طلب سحب الثقة في المغرب يثير توترات جديدة.. صراع محتدم بين ‘العدالة والتنمية’ و’الاتحاد الاشتراكي’ يزيد من أزمة المعارضة.. ابن كيران يتهم الحكومة بالتلاعب بالمسار الديمقراطي ويدعو إلى أن ‘عواقب سياساتها ستعود عليها بالسلب’

الرباط ـ “رأي اليوم” ـ نبيل بكاني:
في خطوة سياسية أثارت جدلًا واسعًا، شنّ حزب “العدالة والتنمية” المغربي المعارض هجومًا لاذعًا على حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، متهمًا إياه بتقويض الجهود الرامية إلى إسقاط حكومة عزيز أخنوش عبر ملتمس لحجب الثقة، معتبرا أن مبررات الحزب للانسحاب من التنسيق حول المبادرة الرقابية “واهية وغير مقنعة”.
وأبدت الأمانة العامة لحزب “العدالة والتنمية” أسفها الشديد لما وصفته بـ”انسحاب مشبوه وغير مسؤول” من جانب “الاتحاد الاشتراكي”، في خطوة أعادت إلى الأذهان، بحسب البيان، دوره في تعثر تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016، واعتبر الحزب أن مثل هذه التصرفات تسيء للعمل السياسي وتقوّض المسار الديمقراطي في البلاد.
وفي مداخلة إعلامية، عبّر إدريس الأزمي، نائب الأمين العام للحزب الإسلامي، عن استغرابه من توقيت انسحاب “الاتحاد الاشتراكي”، معتبرا أن التبريرات المقدمة لا يمكن أن تُقنع أحدًا، مشيرًا إلى أن الانسحاب المفاجئ قبل ساعات من اجتماع قادة المعارضة يثير الشكوك حول استقلالية القرار السياسي داخل الحزب أو احتمال وجود صفقات خلف الكواليس، على حد تعبيره.
أما حزب “التقدم والاشتراكية”، فقد عبّر من جهته عن أسفه لفشل المبادرة، مؤكدًا أنه لم يكن طرفًا في أي خلاف جانبي، وأنه ظل حريصًا على إنجاح الخطوة السياسية التي كانت ستعبر عن السخط الشعبي تجاه أداء الحكومة. وألقى الحزب باللوم على طرف معارض اختار الانسحاب بشكل منفرد، مما أنهى أي فرصة لتقديم ملتمس الرقابة بشكل رسمي.
وفي رد حاد على هذه الاتهامات، برّر إدريس لشكر، السكرتير الأول لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، انسحاب حزبه من المبادرة بما وصفه بـ”الاستخفاف وعدم الجدية”، مؤكدًا أن القرار جاء بعد تقييم جدي من المجلس الوطني، متهمًا حزب العدالة والتنمية بتقويض مبادرة سابقة مماثلة واعتبارها آنذاك “مؤامرة”، ومعلنا عن تحويل المبادرة إلى ملتمس حجب ثقة شعبي هدفه تعبئة الرأي العام عبر لقاءات ميدانية في مختلف مناطق المغرب.
في السياق ذاته، اعتبر عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن ما وقع لا يمكن اعتباره فشلاً، بل هو واجب وطني قام به حزبه وفق ما أتيح له من إمكانيات وظروف.
وخلال مؤتمر صحفي نظمه الحزب مساء الخميس، اتهم ابن كيران الحكومة بانتهاج أساليب غير نزيهة لإفشال طلب حجب الثقة، وكذلك لإجهاض مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن شبهات التلاعب في صفقات الأغنام المدعّمة المخصصة لعيد الأضحى.
واعتبر أن الحكومة، عوضًا عن العمل بجدية لتحقيق المصلحة العامة، تساهم في تقويض أسس التقدم الوطني، وهو ما ينعكس بشكل واضح على تراجع تصنيفات المغرب في مجالات التعليم والحريات والتنمية البشرية.
وأطلق ابن كيران تحذيرًا شديد اللهجة، مؤكدًا أن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي حتمًا إلى رد فعل مجتمعي صلب، وقال: “حينها لن يكون من السهل مواجهة الواقع الذي سيظهر بوجه مكشّر وأنياب حادة”.
واستحضر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المراحل الحساسة التي مر منها المغرب، ولا سيما خلال حراك 20 فبراير، متسائلًا عن إصرار صناع القرار على تكرار الأخطاء ذاتها، بدل تبني مقاربات تشاركية تحترم الإرادة الشعبية وتكرس الديمقراطية.
وانتقد ابن كيران ما وصفه بعزوف شريحة واسعة من المواطنين عن الشأن السياسي، معتبرًا أن ضعف التفاعل والمشاركة يفرغان الحياة السياسية من مضمونها الحقيقي. وأكد أن السياسة، رغم ما يكتنفها من إكراهات داخلية وخارجية، تظل عاملًا حاسمًا في رسم ملامح الحياة اليومية للمواطنين، داعيًا إلى التصويت وفق معايير الضمير والمبادئ والكفاءة.
وفي ما يتعلق بتفاصيل تعثر التنسيق بين أحزاب المعارضة، أوضح ابن كيران أن هناك قناعة كانت سائدة تُقر بصعوبة تحقيق هدف إسقاط الحكومة عبر طلب حجب الثقة، إلا أن ذلك لم يمنع المضي قدمًا في المحاولة. وأشار إلى أن اجتماعًا كان مبرمجًا بين الفرقاء يوم الأحد، غير أن فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أعلن انسحابه بشكل مفاجئ يوم الجمعة، مما أدى إلى سقوط المبادرة برمتها.
وختم ابن كيران بالقول إن السياسة لا تبنى على اليقين، بل على المبادرة والمسؤولية، وإن التجارب السياسية تُكسب النضج حتى في لحظات الإخفاق، داعيًا إلى إعادة الاعتبار للممارسة الديمقراطية في البلاد.