المغاربة والحج: موسم للعبادة والعلم وآداب السفر وأبعاد متنوعة

المغاربة والحج: موسم للعبادة والعلم وآداب السفر وأبعاد متنوعة

الرباط/ الأناضول
يرتبط المغاربة بالحج بشكل كبير رغم البعد الجغرافي، حيث تحرص الكثير من الأسر على أداء الفريضة وينتابها شوق كبير إلى الديار المقدسة.
الأناضول، ترصد 5 صفات تميز المغاربة خلال الحج، منها اشتهارهم بتدوين رحلات الحج في كتب ومجلدات، ومنح مكانة اجتماعية خاصة عند عودته، وإطلاق أسماء على الأبناء والألقاب مثل آيت الحاج وحاجي وحجاج.
كما تُطبع تجربة المغاربة بما يسمى “ركب الحجيج”، الذي كان يمر على عدد من الدول قبل الوصول إلى الديار المقدسة، قبل أن تتغير الأمور حاليا، فضلا عن الجانب العلمي والثقافي حيث يحرص العلماء وطلاب العلم على الاستفادة من موسم الحج.
ويعتمد المغرب نظام القرعة في اختيار الحجاج، حيث يشارك أكثر من 350 ألف شخص في القرعة السنوية ويتم اختيار 10 بالمئة منهم، حسب الحصة المخصصة للرباط من إجمالي حجاج العالم، وفق مراسل الأناضول.
وأواخر أبريل/نيسان الماضي، بدأت طلائع حجاج بيت الله الحرام التوافد من عدة دول إلى المنافذ السعودية، استعدادا لأداء مناسك الحج لعام 1446 الهـجري.
وعادة ما يبدأ موسم الحج في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، الموافق فلكيا 4 يونيو/ حزيران المقبل، على أن يستمر أداء المناسك حتى 13 من ذي الحجة الموافق لـ9 يونيو 2025.
– مكانة خاصة ولقب “الحاج”
يحظى الحج بالمغرب بمكانة خاصة، حيث تبدأ الاستعدادات قبل الحج بعام، حيث تنظم القرعة سنويا استعدادا لموسم الحج المقبل.
ويرى خالد التواج، الباحث المغربي في المجال الديني أن ارتباط المغاربة بشعيرة الحج يعود لأبعاد دينية وروحية وتاريخية واجتماعية وعلمية.
وفي حديث للأناضول، أضاف التواج، أن الحاج المغربي يُمنح مكانة اجتماعية خاصة عند عودته، ويلقب بالحاج، وهو لقب تشريفي يدل في اعتقادهم على الصلاح والبركة.
وأشار إلى أن طقوس ومظاهر احتفالية ارتبطت بالحج في المجتمع المغربي في وداع الحجاج واستقبالهم، ما عزز مكانة الحج في المجتمع المحلي.
وعندما يرجع المغربي من الحج، تلتصق باسمه هذه الصفة، ويتم مناداته “بالحاج الفلاني”.
ويطلق المغاربة الكثير من الأسماء على أبنائهم وألقابهم ارتباطا بالحج، مثل حاجي، والحاج، بسبب حبهم لمناسك الحج.
كما تعرف الكثير من الأسر العريقة بالمغرب بألقاب آيت الحاج وحجاج وحاجي، وفق التواج.
ورغم تراجع بعض الطقوس المرتبطة بعودة الحجاج، إلا أن الكثير من المناطق ما تزال تحرص على إحيائها، مثل الاستقبال بالمطار، وتزيين السيارات ومدخل المنزل باللونين الأخضر والأحمر، والاستقبال بباب المنزل بالتمر والحليب، وفق الباحث المغربي.
-أدب رحلات الحج
يضيف التواج، أن الكثير من المغاربة تناولوا الحج من الناحية الأدبية، سواء عبر الكتب أو الروايات أو الأشعار، مثل “رواء مكة” لحسن أوريد، وهي الرواية التي لا تزال تحقق المبيعات كثيرة لحدود الآن رغم صدورها عام 2019.
إلى جانب كتاب “رحلة الرحلات، مكة في مئة رحلة مغربية ورحلة” للمؤرخ الراحل عبد الهادي التازي، والذي استعرض أكثر من 100 رحلة قام بها علماء ومفكرون وأمراء ورحالة ومواطنون، وقاموا بتدوينها.
ورواية عبد الرحيم لحبيبي، “تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية”، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) في 2014، والتي يسرد فيها أحد الرحلات التاريخية للحج بأسلوب أدبي، وفق التواج.
