إسرائيل تُجهز لشن هجوم على إيران: قصة مكررة تعود بالنفع على طهران بدلاً من العكس

طالب الحسني
لوقت طويل فضلت “إسرائيل” الخيار العسكري تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران، كل “الطيف” “الإسرائيلي” من اليسار إلى الوسط إلى يمين الوسط إلى اليمين وصولا إلى اليمين المتشدد، اختاروا أيضا هذا “النهج” .
مثل هذا الاجماع هناك إجماع آخر لم يتغير وهو أن “إسرائيل” غير قادرة أن تذهب إلى ذلك منفردة، حتىى قائمة الاستفزازات التي قامت بها ضد إيران وخصوصا تلك المرتبطة بالاغتيالات، صنفت أنها “استدعاء” “إسرائيلي” يحث الولايات المتحدة الأمريكية وتحالف أوروبي إلى حرب مع إيران، وفي مرات متعددة رغبت أن يشارك “كل المجتمع الدولي ” في الحرب “لإسقاط النظام الإيراني”.
إن الشعور “الإسرائيلي” بوجود شركاء في هذه الرغبة صور لها دائما أن “زر الحرب” في البيت الأبيض وأن الطريق إلى “إطلاقه” يمكن تحقيقه عبر تجميع مزيدا من الأطراف والقوى لأثبات أن الوقت قد حان لضرب إيران، وفي كل مرة تجد واشنطن نفسها مضطرة للقول أن الحرب مع إيران ” لم تحن بعد ” لكنها أيضا تقول أنه خيار “مطروح ” على الطاولة .
في العام 2015 لم تفاجأ أحد باستثناء “إسرائيل” مجازا، باتفاق ما اشتهر فيما بعد باتفاق النووي الإيراني بعد مفاوضات طويلة في لوزان وجنيف وفيينا استمرت نحو عام ونصف وادى ذلك إلى ” سخط إسرائيلي على الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما “
مع ذلك لم تنتهي ” السردية الإسرائيلية ” والتسريبات المتعمدة المتكررة عن ” نوايا اسرائيل بضرب منشآت نووية إيرانية ” وحتى مع فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب المتطرف تجاه إيران الذي انسحب من الاتفاق النووي الإيراني وانتهج سياسة ” حافة الهاوية ” طوال فترة حكمه الاولى 2018-2020 لم يتم تنفيذ التهديد بضرب الجمهورية الإسلامية وإسقاط نظامها الثوري .
لقد توفرت أمام نتنياهو كل الشروط التي كان يطلبها لتحقيق ذلك، من رئيس متشدد في البيت الأبيض إلى مستشار كذلك شديد التطرف تجاه إيران جون بلوتون وصولا إلى توتر عال بين طهران وواشنطن وحتى وجود رغبة “جامحة ” لدول عربية بضرب إيران وانتهاء “نزولا عند زعم تقارير- بايران مستنزفة في سوريا واليمن والعراق وفلسطين ” مع كل ذلك بقي خيار الحرب والضربات مع إيران مستبعدا دون استبعاد ” السردية الأمريكية والإسرائيلية المملة ” ” سيتم منع إيران من الحصول على أسلحة نووية حتى باستخدام القوة “
إن التفكير المنطقي البعيد عن ” الدعاية ” يجعل أي حرب امريكية إسرائيلية وحتى مع دخول دول أوروبية ضد الجمهورية الإسلامية ستكون حرب من النوع التدميري القاسي، قد تكلف إيران كثيرا في بنيتها التحتية وترسانتها التسليحية ومنشئاتها العلمية وربما شخصيات وازنة، لكنها بثمن مقابل يبدأ من ” إسرائيل ” وصولا إلى القواعد الأمريكية في المنطقة وينتهي بدول استخدم الولايات المتحدة الأمريكية أراضيها ضد إيران .
لاحقا، لا يمكن إسقاط نظام الثورة، لا يمكن كذلك احتلال إيران على الطريقة التقليدية، وبالتالي في أسوأ الحالات إيجاد فوضى واسعة في الجمهورية الإسلامية، لا يوجد طرف داخلي أكثر قدرة على الحسم عسكريا وشعبيا وأمنيا من نظام الثورة الإسلامية، ما سيحدث هو ميلاد جديد للثورة التي يقترب عمرها من نصف قرن .
