الإحساس بالفشل

الإحساس بالفشل

على الزعتري

يشعرُ كل عاقلٍ عربيٍّ و غير عربيٍّ يعيشُ مذبحة غزة بالإحباط من العجز العربي والعالمي في صدِّ الصهيونية.  غير أن الإحباطَ العربيِّ أَشَدَّ من غيرهِ فالجرح في مقتلٍ.
يخذلنا ويحبطنا ضياعَ الموقف العربي الجامع لمقاومة الصهيونية و انفصام مكوناته بين مُعاهِدٍ بالسلام لا يتراجع عنه و مُطَبِّعٍ يستزيد من “فوائده” و مُنتظرٍ للتطبيع راغبٌ باللحاق بركب التحرر من العقوبات و رافضٍ قليلٍ كاظمٍ للغيظِ مقاومٍ بما يُتاح.  وانفصام مكونات العرب شعوباً بين غِنىً فاحشٍ و فقرٍ وجوعٍ و ما بينهما مجاميع تتشبث بالحياة و بالجهد الذي تبذله للبقاء.  وانقسام العرب بين لا مُبالٍ بما يحدث من غزوٍ صهيونيٍ و مُحبٍّ له لا يستحي من موقفه و مقاومٍ يتشبث بما يُعين، كأنه الواحة في صحراء لا تغلبُ مياهُها الرمالَ و لا تستطيع الرمالُ ابتلاعَها. ودينٌ يُقْبَضُ عليهِ كالجمر لكنهُ جُعِلَ مُتنافراً في تابعيهِ الذين يتجاهلون “اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي و رضيتُ لكم الإسلام ديناً” حين كلٌ يشُدُّ لطريقتهِ ويدفعُ لقطيعةٍ كأنهم لا يريدون ديناً مُتكاملاً بل أدياناً بلا كَمالٍ.  و انسحاب الحياء من الحياة وتصاعد المعاصي والإصرار على الجهر بها كأنها الصفةَ الموروثةَ لا الاستثناء.  كلها وغيرها يحفرُ في النفس الواعيةِ المحبطة التي تدركُ أن ما تعيشهُ ليس ازدهاراً بل أبشعَ أشكال الانحدار. فما معنى تسمينَ الضحية لمفترسها إلا أنه الغباء المُطبق بالاعتقاد أن الواحدَ المنفرد من العرب سينجو  وهو لا يعي أنه إن نجى فذلك لأن الصهيونية لا ترى في افتراسهِ مصلحةً بعد، وأن نجاته هي في أخيه والتعاضد معه ضد عدوهما معاً، لكن لا مُجيب. صُمٌّ و بُكْمٌ و عُميٌ فهم لا يفقهون ولو تطاولوا في البنيان.
من أسباب الإحباط كذلك أن تسمع وترى تقريباً كل يومٍ نصراً للصهيونية على الماضي والحاضر والمستقبل.  نصراً يُذاعُ بمِهنيةٍ حاذقةٍ هدفها غرز حراب الإحباط في القلب و الاستسلام لهزيمتك في العقل.  مِن استرداد أرشيف جاسوسٍ و بقايا جندي وقتل قادة ببيوتهم وسوق أهلهم سبايا وأسرى و قبلها تصفيةَ رموز وقادة مقاومة واكتشاف خلايا جاسوسية في ظل المستويات العليا وهي كلها أفعالٌ تقول لك أنهم حاضرون في حُرمةِ بيتك فلا فلات منهم.  المُحبط أن لا تسمعَ ردَّاً عربياً واحداً يحملُ معنىً باستثناء ما تقوم به مقاومةُ جزءٍ من فلسطين و جزءٍ من اليمن.  الإحباطُ يأتي  من سيلٍ من المشاريع المُرسلةَ لإيصال الطعام لغزة وتهجير أهلها في لطمةٍ واحدةٍ.  ومن تحطيم اليمن عربياً وصهيونياً وأمريكياً، و التدمير الممنهج للسودان الذي كان يُعَدَّ في ثمانينات القرن الماضي ليكون سلَّةَ الخبز العربي فاذا به يُصبح سلَّةً مثقوبةً بالرصاص العربي المُميت.  الإحباط يأتي من دوران العرب في طقوسٍ سنويةٍ حول تحسين مقاماتهم الدولية في التنمية البشرية بينما البشر العربي عُرضةً يوميةً للذبح الأمريكي الأوروبي الصهيوني. من المُحبط أن لا تتوقف طائرات الغلاكسي العملاقة من نقل السلاح للصهيونية، والسلاح أمريكي وأوروبي، و هؤلاء يمتلكون القواعد من حولنا وفينا. والإحباط يأتي كثيفاً من التفكير من أين تأتي الغلاكسي ويتغلغل حين يتملكك الظن القاتل أنها تأتي من عمق حضننا العربي تنقل سلاحاً يقتلنا في غزة واليمن ولبنان والسودان. ثم الإحباط يأتي من فتح القصور و نثر الشعور بينما أهالينا يُذابون بالقنابل الحارقة و المجاعة ومنعهم من رفع وتد خيمة بأرضهم.  أليس هذا محبطاً؟
ثم يقولون أننا سوداويون لا نرى الصمود الأسطوري لأهلنا.  بل نراه و نُقدسهُ. وأننا لا نمدح أشكال التقدم العربي من أعلى برجٍ لأعمقٍ بئرٍ وأكبر وأصغر وأجمل وأفخر وهلمَّ “أَفْعَلْ”.  نراهُ و يًحبِطنا. الإحباط هو في صمودٍ لا يصد عدواً يشفي الغليل لأنه ببساطة يبقى بدون عرب يدعمون الصمود بالسلاح. و لا التقدم يًقللً مآسينا بل يحبطنا طالما نصف العرب فقراء.  أليس مُحبطاً أن يتمسك بعضنا بأهداب العلاقة مع الصهيونية باذلين الجهد الجهيد لتعزيزها فيما ينال الصهيونية من التقريع الدولي ما لم تشهده مُذْ خلقها الاستعمار؟ أليس مُحبطاً هذا الطوفان الطلابيّ الغربي في جامعاتهم المرموقة ضد المجزرة والصهيونية وغياب عُشٌرَ مثيله في جامعات العرب؟ أليس مُحبطاً هذا التقييد العربي الرسمي لمظاهر عداوة الصهيونية وكأن بعضنا كما يقول المثل الإنجليزي ينحنون بظهورهم للخلف في إستحالةٍ للطبيعة في سبيل عدم إظهار عداوة شعوبهم للصهيونية؟
مُحبطين ومقهورين و مذلولين وكل صفةٍ تصف ضعفنا اذكرها واكتبها وانقشها على الجبين فهي نحن، في أسفلِ سافلين في هذا الزمان اللعين.

الأردن