الدكتور إلياس عاقلة: عناصر شغب “ترامبية” في دول الخليج Wealthy.

الدكتور إلياس عاقلة: عناصر شغب “ترامبية” في دول الخليج Wealthy.

الدكتور الياس عاقلة

المتابع لتصريحات رؤساء الدول وتقارير محطات التلفزيونات ومقالات الصحفيين والأفلام التي تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي يشعر بالحيرة والضياع وعدم إدراك الوقائع على الأرض. فمعظم تقارير هذه المواقع متضاربة ومضللة وكاذبة تهدف الى تشويش الواقع. وليدرك الإنسان الحقيقة الواقعة ما عليه إلا أن يقارن ما بين تصريحات الرؤساء وأفعالهم، ودراسة تاريخهم التي تُظهر حقيقة سياساتهم بغض الطرف عن تصريحاتهم المضللة.

دراسة التاريخ الأميركي تُظهر لنا بكل وضوح وبلا شكوك أن الولايات الأميركية المتحدة، منذ بدايتها، عبارة عن منظمة إرهابية إبادية عالمية، فقد قامت بإبادة ما لا يقل عن 100،000 أميركي أصلي (الهنود الحمر) ودمرت حضارتهم ونهبت ثرواتهم تحت شعار “أرض الميعاد الجديدة”. كما قامت باختطاف مئات الملايين (إذا لم يكن أكثر) من سكان القارة الإفريقية السود وشحنهم الى أميركا ليكونوا عبيدا يخدمون المحتلين البيض.

أما التاريخ الأميركي الحديث فيُظهر لنا أن الولايات الأميركية كانت دائماً وبدون توقف في حروب مستمرة ضد جميع شعوب العالم بدون استثناء، فإما ترسل جيوشها لاحتلال دول أخرى ولسرقة خيراتها، أو تقوم بحروب بالإنابة داعمة دولة ضد دولة أخرى وخالقة منظمات إرهابية تمولها وتسلحها لإسقاط نظام حكومة تخالف السياسات الأميركية.

وما الكيان الصهيوني الغاصب إلا إحدى هذه المنظمات الإرهابية الإبادية التي تقوم الإدارات الأميركية المتتابعة (بدون استثناء) بتمويلها وبتسليحها بأحدث الأسلحة وبحمايتها من القوانين الدولية. وما أحداث السابع من أكتوبر التي تبعتها إبادة جماعية لعرب فلسطين بأيدي الكيان الإرهابي الصهيوني بأسلحة وقنابل أميركية من أجل إفراغ غزة من سكانها لكي تستطيع الشركات الأميركية (بما فيها شركات “ترامب) من بناء ريفييرا للمحتلين وبناء أبراج “ترامب” بملاعب الجولف وبإخراج الغاز الطبيعي من سواحل غزة على البحر الأبيض إلا مثال واضح على وحشية الإدارات الأميركية. إدارات الولايات المتحدة الأميركية، وليس عامة الشعب الأميركي، أكبر عدو للأمة العربية.

وللقيام بهذه المشاريع التي تُعد مرحلةً تابعةً لمخطط “إسرائيل العظمى” الصهيوني للسيطرة على العالم العربي أجمع للتحكم بموقعه الإستراتيجي الهام دولياً (موقع اليمن مثالاً) ولاستغلال ثرواته النفطية تحتاج أميركا الى مبالغ ضخمة من المال.

مصاريف الحرب الأوكرانية-الروسية، التي بدأت في شباط/فبراير 2014 واستمرت الخلافات منذ ذلك الوقت الى أن قامت روسيا بشن حربها على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، ومصاريف تدمير وإبادة عرب غزة منذ 2023 والتي لا تزال تزداد كل يوم، أثقلت الدين الأميركي العام الذي وصل اليوم الى أكثر من 36 تريليون دولار. وزاد الطين بلة شن الغبي “ترامب” حرباً اقتصادية وتعاريف جمركية على جميع بلاد العالم، خاصة أوروبا والصين والمكسيك وكندا مما سبب بانهيارٍ في الاقتصاد الأميركي وتسريح آلاف من موظفي الحكومة وخسارات هائلة في البورصة الأميركية. مجموع الإنتاج الأميركي والضرائب المفروضة على الشركات لم يعد يكفي لتغطية النفقات الأميركية خاصة بعد أن سمح الرئيس السابق “جورج بوش الابن” للشركات الصناعية الكبرى بنقل مصانعها الى دول أخرى، مثل المكسيك وكندا والصين، حيث العمالة الرخيصة وقلة الضرائب المفروضة.

