كيف كشفت عملية المتحف اليهودي في واشنطن زيف أسطورة “الابتزاز” الإسرائيلي؟ هل ستكون هذه الخطوة بداية لعمليات أكبر؟ ولماذا شن نتنياهو هجومًا عنيفًا على أقرب حلفاء “إسرائيل” ووجه لهم اللوم؟

كيف كشفت عملية المتحف اليهودي في واشنطن زيف أسطورة “الابتزاز” الإسرائيلي؟ هل ستكون هذه الخطوة بداية لعمليات أكبر؟ ولماذا شن نتنياهو هجومًا عنيفًا على أقرب حلفاء “إسرائيل” ووجه لهم اللوم؟

عبد الباري عطوان

عملية واشنطن التي نفذها مواطن امريكي من ولاية شيكاغو، بإطلاق النار على موظفين في السفارة الإسرائيلية كانا يتواجدان امام متحف يهودي في قلب العاصمة الامريكية جاءت اول رد فعل على حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يمارسها جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ 19 شهرا، وأدت حتى الآن الى استشهاد أكثر من ستين الفا نصفهم من الأطفال تقريبا واصابة وفقدان اكثر من 150 الف آخرين، وهي العملية التي تعتبر من وجهة نظرنا إنذارا وتحذيرا بانتقالها ومثيلاتها الى أماكن أخرى في أمريكا والعالم اذا لم تتوقف هذه الحرب فورا دون أي تأخير.
المكر الصهيوني تجلى في أخطر مظاهرة عندما سارع كل من بنيامين نتنياهو وتابعه دونالد ترامب بتوظيف هذه العملية لتوسيع حرب الإبادة والاستمرار فيها، بادعائهم بأنها “معادية للسامية”، وتعكس الاخطار، وعدم الأمان التي تواجه اليهود في العالم.
أكبر عدو للسامية، سواء كانت يهودية، او عربية، او شرق أوسطية إسلامية، هو من يتباهى بقتل الأطفال كـ”هواية” في قطاع غزة، خاصة عندما يكون هذا الشخص وزيرا في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، بل حتى نتنياهو نفسه وأبرز شريكين له في الاتئلاف الحاكم بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) وإيتمار بن غفير (وزير الامن).

