الدكتور عوض سليمية: هل هي مناورة سياسية أم صحوة ضمير؟ الغرب الجماعي يلوح بقطع العلاقات مع إسرائيل

الدكتور عوض سليمية
البيان المشترك غير التقليدي الصادر عن زعماء أوروبا، الفرنسي ايمانويل ماكرون، والبريطاني كير ستارمر والكندي مارك كارني، الذي طالب اسرائيل بالإنهاء الفوري لحرب الإبادة الجماعية التي تنفذها في قطاع غزة منذ اكتوبر 2023، مقروناً بالدعوة لإدخال المساعدات الانسانية والاغاثية للمواطنين في القطاع فوراً، تحت تهديد المقاطعة الجدية بما فيها بيع الأسلحة وإنهاء الشراكة الاستراتيجية، كمقدمة لفرض نظام عقوبات شاملة في حال لم تمتثل حكومة نتنياهو لهذه المطالب، يُعتبر أقوى تهديد جدي صادر عن الدول المركزية في أوروبا، ويُظهر أيضاً، أن سياسة خارجية جديدة ربما تكون مستقلة وبعيدة عن سياسات واشنطن بدأت تتشكل في العواصم الغربية.
ورد في البيان الذي صادق عليه الزعماء الثلاثة- وفقاً للموقع الرسمي للحكومة البريطانية Gov.UK، معارضتهم الشديدة لتوسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وإحتجاجهم الكبير على مستوى المعاناة الإنسانية التي لا تطاق بسبب حرمان الحكومة الإسرائيلية للسكان المدنيين من المساعدات الإنسانية الأساسية، وأن هذا أمر غير مقبول بالنسبة لاوروبا وينطوي على خطر انتهاك القانون الإنساني الدولي. الى جانب، استهجان القادة للغة البغيضة التي يستخدمها أعضاء الحكومة الإسرائيلية، بما فيها الضغط على المدنيين في قطاع غزة للنزوح القسري من مناطقهم، وإعتبار هذا العمل انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي ومعايير حقوق الانسان وقواعد حماية المدنيين في النزاعات المسلحة. ويحذر البيان أيضاً، حكومة الاحتلال بأن الدول الاوروبية “لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تواصل حكومة نتنياهو هذه الأعمال الفظيعة. وإذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود التي تفرضها على المساعدات الإنسانية، فإنها ستتخذ المزيد من الإجراءات الملموسة رداً على ذلك”.
التهديد بإتخاذ الاجراءات الملوسة رداً على السلوك الاسرائيلي المريع في قطاع غزة، سرعان ما تم ترجمته من اقوال الى أفعال، من ناحية، اطلقت دول الاتحاد الاوروبي مراجعة فعلية لاتفاقية الشراكة التجارية والتعاون الموقعة مع إسرائيل، بمبادرة من وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب، بعد تأييد 17 دولة من دول الاتحاد ومعارضة 9 دول. إستناداً لما نشره موقع Euro News، فإن الاتحاد الاوروبي”سيعيد النظر في اتفاقية التجارة والتعاون واسعة النطاق مع إسرائيل بسبب هجومها الموسع على غزة”. بعبارة اخرى، ستبدأ دول الاتحاد فوراً بمراجعة شاملة لإنتهاكات إسرائيل في مجال حقوق الانسان، طبقاً للمادة الثانية من إتفاقية الشراكة والتي دخلت حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران من العام 2000. وتنص المادة الثانية على أن العلاقات بين الطرفين، وكذلك جميع أحكام الاتفاقية نفسها، “قائمة على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، التي توجه سياستهما الداخلية والدولية وتشكل عنصرًا أساسيًا في هذه الاتفاقية”.