ولم يعد أمام “ترامب” لإسعاف الاقتصاد، وخاصة حماية استثماراته الخاصة، إلا اتباع سياسة البلطجة وابتزاز الدول العربية الخليجية الغنية كما فعل في بداية رئاسته الأولى. ولكن الوضع اليوم يختلف عنه في عام 2017، فالدعم العالمي لفلسطين ضد جرائم الإبادة الصهيونية المدعومة أميركيا، والصواريخ الحوثية التي قد تستهدف طائرته ولو عن طريق الصدفة دفعت “ترامب” أولاً بإعلان وقف القصف الأميركي على اليمن خاصة بعد أن فشلت هذه الحملة فشلاً ذريعاً وتسببت بخسائر كبيرة. رحبت اليمن بهذا الوقف لكي تتفرغ لهجماتها على الكيان الإسرائيلي. ومما لا شك فيه أن “ترامب” سيجد أسبابا جديدة لإرسال حاملات الطائرات من جديد لقصف اليمن دفاعا عن الكيان الصهيوني بعد عودته الى الولايات الأميركية.  كما أعلن “ترامب” مدعوماً بوسائل إعلامه وحتى بوسائل إعلام عربية أنه يختلف مع سياسات “نتنياهو” وأنه لن يزور إسرائيل في رحلته هذه (خوفاً من أن تصيب صواريخ اليمن طائرته ولو بالصدفة)، وأن فلسطينيي غزة يستحقون حياة حرة كريمة وأن إدارته تعمل على وقف إطلاق النار وإدخال معونات إنسانية الى غزة، رغم أن الواقع يظهر أن الإدارة الأميركية لا تزال تزود إسرائيل بجميع الأسلحة مجاناً لإكمال تدمير غزة.

وجاء هذا الإعلان الكاذب لكي يخفف “ترامب” من الضغوطات العربية التي قد تواجهه أثناء زيارته. المتابع للسياسات الأميركية الصهيونية يدرك تماما أن تصريحات “ترامب” هذه تهدف الى تهجير عرب غزة الى الجنوب في رفح لتسهيل إبادة عدد كبير منهم وتهجير من يتبقى اما الى سيناء أو الى سوريا أو الى ليبيا. وما عملية “عربات جدعون” الإسرائيلية إلا جزء من هذا المخطط والتي بدأها الكيان الصهيوني حال مغادرة “ترامب” المنطقة.

نجح “ترامب” في الحصول على صفقات بيع أسلحة أميركية واستثمارات هائلة بمليارات الدولارات من دول الخليج الثلاثة، السعودية وقطر والإمارات. شكلت السعودية ما مقداره 10% من صادرات الأسلحة الأميركية ما بين 2011 – 2015. فقد وقعت السعودية صفقة شراء أسلحة بمقدار 110 مليارات دولار عام 2016 مع الرئيس السابق “أوباما”. أما في عام 2017 فقد وقعت السعودية صفقة أسلحة أميركية بمقدار 350 مليار دولار مع الرئيس “ترامب” أثناء رئاسته الأولى، وتُعد هذه الصفقة أكبر صفقة بيع أسلحة في التاريخ. أما اليوم أيار/مايو 2025 فقد وقعت السعودية صفقة شراء أسلحة أميركية بمقدار 142 مليار دولار التي تُعد مرة أخرى أكبر صفقات الأسلحة في التاريخ، وصفقة استثمارات في الاقتصاد الأميركي (وليس الاقتصاد السعودي أو العربي) بمقدار 600 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

