التجاني صلاح عبد الله المبارك: المرتزقة في السودان: ما هي أصولهم؟

التجاني صلاح عبد الله المبارك: المرتزقة في السودان: ما هي أصولهم؟

التجاني صلاح عبد الله المبارك
منذ أوائل التسعينات وبعد نهاية الحرب الباردة، اعتمدت الدول الفاعلة على استخدام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لتحقيق مصالحها وأهدافها الداخلية والخارجية من جهة، وتوفير وادخار قوتها الصلبة من جهة اخرى، ولم تسلم دول القارة الإفريقية من ذلك الاستخدام الجديد والطارئ، فشهدت حدودها دخول الشركات العسكرية والأمنية الخاصة كما في ليبيا والسودان والنيجر ومالي وإفريقيا الوسطى، كما تبع ذلك تدفقا كبيرا لنسخة أقل تطورا وهم جماعات وفئات المرتزقة من كل جنس ولون. ضربة لازب.
تعريف المرتزقة:
  في اللغة العربية: ارتزق الجندي وغيره: أخذ رزقه، استرزقه: طلب منه الرزق. يقال: هم مُرتزِقة: أَصحاب جرايات ورواتب مقدرة.
والجنود المرتزقة: هم الذين يحاربون في الجيش على سبيل الارتزاق، والغالب أن يكونوا من الغرباء. [1]
وفي الاستعمال السياسي والعسكري، يعرف المرتزق بأنه مقاتل غير شرعي، يتم استئجاره إلى مناطق النزاع المسلح، لتحقيق اهداف احدى الطرفين مقابل المال، بغض النظر عن جنسيته أو دوافعه الدقيقة، ولا يتقيد المرتزق بأي قوانين أو قيم أو مبادئ، سوى الأجور المرتفعة.
تعريف المرتزقة في نصوص القوانين الدولية:
يعرف المرتزق وفقا لنص المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، (وهي أول اتفاقية دولية تتناول بالتحديد موضوع المرتزقة) بأنه أي شخص:
(أ) يجري تجنيده خصيصا، محليا أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح.
(ب) يشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية.
(ج) يحفزه أساسا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع، أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف، أو ما يدفع لهم.
(د) وليس من رعايا طرف في النزاع، ولا متوطنا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.
(هـ) ليس عضوا في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع.
(و) وليس موفدا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفا في النزاع، بوصفه عضوا في قواتها المسلحة.
الشركات العسكرية والأمنية الخاصة:
يمكن اعتبار الشركات العسكرية والأمنية الخاصة شكل من أشكال المرتزقة، رغم انها من ناحية قانونية تعمل بصفة رسمية ومطابقة ظاهريا في عملها للقوانين الداخلية في بلد المقر، إلا أن هذا ما يؤكده واقعهم المنظور، فقد ضمت هذه الشركات في صفوفها  كل العاطلين والعسكريين السابقين مقابل العائد المادي المرتفع، وتملك هذه الشركات الأسلحة المتنوعة والطائرات والاساطيل التي تمكنها من  تنفيذ مهامها العسكرية، ومن أمثلتها (بلاك ووتر)التي استعانت بها الولايات المتحدة في العراق، وشركة (فاغنر) الروسية وشركة (جي فور أس) الإسرائيلية.
يرى فريق من الباحثين عدم وجود تمايزات حقيقية بين كل من المرتزقة وشركات الأمن والتسليح الخاصة، على اعتبار أن العاملين في كل منهما يحمل نفس المهنة “العسكرية ” حيث يمكن توصيفهم بأنهم رجال أمن security workers، كما أنهم يقدمون نفس الخدمات ويسعون لتحقيق نفس الأهداف “الربح” ومن ثم فإن هذه الشركات بمنزلة النسخة المعدلة new version من المرتزقة. [2]
عدد جيوش الظل أو المرتزقة في العالم
لا يوجد رقم محدد لتعداد منظمات المرتزقة في العالم لطبيعة عملها السرية، ولأنها تعمل في الخفاء أو تحت غطاء شركات أمنية خاصة، ولتغير هذه المنظمات المستمر، فقد تنشأ وتختفي أو تغير هياكلها ومسمياتها وفق ما تفتضيه الضرورة، مما يجعل تتبعها واحصائها أمرا شاقا، وعلى الرغم من ذلك فإن الشواهد خاصة في مناطق النزاع المسلح، تشير إلى عدد كبير ومتزايد من المرتزقة.