من ناحية اخرى، اسارع وزير الخارجية البريطاني الى إعلان وقف محادثات التجارة الحرة مع اسرائيل، بالتزامن مع إستدعاء الخارجية البريطانية للسفيرة الاسرائيلية في لندن. هذه التدابير الفعلية تجسد رسالة مُلحة لحكومة الاحتلال، تُعبر من خلالها عن حالة الاحباط الذي وصلت اليه حكومة بريطانيا بسبب جرائم اسرائيل المستمرة وإنتهاكاتها المتواصلة للقوانين الدولية، وتأكيداً اضافياً على أن الحكومة البريطانية الجديدة (حكومة حزب العمال اليسارية) عازمة على إتخاذ إجراءات ملموسة وفورية حيال اسرائيل، بما فيها فرض عقوبات على شركات وحتى وزراء متورطين في حرب الابادة، اذا لم تتوقف فوراً عن سياسة إبادة الشعب الفلسطيني، وتعود الى مسار حل الدولتين.
التصريحات الواردة من قادة القارة العجوز، تُظهر ان سياسة خارجية جديدة -على ما يبدو، بدأت تتبلور، جوهرها استقلال القرار السياسي وعودة السيادة الوطنية، بعيداً عن الهيمنة الامريكية التي جلبت الكوارث للعالم، والتي لا تأخذ بالاعتبار مصالح الدول الاخرى، وتتجاهل بشكل متعمد حقوق الانسان ومعايير القانون الدولي بكل مستوياته وتعطل عمل المنظومة الدولية. اولى هذه الخطوات بدأت تظهر بعد إعلان دول الاتحاد الاوروبي رفع الحصار المفروض على سوريا منذ قرابة عقد من الزمان وبشكل فوري. والان ينتقل قادة الغرب الى خطوة أكثر جرأة في سياساتهم الخارجية، عبر تهديد حكومة إسرائيل، الحليف الوثيق لواشنطن بمواجهة فرض نظام عقوبات على الافراد والشركات وربما مقاطعة شاملة، وعزلة اوروبية كاملة في حال استمرت في سياساتها التدميرية.
مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الدولي خلال الفترة من 17-20 يونيو المقبل، والذي تتحرك كل من العربية السعودية وفرنسا لتنظيمه في مقر الأمم المتحدة في نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. فإن الموقف الغربي الحديث يشكل فرصة عظيمة لمواقف الدول العربية ومقررات قمة بغداد الاخيرة، لحشد المواقف العالمية المساندة للحق الفلسطيني في القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية، والقوى العظمى الصين وروسيا، ومعظم دول جنوب شرق آسيا، للبدء بخطوات فعلية على الارض تجهض مخططات ترامب وسياسات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، الهادفة الى وضع اليد على قطاع غزة وتهجير مواطنيه بالقوة العسكرية.
بينما تعيد اوروبا وبريطانيا ضبط عقارب الساعة مع حقوق الانسان والقواعد القائمة على سيادة القانون الدولي، فإن الدول العربية والإسلامية مُلزَمة بالاستثمار العاجل في الوميض المفاجئ القادم من اوروبا ويقظة الضمير الغربي، وتوظيف كل الامكانيات لمنع تحويله من قبل أنصار اسرائيل في اوروبا، الى مجرد مناورة سياسية لتغيير الاتجاه ولاكتفاء بمكاسب أو امتيازات اقتصادية مع إدارة ترامب. وبالتالي إجهاض التوجهات الجديدة، وعليه، المطلوب المُباشرة الفورية بالبناء على هذه المواقف والانتقال الى خطوة مماثلة، تتمثل في قطع العلاقات وإنهاء كل أشكال التعاون مع إسرائيل، للضغط عليها ليس فقط لإيقاف المجزرة التي ترتكبها بحق الشعب العربي الفلسطيني، بل إعلان إنهاء احتلالها لأراضي دولة فلسطين والاعتراف الفوري بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه ودولته.
باحث في العلاقات الدولية
وحدة الابحاث والدراسات الدولية- معهد فلسطين لابحاث الامن القومي