعده.

وفي الختام، حفظ الله أمتنا العربية، وأعاد لها مجدها وكرامتها.

 

العميد المتقاعد الدكتور بسام روبين