يقدر الباحث “باسل يوسف النيرب” في كتابه “المرتزقة جيوش الظل” عدد المرتزقة الأجانب في العراق بما بين 15 و20 ألفا، تحت مسميات مختلفة مثل الشركات الأمنية والحماية وغيرها، منهم ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف من جنوب أفريقيا، وأضاف في كتابه الصادر عام 2008 أن عدد منظمات الارتزاق في العالم يزيد على 300 ألف منظمة. [3]
   أسباب وجود الشركات العسكرية الخاصة والمرتزقة في أفريقيا:
وجدت أرتال المرتزقة، والشركات العسكرية والأمنية الخاصة طريقها إلى إفريقيا لتوافر عدة أسباب، يمكن أن نسجل منها الآتي:
أولا: ضعف الجيوش الوطنية النظامية في عدد من الدول الإفريقية:
بسبب ضعف القوات المسلحة النظامية في بعض الدول الإفريقية في التدريب والتسليح بالأسلحة المتطورة المتقدمة، مع ما تشهده هذه الدول من اضطرابات ونزاعات داخلية مسلحة، فقد أصبح ميسورا للشركات العسكرية والأمنية الخاصة الدخول إليها وعرض خدماتها.
ثانيا: ضعف الرقابة والمتابعة والحصر للشركات والمنظمات الأمنية داخل الدولة:
في بعض الحالات، يكون ضعف الرقابة والحصر والمتابعة والمساءلة للمنظمات الأمنية التي تتواجد على أراضي الدولة، سببا رئيسا في ممارسة هذه المنظمات لأعمالها الأمنية والعسكرية والاستخبارية، وفي بعض الحالات تزايد انواعها وأقسامها.
ثالثا: تفضيل الحروب بالوكالة باستخدام المرتزقة بدلا عن الظهور المباشر:
بعض الدول (وهذا هو الغالب في الوقت الراهن، مثلما يتعرض له السودان في الوقت الحالي من عدوان غاشم) تفضل سيناريو الحرب بالوكالة، عبر تدريب وتجهيز المرتزقة وتسليحهم، ونشرهم في مناطق النزاع المسلح، وتحاط العملية بسرية كاملة حتى لا تفتضح الدولة التي تحارب بالوكالة، إلا أنه مهما كانت درجة التكتم والسرية، فإن الدولة التي تحارب بالوكالة ينكشف أمرها لدى الدولة التي يقع عليها العدوان، ولا ينطلي أمر السرية والتكتم إلا على المرتزقة أنفسهم فقط.
رابعا: النزاعات الأهلية والاقليمية:
في بعض النزاعات والصراعات الأهلية والإقليمية، تفضل بعض الاطراف المتنازعة الاستعانة بالمرتزقة للحسم السريع لنزاعاتهم واشتباكاتهم البينية.
خامسا: ضعف وهشاشة المؤسسات الحكومية:
ضعف المؤسسات الحكومية والعسكرية نتيجة الفساد السياسي، والاداري، وتفشي المحسوبية، من شأنه ان يكون مشجعا للمنظمات المرتزقة في عرض خدماتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية لسد الفراغ العسكري والعملياتي في الدولة.
سادسا: التقليل من الخسائر البشرية والحفاظ على القوات الوطنية:
بعض الدول ربما تفضل استخدام المرتزقة في فض النزاعات المسلحة الداخلية، للحفاظ على قوتها الصلبة وعلى جيشها الوطني.
