هل يُعَدُّ إعلان أردوغان عن “رغبته في ترك السُلطة” موثوقاً، وما الدافع وراء إصراره على “إقرار دستور جديد”؟ هل يُمكن أن تمتد طموحاته لتطال “المواد الأربعة المُقدّسة” وما هي؟ كما أن قضيّة “وضع الحجاب” تثير حساسية، وتبقى “صلاحيات الرئيس” ونظام الحكم موضوعاً للجدل!

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
سعي الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لإقرار دستور جديد، يُفهم في سياق نواياه للترشّح لولاية رئاسية جديدة العام 2028، أو هكذا تفهم المعارضة التركية على الأقل، التي ترى أنه اعتقل مُنافسه أكرم إمام أوغلو رئيس بلديّة إسطنبول، لغايات عدم وجود مُنافسين على كرسي الرئاسة، فيما لا يَسمح له أساسًا الدستور الحالي الترشّح لولايةٍ جديدة، لذا عليه الذهاب نحو انتخابات مُبكّرة، وهو خيارٌ لا يبدو أنه مطروح ومقبول بالنسبة للرئيس أردوغان حاليًّا.
اللّافت الجديد بأنّ الرئيس التركي شدّد في آخر تصريحاته، بأنه لا ينوي الترشّح للانتخابات الرئاسية مجددًا، ما يعني أنه يسعى فقط لإقرار دستور جديد، لرفضه الدستور الحالي، الذي يصفه بـ”دستور الانقلابيين”.
تُطرح تساؤلات حول ما إذا كان سيَفِي الرئيس التركي بوعده عدم الترشّح للرئاسة، وترشيح أسماء أكثر شبابًا منه لحُكم تركيا، خاصّة أنّ قطاعًا عريضًا من الشباب التركي ينظر لمُنافسه الأكثر شبابًا إمام أوغلو بعين الرضا كونه أقرب لتفكيرهم، وآمالهم، وطُموحاتهم، وهو ما كشفت عنه التظاهرات التي خرجت تأييدًا له بعد اعتقاله على خلفيّة اتّهامات فساد، وإرهاب مُفترضة.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتحدّث بها أردوغان عن نيّته مُغادرة السُّلطة التي تولّاها مُنذ العام 2003، فقد قال إن انتخابات البلدية التي أجريت العام الماضي ستكون الأخيرة له.
وقال أردوغان في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة عائدًا من المجر، “لم يعد من الممكن لتركيا أن تمضي نحو المستقبل بدستور وضعه الانقلابيون. نحن بحاجة الآن إلى دستور يضعه المدنيون، لا الانقلابيون”.
ويشدد الرئيس التركي ويكرر بضرورة إنجاز دستور مدني جديد للبلاد بدلا من الدستور الحالي الذي وضع بعد انقلاب عسكري وقع عام 1982.
ولا يستطيع الرئيس التركي إقرار دستور جديد، حيث يُلزمه القانون بمُوافقة 360 نائبًا على الأقل من أصل 600 نائب في البرلمان، وهو يملك الأغلبية البرلمانية ولكن يحتاج إلى 39 نائبًا آخرين على الأقل من أجل تمرير التعديلات الدستورية من البرلمان.
وبموجب الدستور الحالي، الذي تحكم به تركيا، لا يستطيع إردوغان الترشح للرئاسة مجددًا، لاستنفاده مرات الترشح المحددة بدورتين.
وكان أردوغان قد خاطب الشباب في أنقرة بمناسبة “يوم أتاتورك” للشباب والرياضة: “جميع رفاقنا يعملون حاليا على إعداد دستور جديد وسنواصل هذا العمل لأننا لن نتعايش بعد الآن مع دستور مضى عليه عشرون عامًا”.
في المُقابل لا ترفض المعارضة التركية فكرة دستور جديد تمامًا، ورغم تحفّظاتها، قد تعمل من خلاله على إلغاء النظام الرئاسي الذي تبنّته تركيا عام 2017، والذي تراه المعارضة مُقيّدًا للأحزاب الأخرى وللحريات العامة، ومُضِرًّا بالحياة السياسية التركية.
والقضايا الخلافية الجدلية التي يتجادل حولها الحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، والمعارضة ممثلة بأكبر أحزابها حزب الشعب الجمهوري المُعارض في سياق تعديل الدستور، هوية الدولة، تعريف المواطنة، المرجعية الإسلامية، الحجاب، الأكراد، صلاحيات الرئيس، طبيعة نظام الحُكم ما بين رئاسي وبرلماني.
والحجاب قضيّة تُثير جدلًا بين الحزب الحاكم “الإسلامي”، والمعارضة “العلمانية”، والخلاف حول صياغة العبارة المُتعلّقة فيه بين من يرى أن تكون: “تغطية رأسها بسبب مُعتقدها الديني”، أو “أخذ الاحتياطات اللّازمة على ألّا يمنع المرأة من تغطية رأسها”.
وجرت كتابة أول دستور لتركيا عام 1921 ليكون مُنطلقًا لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، جرت كتابة دستور جديد عقب تأسيس الجمهورية ونهاية حرب الاستقلال عام 1924، واستمر العمل به حتى عام 1961 حين بدأ العمل بدستور جدلي جديد أفرزه انقلاب 1960 قبل أن تنتقل البلاد عام 1982 لدستور أفرزه انقلاب عام 1980، وهو الدستور المطبق في تركيا حتى اليوم.
ومن غير المعلوم إذا كانت طُموحات الرئيس التركي في تعديل الدستور الذي يعتبره “انقلابيًّا”، ستصل للمس بالمواد الأربعة الأولى من الدستور الحالي، حيث يمنع (الدستور) منعًا باتًّا تعديل أو اقتراح على المواد الأربع الأولى من الدستور، التي تتضمّن الأسس العامة للدولة التركية (هوية الدولة والحقوق السيادية للأمة التركية وأجهزة الدولة الدستورية)، وتم تعديل هذا الدستور 21 مرّة.
وفيما تغيّر “العلم السوري الأحمر” بعد سُقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد إلى “العلم الأخضر” دون استناد قانوني ببركات الدعم التركي، المادة الثالثة التي لا تمس في الدستور الحالي، وتقول: “وحدة الدولة ولُغتها الرسمية وعلمها ونشيدها الوطني وعاصمتها” وتنص على “دولة تركيا بشعبها وأرضها وحدةٌ لا تتجزأ، لغتها هي التركية، وشكل علمها محدد في القانون وهو علم أحمر بهلال أبيض ونجمة، نشيدها الوطني هو (نشيد الاستقلال)، وعاصمتها أنقرة”.
وتُطالب الأحزاب الكردية بمزيد من الحقوق القومية والثقافية، مثل الاعتراف باللغة الكردية، ومسائل الحُكم الذاتي.
التساؤل المطروح بكُل حال، هل يقبل الرئيس أردوغان وجود رئيس آخر غيره، وهو على قيد الحياة، ويعمل فعلًا لأجل تعديل الدستور ومصلحة تركيا، خدمةً للجيل القادم، أم أنه سيترك للقدر الإلهي أو البشري، مسألة تنحيته، أو إنهاء حياته السياسية كما يفعل نظراؤه في العالم العربي وبعض الإسلامي؟