ونتساءل هنا ماذا حصل للأسلحة التي اشترتها السعودية في عام 2017؟ هل خُزنت في الصحراء لتصدأ؟ وما حاجة السعودية لكل هذه الأسلحة؟ هل ستحارب الدول المجاورة؟ هل ستحارب إيران؟ أم أن هذه صفقات كاذبة هدفها تغطية أموال السعودية كبراطيل لتسلم من البلطجة الأميركية؟ وتنطبق هذه الأسئلة على صفقات الأسلحة القطرية والإماراتية. لم تعد الإمارات بحاجة الى كل هذه الأسلحة بعد أن هُزم حليفها السوداني قوات الدعم السريع في الحرب الأهلية السودانية وبعد توقف الحرب السعودية الإماراتية ضد اليمن. وكذلك قطر لم تعد بحاجة الى هذه الأسلحة التي كانت تشتريها لتدعم المنظمات الإرهابية لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، خاصة أن الإرهابي أحمد الشرع أصبح الآن رئيس سوريا. وكذلك يتساءل الإنسان ما حاجة دولة شبه جزيرة قطر الصغيرة لـ 160 طائرة بوينغ بمبلغ 200 مليار دولار، فهل سيتسع مطار حمد الدولي لكل هذه الطائرات؟ ولماذا ستقوم قطر باستثمار 10 مليارات دولار لتحديث قاعدة العديد العسكرية الأميركية؟

كل هذه المليارات العربية يدفعها الرؤساء العرب حماية لعروشهم من البلطجية الأميركية التي كان “ترامب” يتباهى ويهددهم بها في خطاباته بطريقة غير مباشرة معلناً أنه رفع ميزانية الجيش الأميركي الى تريليون دولار لتصنيع أسلحة لا يمكن تصور قدراتها التدميرية (التي لم تستطع هزيمة الحوثيين) وأن من مصلحة هؤلاء الزعماء العرب الامتثال للإملاءات الأميركية، وقد ضرب مقابلته واعترافه بالإرهابي أحمد الشرع مثالاً، فقد كانت أميركا تعتبر الشرع إرهابياً وأعلنت مكافأة بمقدار 10 ملايين دولار للقبض عليه، أما الآن فإن “ترامب” يرحب به كرئيس دولة لأنه أسقط نظام بشار الأسد الذي لم يمتثل للإملاءات الأميركية.

ولتقوية هذه البلطجية الأميركية جاءت تحذيرات “ترامب” للزعماء العرب من برنامج إيران النووي مدعياً أنه يضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي حماية للدول العربية المجاورة علماً أن إيران أعلنت عدة مرات أن برنامجها النووي سلمي كما أكدت ذلك تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، باختلاف الأسلحة النووية الإسرائيلية، أكثر من 200 قنبلة نووية، التي استعملها جيش الإرهاب الصهيوني ضد اليمن عام 2015 وضد معسكرات سورية عام 2018 وضد مرفأ بيروت عام 2020، ولا ننسى تهديد إسرائيل دول العالم بخطتها “خيار شمشوم النووي”. عدى عن هذا فإن أميركا تعطي نفسها الحق بامتلاك قنابل نووية ما يقارب عددها 5550 قنبلة.

“ترامب” لا يريد اتفاقا نوويا مع إيران لأن ذلك سيزيل “الخطر النووي الإيراني” عن الدول العربية في الخليج. بل إنه يحاول تشديد الخلاف بين إيران والدول العربية المجاورة وخاصة دول الخليج عن طريق الخلاف على ملكية الجزر الإيرانية الثلاث تنب الكبرى وتنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، وكذلك عن طريق محاولته بتحويل اسم الخليج الفارسي الى الخليج العربي من أجل تأجيج الخلاف بين الطرفين.

لا توجد عداوة أو خلاف حقيقي بين إيران وبقية دول الخليج العربية. تحاول إيران عقد علاقات سلمية تجارية مع كل جيرانها. إيران لم تخض أي حرب عدوانية ضد أي من جيرانها منذ مئة عام تقريبا بينما تقوم أميركا بحروب طاحنة وتدخلات عسكرية لتغيير أنظمة عربية وتقدم دعما غير مشروط على جميع المجالات للكيان الصهيوني الذي يهدف الى إنشاء إسرائيل العظمى على حساب جميع الوطن العربي. وما يغيظ أميركا هو دعم إيران لمقاومة هذا الكيان الصهيوني الغاصب.

من المثير للسخرية أن “ترامب” في خطابه في السعودية حث القادة العرب على تجاهل خلافاتهم ووضعها جانبا والتركيز على المصالح التي توحدهم لتحويل المنطقة الى مركز فرصٍ للأمل وللنجاح وللازدهار لتصبح محط حسدٍ وامتثالٍ للعالم كله. فهل يفهم ويتعقل الزعماء العرب ويستثمرون بعض هذه المليارات في اقتصاد الوطن العربي بل أن يحنوا ظهورهم ليمتطيها رؤساء أميركا واحدا بعد الآخر؟