ناهد نجار: التغول الإسرائيلي الأمريكي بين الصمت المريب والمقاومة

ناهد نجار
يتمحور التنمر في جوهره، حول فرض السيطرة بالقوة واستغلال الضعف. وهو سلوك عدواني يعتمد على القوة ليس بهدف الإيذاء فقط بل بهدف النفوذ الكامل على المستهدف، ويأخذ أشكالا عديدة منها الإيذاء الفعلي أو اللفظي أو الاجتماعي كالعزل والتشويه ونشر الشائعات أو كلها مجتمعة.
وفي عالمنا اليوم أصبح التنمّر السياسي والعسكري أداة مهمة من أدوات النفوذ التي تستخدمها بعض الدول لفرض إرادتها على الدول الأضعف. وقد يتعدى حدود التنمّر، كما نعرفه، ليصبح تغولا بلا رادع تماما كما يحدث في منطقتنا العربية اليوم بدءا من غزة وصولا إلى اليمن.
ولا داعي هنا للتساؤل إن كانت إسرائيل والولايات المتحدة، وتحديدًا خلال فترة حكم دونالد ترامب، تمارسان هذا النوع من التغول تجاه دول الشرق الأوسط؟ فالواقع على الأرض يجيب على هذا التساؤل.
فالولايات المتحدة وإسرائيل في عدوانها على الدول العربية تنتهكان كل معايير القانون الدولي، وتمارسان بشكل سافر كل الضغوط لمنع أي دولة من دعم فلسطين أو تأييدها. ولا تقتصر المواقف على المنع بل العقاب إن اقتضت الضرورة كما حصل في اليمن والعراق.
وبدت الدول العربية والإسلامية عاجزة ليس في وقف حرب الإبادة ومحاولات التطهير العرقي فقط، بل في الحد الأدنى لكسر الحصار وإدخال قوافل الإغاثة التي تتكدس على معبر رفح، لإنقاذ المواطنين الفلسطينيين الذين يتعرضون لخطر الموت جوعا ومرضا هذا لو نجو من القصف المستمر.
وفي ظل وحشية ما نسمعه من أخبار أصبح الوضع لا يحتمل التحليلات ويحتاج إلى قرارات فعالة وعاجلة تعكس إرادة حقيقية واعية للخطر القادم.
ولنستعرض معا بعض العناوين الإخبارية وهي نقطة في بحر:
قتلت القوات الإسرائيلية 490 طفلًا خلال 20 يومًا فقط، وأحرقت خيمة الصحفيين أمام مرأى العالم.
منعت إسرائيل دخول لقاحات شلل الأطفال إلى غزة، مما يعرض حياة 602,000 طفل لخطر الإصابة بـ”الشلل الدائم والإعاقات المزمنة.
في الضفة الغربية أطلقت القوات الإسرائيلية النار وقتلت فتى فلسطينيًا أمريكيًا يبلغ من العمر 14 عامًا قرب بلدة ترمسعيا.
جددت إسرائيل عدوانها على جنوب لبنان، ودمرت أجزاء من بلدة زبقين وأدى القصف إلى مقتل اثنين من المواطنين اللبنانيين، وذلك بعد أسبوع من غارة على بيروت.
القوات الأمريكية تابعت قصفها العنيف على اليمن، وهددت بشكل غير مباشر إيران.
الإدارة الأمريكية تطلب من دول الخليج علانية أن تستثمر في الولايات المتحدة.
ورغم قسوة ووحشية تلك الحقائق، لا يزال قادة العالم العربي في دائرة الصمت أو المواقف التي لا تتعدى التنديد والرفض، فهل هم خائفون أم غير مدركين لخطورة السكوت أم لا يعرفون كيف يواجهون هذا التغول؟
في المحور العسكري من المعروف أن الدول العربية التي في معظمها تعتمد بشكل كبير على الأسلحة والتدريب من الولايات المتحدة غير مستعدة لخوض مواجهة عسكرية مباشرة مع واشنطن أو حلفائها. أما سياسيا فالخلافات بين الدول العربية والدول الإسلامية و الحروب الأهلية، والصراعات المذهبية، كلّها تجعل من الصعب تشكيل موقف موحد.
وفي المحور الاقتصادي ورغم امتلاك بعض الدول الخليجية نفوذًا ماليًا ضخمًا، فإن اقتصاداتها مرتبطة بشكل كبير بالغرب، وتخشى إن استخدمت النفط سلاحا أن تتأذى مصالحها.