سابعا: تأمين مواقع الموارد الطبيعية في الدولة:
تستخدم بعض الدول الإفريقية شركات الأمن الخاصة لتأمين مواقع الموارد الطبيعية في الدولة، مثل مناجم الماس والذهب واليورانيوم، والتي تعتبر من الموارد الطبيعية النادرة ومخزونا استراتيجيا لاقتصاديات الدولة.
ثامنا: النزاعات المسلحة المتعددة داخل الدولة أو الاقليم:
تتطلب بعض الدول قوات اضافية لمواجهة الصراعات والنزاعات المتعددة داخل الدولة أو الاقليم، ومن ثم تنزع إلى الاستعانة بالمرتزقة.
تاسعا: عدم الاستقرار السياسي للدولة:
بعض الدول التي تعاني من الانقلابات العسكرية المتكررة وعدم الاستقرار السياسي في مؤسساتها، ربما يتكون داخلها مناخا فوضويا قد يدفع الحكومات الهشة للاستعانة بالمرتزقة.
المرتزقة في السودان: من أين أتى هؤلاء؟!
يقع السودان الذي يخوض فيه الجيش النظامي والقوات المشتركة، قتالا حاسما مع قوات الدعم السريع الإرهابية، تحت السبب الثالث من أسباب دخول المرتزقة إلى إفريقيا، وهو تفضيل بعض الدول الحرب بالوكالة باستخدام المرتزقة وجيوش الظلام، بدلا عن الظهور والنزال المباشر والعلني.
في تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت مشاركة مرتزقة كولومبيين في الحرب بالسودان إلى جانب قوات الدعم السريع الإرهابية، وذكر التقرير الذي أعده كل من “بينوا فوكون” و”جابرييل شتاينهاوزر”، و”كيجال فياس” و”سمر سعيد”، أنه للوهلة الأولى، تبدو مقاطع الفيديو المهتزة التي تم التقاطها بالهاتف المحمول في السهول القاحلة في منطقة دارفور بالسودان، مثل العديد من مقاطع الفيديو الأخرى التي خرجت من الحرب الأهلية الوحشية في البلاد: رجال يرتدون زيا مموها يقفون بجوار صناديق الأسلحة، ويعرضون غنائم معركتهم. ثم يقلب أحد الرجال أوراق السجناء الذين تم الاستيلاء عليهم حديثا وممتلكاتهم الشخصية.
“انظروا إلى هذا، إنهم ليسوا سودانيين”، يقول بلهجة عربية مائلة إلى لهجة الزغاوة المحلية، ويحمل جواز سفر صادرا عن حكومة كولومبيا على بعد حوالي 7000 ميلا: “هؤلاء هم الأشخاص الذين يقتلوننا”، كما جاء في المقطع. [4]
وأكد تقرير وول ستريت جورنال، أنه تم توظيف المقاتلين الكولومبيين الذين تم أسرهم الشهر الماضي في دارفور في وقت سابق من هذا العام من قبل شركة مقرها أبو ظبي تسمى Global Security Services Group (GSSG)، وفقا لمقابلات مع أكثر من اثني عشر مسؤولا دوليا وقدامى المحاربين الكولومبيين، بالإضافة إلى مراجعة ملفات تعريف وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الويب الخاصة بالشركة.
وتصف الشركة نفسها بأنها المزود الأمني الخاص المسلح الوحيد للحكومة الإماراتية وتدرج ضمن عملاءها وزارات الشؤون الرئاسية والداخلية والخارجية في الدولة الخليجية. [5]
التقرير ذكر أنه تم نقل المجندين الكولومبيين جوا إلى الأراضي الليبية التي يسيطر عليها أمير الحرب “خليفة حفتر” قبل عبورها إلى معقل قوات الدعم السريع في دارفور. ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، كان “حفتر” مدعوما منذ فترة طويلة من قبل الإمارات. كما تقوم الإمارات بشحن الأسلحة وغيرها من المواد الحربية إلى قوات الدعم السريع، وفقا لما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” سابقا، وهي النتائج التي دعمها أيضا خبراء الأمم المتحدة. [6]
ورغم ان استخدام المرتزقة يتعارض مع نصوص القوانين الدولية والاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، فانه يمكن ان نشير إلى ان الدول الداعمة للإرهاب ولجيوش المرتزقة الذين تم توجيههم للسودان، تحاول تجنب نصوص القوانين الدولية والمواثيق، أو التهرب من الاتفاقيات الدولية، لذا تستخدم المرتزقة لتنفيذ عملياتها العسكرية وتنفيذ استراتيجيتها، وللتهرب من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية!