ورغم البعد الجغرافي عن الأراضي المقدسة، يرتبط المغاربة بركن الحج بشكل كبير ويحرصون على أدائه، بشوق كبير مدخرين أموالهم لأداء الفريضة التي لطالما كانت ذات مكانة خاصة في قلوبهم.
وقال التواج، إنه بفضل الحج نشأت رحلات علمية ومؤلفات في أدب الرحلة، مثل “الرحلة الكبرى” للشيخ محمد بن عبد السلام الناصري (فقيه ومحدث ورحالة مغربي 1729-1824م)، أرخ فيها للحج وتفاصيله ومن لقي من الشيوخ، والأجوبة عن الأسئلة الفقهية التي وُجهت له.
-ركب الحجيج
أطلق المغاربة على الحجاج “ركب الحجيج”، وهو الاسم الذي يعود إلى عصر الموحدين (القرن 12 م).
وتراجع تداول هذا المصطلح بشكل كبير، إلا أنه لا يزال متداولا في الأوساط العلمية والثقافية، خاصة أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تطلق على الصفحة الخاصة بالحج بموقعها الإلكتروني “ركب الحاج”.
وبحسب التواج، “مع مرور الوقت ظهرت قوافل للحجاج المغاربة والتي تمر على دول وشعوب نحو الأراضي المقدسة، وكانت القوافل تحت رعاية ملوك المغرب وبعض أهل الفضل والعلم والصلاح في المجتمع”.
وأضاف أن هذا ما جعل كتب التاريخ تطلق مصطلح “ركب الحجيج المغربي”، مثل كتاب المؤرخ محمد المنوني، “ركب الحاج المغربي”.
– النهل العلمي
وأوضح التواج، أن البعد العلمي والثقافي يرتبط بالعلماء المغاربة، حيث كان الحج يشكل لهم فرصة سانحة للقاء علماء الحجاز وغيرهم، ونسخ الكتب وتبادل المعارف.
وأردف أن عبد الرحمن ابن خلدون (المؤرخ وأبرز علماء القرون الوسطى) اعتبر أن سبب دخول مذهب الإمام مالك إلى المغرب، عن طريق رحلات طلبة العلم إلى الحج.
ويعتبر أبو شعيب الدكالي، أحد أبرز العلماء المغاربة الذي تم اختياره لكي يذهب إلى جامع الأزهر في القاهرة، ثم حصل على المرتبة الأولى في مباراة اختيار إمام الحرم المكي، ومكث فيها 11 عاما قضاها إماما وخطيبا في الحرم المكي إلى غاية 1907م، وفق الباحث المغربي.
وأوضح أن إقبال المغاربة على الحج يرجع أيضا إلى شيوع التوعية الدينية، والتي مكنت الكثير من الناس من البحث على فرص التزود الإيماني، وتجربة الحج تجربة روحية قوية.
لذلك ارتفع عدد المعتمرين في كل عام وعدد الراغبين في الحج حتى في صفوف الشباب، وفق الباحث.
ولفت إلى أن الإقبال أيضا يأتي بسبب توفر القدرة المالية لدى جزء من المجتمع المغربي، كما تعمل الكثير من الأسر على جمع دراهم معدودات طيلة أعوام من أجل الحج.
ويتطلب الحج مع الجهات الرسمية أكثر من 63 ألف درهم، (6 آلاف و300 دولار)، مقابل الوكالات الخاصة والتي تعتبر أسعارها مرتفعة.
وعن ذلك، لفت التواج، إلى أن أداء فريضة الحج يتم بالطريقة الرسمية أو مع الوكالات السياحية.
ويدخر غالبية الناس في المملكة من أموالهم، أو من هبات أبنائهم لهم، ومنهم من يستلف من غيره، توقا لزيارة الأراضي المقدسة.
وتابع: “هناك فئة تحج على حساب دعم المؤسسات الاجتماعية التي تشتغل فيها (مثل التعليم، والصحة…) إما بدعم كامل أو جزئي، وهناك فئة تحج مجانا مع قطاعات خاصة بخدمات ممتازة”.
وبحسب الباحث المغربي، فإن مصاريف الحج تعد باهظة في بلاده، حيث “يجد العمال من الطبقة المتوسطة صعوبة في توفير هذه المصاريف”.
ووفق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بلغ عدد الحجاج المغاربة في 2024 نحو 34 ألف حاج، أطرت الوزارة 22 ألفا و500 منهم، بينما قامت بذات المهمة الوكالات السياحية بواقع 11 ألفا و500 حاج وحاجة.