فهل الصمت استراتيجية فعّالة؟
يعتقد البعض أن الصمت والتريث قد يكونان وسيلة ذكية لتجنب التصعيد، لكن في الواقع، الاستسلام أو التنازل أمام هذا التغول لا يوقفه، بل يشجعه على التمادي. فالصمت لا يُفسَّر كحكمة بل ضعفا، والقوة لا تحترم إلا القوة.
فتطبيع القمع والتغول يجعل من السهل تكرار ذلك في أماكن أخرى، ويشجع على عدم استقرار الدول الأضعف التي ستصبح ساحات لحروب بالوكالة. وتؤدي بالتالي إلى فقدان ثقة الشعوب في حكوماتها، مما يفضي إلى اضطرابات داخلية.
والواقع المؤلم أن إسرائيل، بدعم أمريكي غير محدود، وصمت عربي لا متناه، تمارس اليوم سياسات توسعية وعدوانية تجاه عدة دول في المنطقة، بدءًا من فلسطين، مرورًا بلبنان وسوريا، ووصولًا إلى اليمن وإيران. وإذا بقي الموقف العربي هشًا وصامتًا، فإن الخطر لن يقتصر على الدول المذكورة فحسب، بل قد يمتد ليشمل الجميع.
الصمت أمام القمع لا يحمي الشعوب، بل يفتح الباب لانتهاكات جديدة. ويؤدي مع مرور الوقت إلى فقدان السلطة الحاكمة لشرعيتها داخل أوطانها.
فالعدالة لا يجب أن تكون ضحية الحسابات السياسية. وأمام الدول العربية خيار واضح ووحيد: إما أن تظل أسيرة الخوف والانقسام، أو أن تبني قوة جماعية تستند إلى الحق، والكرامة، والسيادة. فوحدة الموقف والحسم ليست خيارا بل استراتيجية ملحة وطارئة.
فالتاريخ يثبت أن العدوان عندما لا يُواجه، غالبًا ما يتوسع. وإسرائيل، بدعم من حلفاء أقوياء مثل الولايات المتحدة، أصبحت تتصرف بجرأة متزايدة—عسكريًا وسياسيًا.
لذا فإن التقارب العربي التركي الإيراني بات ضرورة أساسية للخروج من دائرة النفوذ الصهيوني في المنطقة فتقارب ترامب نتنياهو يمهد لاتفاق جديد يرسم خريطة تفوذ في المنطقة يقودها المشروع الصهيوني.
والسؤال الذي يظل مطروحًا في ضوء تلك المعطيات: ما الذي ننتظره حتى ترفع القيادات العربية والإسلامية الصوت وتقول “كفى”؟
فإسرائيل بعد استباحة غزة وشعبها بالكامل مستغلة الصمت العربي والمباركة الأمريكية وسعت عدوانها بعنف لم يعرفه التاريخ من قبل ضاربة بعرض الحائط كل القوانين، وبدأت تجاهر برغبتها الفعلية لرسم معلم شرق أوسط وجديد، وتفتيت سوريا، وبدأت بفرض إملاءات على نظامها الجديد ووصل تماديها للتدخل في العلاقة بين تركيا وسوريا وأبدت تخوفا من تقارب الطرفين.
التقاعس العربي ليس له ما يبرره، فالعالم العربي والإسلامي يتمتع بقدرة كبيرة على التحرك. فالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي يمكن أن يستغل الزخم العالمي المؤيد لفلسطين باتخاذ مواقف حاسمة ومهمة لتصحيح المسار. ولا يمكن الاستهانة بأهمية التحالفات الدولية وتجييرها لصالح الموقف العربي وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة وحلفائها، فالصين والهند وإفريقيا قوى صاعدة لا يستهان بها.
السعودية ومصر تمتلكان الأدوات والوزن لقيادة موقف عربي موحد، فهذا مسؤولية جماعية، تتطلب إرادة سياسية تتجاوز المصالح الضيقة. فالمطلوب الآن الفعل وليس القول، ومعنى هذا موقف حاسم ليس من أجل فلسطين فقط بل من أجل ألا تكون السيادة مجرد شعار.
ولا غضاضة لو ذكرت القارئ بالمثل العامي الذي يعرفه الكثير في منطقتنا ويقول ( يا فرعون مين فرعنك؟ قال لم أجد من يردني)
النصر الفلسطيني آت لا محالة لكن المماطلة في اتخاذ المواقف الحاسمة ترفع الأثمان بشكل لا يمكن تخيله.
كاتبة فلسطينية