 تؤدي سياسة الاعتماد على شركات الأمن الخاصة منافع كثيرة للدول الغربية خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تتمركز المقار الرئيسية لهذه الشركات، ومن هذه المنافع تخفيض النفقات عن كاهل وزارات الدفاع، وتخفيض الخسائر البشرية في القوات المسلحة من خلال الاعتماد على تجنيد المرتزقة من مختلف مناطق العالم، ثم تجنب الإحراج الديبلوماسي ومناقشات القانون الدولي الناجمة عن التدخلات العسكرية من خلال التستر وراء شركات الأمن الخاصة، وأخيراً جذب التأييد الداخلي بالظهور بمظهر النزعة السلمية وعدم الانخراط المباشر، بقدر ما، في النزاعات الدولية المسلحة. [7]
ورغم ان استخدام المرتزقة في الحرب من شأنه ان يزيد من أمد الحرب واطالتها، إلا ان منهجية الجيش السوداني الذي اتبع سياسة الصبر الاستراتيجي، والخطط المحكمة، كان محصلتها انحسار التمرد الذي تقوده قوات الدعم السريع الارهابية والمرتزقة، واجلائهم ودحرهم من اغلب المناطق والولايات التي كانوا يسيطرون عليها.
الخارجية الكولومبية من جانبها ابدت اعتذارها وأسفها لتورط عناصر كولومبية في الارتزاق. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني أصدرت وزارة الخارجية الكولومبية بيانًا أعلنت فيه بدء جهودها لإعادة “الكولومبيين الذين خدعوا في السودان“، وأشارت إلى أنها تحقق في مزاعم قيام كولومبيين “بممارسة الارتزاق في السودان“، وقالت في بيانها إنها تعمل على تسهيل أمر عودتهم إلى البلاد[8].
في سيكولوجيا ودوافع المرتزقة:
1_الضغوط المادية والاقتصادية:
تمثل الأجور المرتفعة التي تقدمها شركات الارتزاق العسكرية للراغبين في الانضمام لها من الجنود الكولومبيين المتقاعدين والذين تم تسريحهم، تمثل عرضا مغريا، وغالبا تكون الاجور أعلى بكثير مما يمكن ان يحصلوا عليه في بلادهم.
قال الدكتور “أولريخ بيترسون”، الخبير في تجنيد المرتزقة في جامعة ليفربول، لصحيفة «الباييس»:” يكاد يكون آخر حلقة في السلسلة دائماً هم أولئك المعروفين في هذا المجال بمصطلح «رعايا الدول الثالثة» الذين يأتون من كولومبيا أو بيرو أو السلفادور أو الصومال أو نيجيريا. وليس معهم جوازات سفر معتمدة ولا أموال لحجز تذاكر الطيران، فتفعل الوكالات بهم ما تشاء. “ويمكن أن تمثل تلك العقود للجنود الكولومبيين المتقاعدين ما يصل إلى خمسة أمثال معاشهم، فيغريهم ذلك العرض. [9]
أما المرتزقة التشاديين فان الالتحاق في القتال كمرتزقة يعتبر مصدر دخل للأفراد وعائلاتهم، ربما أكثر مما يحصل عليه في بلاده، التي تعتبر من بين أفقر دول العالم، والفرص الاقتصادية بها محدودة.