***

هذه الحملة التي يقودها نتنياهو، وبعض وزرائه، والمتحدثين باسم حكومته لن تنجح في تحقيق أهدافها بتحويل الأنظار عن المجازر وحرب التجويع في قطاع غزة، والعودة الى اكذوبة معاداة السامية التي استخدموها لابتزاز العالم، حكومات وشعوبا، للتغطية على احتلالهم ومجازرهم، وحرب إبادتهم، وتفريغ الحضارة الغربية من أهم قيمها واعمدتها الأساسية، وهي الديموقراطية وحقوق الانسان، وحريات الفكر والتعبير، والصحافة الحرة، فالعالم بات مفتوحا على مصراعيه امام الحقائق التي فضحت المشروع الصهيوني، ومزقت كل اقنعته التي كان يخفي من خلالها وجهه الدموي القبيح، ومشروعه العنصري.
ماذا يتوقعون من الشباب الأمريكي عندما يطردونه من جامعته، ويمنعونه من حرية التعبير عن مشاعره الإنسانية، تجاه ضحايا حرب الإبادة من زملائهم في قطاع غزة، والتضامن معهم، وبضغط من اللوبيات الصهيونية؟ والأكثر من ذلك يوقفون كل الدعم والتبرعات المالية لهذه الجامعات المشهورة بمستواها الأكاديمي الراقي مثل هارفارد وكولومبيا، ويطلقون كلاب الشرطة للاعتداء عليهم وفك اعتصاماتهم السلمية بقوة السلاح.. ماذا يتوقعون ان يصمت هؤلاء الشباب ويرفعون رايات الاستسلام وليس اعلام فلسطين، وشعارات المقاومة لحرب الإبادة، وتحرير الأرض المحتلة، مثلما فعل اجدادهم اثناء حرب فيتنام؟ ثم ماذا عن الشباب العربي والاسلامي الذي ينام ويصحى على مقبرة الأطفال المفتوحة في قطاع غزة، ومن قد يمنعه الى نقل المعركة الى كل مكان في العالم اذا لم تتوقف حرب الإبادة فورا؟
قمة التزوير ان يخرج علينا جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي، وتلميذ نتنياهو النجيب، ويلقي اللوم على قادة الدول والمنظمات المعارضة للحرب في قطاع غزة واتهامهم بأن مطالبتهم بوقف حرب الإبادة هي التي أدت الى حدوث عملية القتل هذه وكنتيجة مباشرة لتحريضهم المعادي للسامية واليهود، في إشارة مباشرة الى القادة الغربيين الثلاثة: ايمانويل ماكرون (فرنسا)، وكير ستارمر (بريطانيا)، وكارك كارني (كندا)، الذين انحازوا لضميرهم واصدروا بيانا مشتركا طالبوا فيه بإنهاء فوري لحرب الإبادة والحصار التجويعي على القطاع، وإيجاد مسار دبلوماسي يقود الى دولة فلسطينية.
هؤلاء القادة الثلاثة الذين تحولوا في يوم وليلة الى محرضين على العداء للسامية، كانون من أشد المدافعين عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد هجوم السابع من أكتوبر عام 2023، والداعمين لها في مجلس الامن الدولي، وأقدموا على هذا الموقف دفاعا حقيقيا ومن موقع الصديق الحريص، حماية لإسرائيل وانقاذها من نفسها وقياداتها التي فاقت النازية في جرائمها، بإقدامها على حرب الإبادة في قطاع غزة، واستمرارها فيها دون ان يحقق قائدها الى الدمار بنيامين نتنياهو أي هدف من أهدافه، غير قتل الأطفال والنساء، وتدمير المستشفيات، وكل منازلهم في القطاع بالقنابل الامريكية والأمريكية.
فالمقاومة بقيادة “حماس” ما زالت موجودة، وشعبيتها في تصاعد، والأسرى، او الـ 20 منهم ما زالوا في الانفاق، ومطار اللد (بن غوريون) مغلق معظم الوقت، ومهجور من غالبية شركات طيران العالم، وموانئ حيفا واسدود وعسقلان في الطريق، وحاملات الطائرات الامريكية هربت بفضل صواريخ اليمن العظيم.

***

نتنياهو يريد توظيف عملية قتل الموظفين في سفارته في واشنطن لتبرير حرب إبادته ومجازره في قطاع غزة، والاستمرار فيها، وإخراج “إسرائيل” من العزلة وحالة الكراهية العالمية التي تعيشها حاليا، ولكنه، ونقولها للمرة الالف لن ينجح، فقد انقلب السحر على الساحر، وبات استخدامه لسلاح “معاداة السامية” يعطي نتائج عكسية، ويرتد سلبا على مشروعه الصهيوني العنصري، والقادم اعظم.
الشاب الياس رودريغيز الذي نفذ عملية المتحف اليهودي، وهتف بتحرير فلسطين، وسلم نفسه الى الشرطة دون مقاومة، ليس معاديا للسامية وانما معاديا لجرائم إسرائيل ومجازرها، وابتزاز قادتها للعالم تحت هذا الشعار الكاذب، وان اختلف البعض مع طريقته بالتعبير عن موافقه وحالة الغضب في داخله، وربما تكون رصاصاته العشر التي اطلقها على موظفي السفارة الإسرائيلية جرس تحذير من هجمات قادمة ربما تكون أخطر، تستهدف مئات السفارات والمصالح الإسرائيلية في العالم بأسره، اذا لم تتوقف حرب الإبادة في غزة، وتتم الاستجابة الفورية لما ورد في بيان القادة الأوروبيين الثلاثة بالسعي الى حل دائم يؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.. وعودة جميع اللاجئين.