هذا التصور مستبعد منه أركان كثيرة من بينها الدور الذي يمكن أن تقوم به قوى المحور، والحلفاء الاقليميين والدوليين لإيران، وأعداء الولايات المتحدة الأمريكية ومستجدات كثيرة تنتجها الحروب من هذا النوع، فضلا عن التداعيات الاقتصادية والامنية والسياسية … إلخ
لقد بدت “تسريبات” CNN الامريكية مؤخرا نقلا عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين بحسب القناة حول رصد “استعدادات إسرائيلية ” لضرب منشآت نووية إيرانية كما لو أنها “روتين دعائي مكرر ” ” شريط خبري ممل ” يتزامن مع مفاوضات أمريكية إيرانية غير مباشرة بحثا عن اتفاق جديد، تحتاجه واشنطن للحصول على تنازلات إيرانية تتعلق بزاوية التخصيب الإيراني، وهي مسألة لا يمكن لطهران أن تناقشها كما فعلت في الماضي، كما أنها تتوافق مع ” الاستعراض ” الذي تهتم به إدارة ترامب لجهة أن إيران وافقت على المفاوضة استجابة للتهديد .
إسرائيليا يريد نتنياهو وأحزاب اليمين وقد غرقوا في الحرب مع المقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لغزة منذ 7 اكتوبر دون ” نصر كامل ” كما يسميه نتنياهو ودون ترميم الهزيمة الإسرائيلية وخسارة التفوق الدفاعي والردع وتداعيات اخرى لا تزال تزحف تباعا، يريدون أن يقولوا إن ” إسرائيل ” غير منهكة وتستطيع أن تبدأ في حرب أكبر مع رأس محور المقاومة، طهران .
يمكن تحقيق “الغاية الدعائية ” أمريكيا إسرائيليا على المستوى الداخلي وبالحجم نفسه وربما أكبر تحقق الجمهورية الإسلامية مكاسب كبيرة من “دعاية التهديد” في الداخل الإيراني، والفارق أن المكاسب الإيرانية ستبقى ثابتة وتتضاعف حين تنتزع انتصارا مرتقبا في المفاوضات دون تنازلات رغم التهديد، بينما “تموت الدعاية ” الإسرائيلية الأمريكية وتنتج تداعيات عكسية.
إن الوضع الحالي الإقليمي والدولي على الرغم من التوتر الكبير في الشرق الأوسط لا يشير إلى إمكانية الإنخراط نحو حرب مع الجمهورية الإسلامية بالسيناريو الذي “يروج له” لثلاثة أسباب:
– عدم القدرة الإسرائيلية والجهوزية على الدخول في حرب مع إيران دون الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، وهو سبب قائم قبل طوفان الأقصى ومنذ سنوات طويلة وتضاعفت قوة السبب بعد تجربة عمليتي إيران الانتقامية الوعد الصادق 1 و2 التي أظهرت هشاشة دفاعية إسرائيلية وإمكانية إيران على إحداث تدمير هائل في “إسرائيل”.
– عدم وجود الحاجة الأمريكية والأوروبية لحرب مع الجمهورية الإسلامية ولم ينتهوا بعد من “كارثة” مساعدة أوكرانيا في الحرب مع روسيا منذ ثلاث سنوات وقد تحتاجون سنوات إضافية للخروج من التداعيات إذا توقفت الحرب
– السبب الثالث: المخاوف الأمريكية الأوروبية من أن أي تورط أمريكي أوروبي في حرب جديدة سيقلص الفترة الزمنية التي تحتاجها الصين للصعود كقوة عظمى وهي قريبة جدا من الوصول إلى ذلك.
قد يحدث أن يقوم كيان العدو الإسرائيلي منفردا بتنفيذ ضربات محدودة تستهدف معسكرات أو منشآت إيرانية، وهو سيناريو متوقع ليس بسبب تغير في ” المخاوف الامريكية” وإنما بسبب أزمة نتنياهو الداخلية والخارجية، لكن ذلك سيؤدي إلى رد عسكري إيراني متناسب وفوري دون الإنزلاق إلى حرب أوسع.
كاتب وصحفي يمني