يقر” العابد مصطفى البشير”، رئيس دائرة حماية حقوق الإنسان والحريات والمفوض باللجنة التشادية الوطنية لحقوق الإنسان (حكومية)، بوجود تشاديين في قوات الدعم السريع، مؤكدا أن 70% من المجندين التشاديين في قوات الدعم السريع من المناطق الريفية، ويقول:” هؤلاء ليس لديهم أي توجه أيديولوجي وإنما يذهبون للدول المجاورة بحثا عن لقمة العيش والسبيل الوحيد بالنسبة لهم هو الانخراط في الحركات المسلحة، مضيفا لـ”العربي الجديد” أن أسباب انخراط الشباب التشادي في الحركات المسلحة، سواء في الدعم السريع وسيليكا بأفريقيا الوسطى، هي سوء الظروف وانعدام أساسيات الحياة في تشاد، وهو ما تؤكده قاعدة بيانات البنك الدولي للفترة بين اعوام 2008 و2019، إذ بلغت نسبة الفقر متعدد الأبعاد 85.7% من إجمالي السكان، كما بلغت نسبة شدة الحرمان خلال نفس الفترة 62.3%.[10]
2_ اضطراب ما بعد الصدمة:
لا يستطيع المرتزق الذي عرك الحروب سنوات طويلة، أن يتعود ويألف حياة الاستقرار والقانون والمدنية، لذا يصاب باضطراب نفسي عميق، وتبدو له العودة إلى البيئة القتالية أفضل وأنسب الحلول.
3_ الخداع والاستغلال:
تشير بعض التقارير، ان بعضا من المرتزقة يتم خداعهم وتضليلهم بعقود عمل زائفة، ويتم تجنيدهم اخر الامر مرتزقة، بعد تدريبهم وتسليحهم تسليحا جيدا، مع وعود بأجور مرتفعة.
4_ النفعية والبراغماتية الذرائعية:
يعتبر مبدأ الانتفاع والبراغماتية والكسب المالي، هو المبدأ الوحيد الذي يمكن ان يتوفر للمرتزقة على اختلاف جنسياتهم، وهو مبدأ ينطوي على الانانية وحب الذات مهما كانت تكلفة ذلك! ويكون تفكير المرتزق متجها بشكل كبير على الأجر المتوقع والمكافآت المحتملة وتقييم المخاطر مقابل العائد المادي، نظير الخبرة القتالية.
5_ تباين وتنوع الدوافع:
من المهم ايضا التأكيد على أن هناك تنوعًا كبيرًا في دوافع المرتزقة. بعضهم قد يكون مدفوعًا باليأس الاقتصادي، والبعض الآخر بالبحث عن المغامرة، وآخرون قد يكون لديهم دوافع أيديولوجية أو سياسية خفية أو متغيرة، إلا ان الحقيقة المؤكدة والتي تجمعهم، هي البحث عن الكسب المالي والأجور المرتفعة.
  ملاحظات حول التحديات والمخاطر المرتبطة بوجود المرتزقة:
في التحديات والمخاطر المرتبطة بوجود المرتزقة في السودان يمكن ان نسجل الملاحظات الاتية:
1_وجود قوات المرتزقة في مناطق العمليات من شأنه ان يؤدي إلى اطالة أمد النزاع والحرب، لأن المرتزقة لديهم مصلحة مادية بحتة في استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار، كما يؤدي تدفقهم عبر الحدود إلى زعزعة الاستقرار في المناطق المجاورة وتأجيج النزاعات الإقليمية.
2_شهدت ساحات القتال في السودان مؤخرا، تراجعا ملحوظا لدور المرتزقة ووجودهم، بعد ان اتبع الجيش السوداني والقوات المشتركة خططا محكمة وطويلة الأجل، كان نتاجها الظاهر هو تحرير كل المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع الارهابية بمعاونة المرتزقة.
