السفير منجد صالح: الحذاء ضائع والأدوات في ورشة الحدّاد غير حادة

السفير منجد صالح
في كتاباتي الادبية، اعشق الامثلة الشعبية والحِكم والاقوال المأثورة، وحتى احيانا تضمين اللغة أو اللهجة الشعبية المحكية، في مسامات اللغة العربية الفصحى، التي نكتب جميعنا بها،
فتبدو التعابير وقد اكتست الوانا جميلة زاهية، مثل الفراشات،
وروائح عطرية عبقة، تفوح وتنثر شذراتها على حواكير الادب والنثر والشعر، وحتى الزجل والعتابا والميجنا،
عنوان هذا المقال: “السكافي حافي، وفي بيت الحدّاد سكينٌ من خشب”، هو عنوان مركّب من زهرتيت متحدتين ،ذات رائحة عطرية واحدة، ومعنى واحد، احداهما فلسطينية شعبية، “السكافي حافي”، والثانية اخذتها من عبق بلاد الاندلس، من اللغة والثقافة الاسبانية: “في بيت الحدّاد سكينٌ من خشب”،
ويقابلهما ايضا، الشعبي الفلسطيني والاندلسي، مثلٌ ثالث بنفس المعنى والشذرات، الا وهو: “باب النجّار مخلّع!!!”،
ربما لا توجد لغتين، متباعدتين في الجذور، ومتطابقتين في الاغصان، مثل اللغتين العربية والاسبانية،
فاللغة العربية اصولها ساميّة سنسكريتية قديمة،
واللغة الاسبانية تنحدر من اللغة اللاتينية، هي واخواتها اللغات البرتغالية والفرنسية والايطالية والرومانيّة،
لكن يبدو أن تمانية قرونٍ من الحضارة والثقافة المشعّة للعرب المسلمين في الاندلس، قد جعل من هذا التطابق بين اللغتين والثقافتين، العربية والاسبانية، ممكنه،
فإلى جانب آلاف الكلمات العربية، او من اصول عربية التي يتضمنها القاموس الاسباني، فان الامثال الشعبية والحكم الشعبية والاقوال المأثورة متطابقة ومتّحدة وتكاد تكون قد نبعت من منبعٍ واحدٍ، مياهه فُرات زُلال رقراق،
وليس ادلّ على هذا التوافق والانسجام الثقافي واللغوي من عنوان المقال هذا، الذي يبدو “كتوأم سيامي” مُتّحد بجمالية مثيرة للإعجاب،
وللتدليل اكثر نسوق مثلا بديعا باللغة العربية ومقابله البديع باللغة الاسبانية، ألا وهو:
“اسمع قعقعة(أو جعجعة) ولا ارى طحينا”،
فان مقابله المثل المتطابق معه باللغة الاسبانية يقول:
“كثيرٌ من الضجّة قليل من الجوز”،
أو، و الحكمة الشعبية العربية: “لسانك حصانك ان صُنتُه صانك”،
يقابلها باللغة الاسبانية الحكمة: “لسانك يتحكّم بمصيرك”.
كاتب ودبلوماسي فلسطيني