  انخفاض حماس المقاتلين من امتدادات قبائل الجنجويد الإفريقية لساحة الحرب في السودان هو الانقلاب الواضح في موازين القوى، خاصة خلال الستة أشهر الأخيرة، حيث استطاع الجيش السوداني أن يعيد ترتيب نفسه وأن يمتص الصدمة، التي كان تعرض لها العام الماضي، بل أن يندفع لمحاصرة الميليشيا وطرد قواتها من مناطق كثيرة، مستعيناً بمجموعات من المتطوعين، ولكن أيضاً بحركات مسلحة من قبيلة «الزغاوة»، التي يمثل لها صعود الجنجويد تهديداً وجودياً. جعلت هذه الصورة كثيراً من المنخرطين الأفارقة يدركون أن حلم دولة الجنجويد، التي أرادوا أن يكون لهم دور في بنائها وتأسيسها لتكون بديلاً عن دولهم، التي يرون أنها لا تمنح شعوبهم التقدير الكافي، صار بعيد المنال. هذه الخلاصات جعلت كثيراً من المقاتلين الأجانب يكتفون بأخذ ما خف وزنه وغلا ثمنه من مسروقات وثروات، قبل أن يبدؤوا رحلة هروب لا يأملون فيها إلا النجاة بأنفسهم. [11]
ختاما ينبغي التأكيد على ثلاثة أساسيات جوهرية تتعلق بالدولة والمرتزقة:
الأولى: ان دوافع ومحفزات المرتزق هي المال بصورة أساسية، بمعنى ان عقيدته ودافعيته للقتال هي المال، مقابل الطرف الاخر وهو الجندي النظامي الذي يمتلك عقيدة ودافع أكبر من المال والأجور المرتفعة، وهي عقيدة الدفاع والذود عن الحق والأرض والعرض، ولا يمكن باي حال من الأحوال ان تقارن الدوافع المادية للمرتزقة مع عقيدة الحق والأرض والعرض.
الثانية: يمكن ايضا الاشارة إلى فقدان الاتزان عند المرتزقة، الذين هم عرضة للإصابة بالقلق والتوتر، والضياع وفقدان الذات، وفقا للطبيعة النفسية السيكولوجية لديهم، مقارنة بدرجات الاتزان النفسي العالية، والثبات، وقوة الإرادة، لدى القوات الوطنية.
ثالثا: بنفس المستوى فيما اتصور، يمكن عكس هذا المفهوم على الدولة التي تحارب بالوكالة عبر أذرع المرتزقة، فهي تفتقد الاتزان النفسي والسلوك المستقيم، وهو الذي يجعلها تستعين بالمرتزقة عبر شراء ذممهم بالمال، مقابل درجة الاتزان النفسي، ودرجة الثبات العالية جدا لدى الطرف الثاني.

المصادر:
[1] _ المعجم الوسيط
[2] _ بدر حسن شافعي، دور الشركات العسكرية في الصراعات الإفريقية: قوات فاغنر نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2023(تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/245jtw5d
[3] _المرتزقة، موقع الجزيرة نت، 19 مايو/ ايار 2015(تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/3apphyxf
 [4] _ باسل درويش، برعاية إماراتية.. مرتزقة كولومبيون يقاتلون إلى جانب “الدعم السريع” في السودان، موقع عربي 21، 13 ديسمبر/كانون الأول 2024(تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/3932phe5
[5] _ المصدر السابق
[6] _ المصدر السابق
[7] _ وليد عبد الحي، اسرائيل وشركات الأمن الخاصة، موقع مجموعة التفكير الاستراتيجي،3 يناير / كانون الثاني 2020 (تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/ykmdwv7a
[8] _ “الكولومبيون الذين خُدعوا في السودان”.. تحقيق بمشاركة جنود في الحرب،الجزيرة مباشر، 10 ديسمبر/ كانون الأوّل 2024(تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/34x43d22
[9] _ قادمون لأمن الإمارات.. مرتزقة كولومبيون يواجهون الموت في السودان، موقع منبر الدفاع الافريقي، 7 يناير/ كانون الثاني2025 (تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/32hsft8n
[10] _ محمد طاهر زين، تشاديّو الدعم السريع… مرتزقة عابرون للحدود، العربي الجديد،14 سبتمبر / أيلول 2021 (تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/bp89bx5f
[11] _ مدى الفاتح، السودان: مرتزقة كولومبيون في صف حميدتي، القدس العربي،2 ديسمبر / كانون الأوّل 2024 (تاريخ الدخول: 14 مايو /ايار 2025): https://tinyurl.com/bdhzjumk