مقابلة د. العناني مع القناة العبرية: لا يعبر عني ولا عن الشعب الأردني

مقابلة د. العناني مع القناة العبرية: لا يعبر عني ولا عن الشعب الأردني

د.م. عبد الفتاح طوقان

في المجال متعدد الأوجه لسياسات الشرق الأوسط، يثير عدد قليل من الموضوعات الكثير من الحماس والنقاش مثل العلاقة المعقدة بين الأردن وقادته السياسيين والقضية الفلسطينية الدائمة.
الإجراءات والتصريحات الأخيرة للدكتور جواد العناني، وهو شخصية بارزة داخل الأوساط السياسية الأردنية، أثارت العديد من المناقشات القوية تتجاوز المساءلة الفردية للدكتور لتشمل مواضيع  السلام الدافئ مع كيان غاصب، الهوية الوطنية الأردنية،  والمرونة الاقتصادية والنضال الطويل الأمد للشعب الفلسطيني.
العناني الذي يراه الساسة و المحللين الاقتصاديين هو أحد أكثر الوزراء غير الناجحين في الاقتصاد والمالية في الأردن لمدة تزيد عن أربعين عاما تولى و حصد مناصب نائب رئيس الوزراء ووزير خارجيه ووزير اقتصاد و عضو مجلس أعيان و غيرها من المناصب العليا،  واحد المسؤولين الرئيسيين عما وصل اليه حال الأردن من مديونيه و تخبط اقتصادي ، و لم يحاسبه احد ، و ترك منصبه لتتصارع الأمة الأردنية والأجيال القادمة مع ديون كبيرة، و نتيجة سياساته التي تبنتها بعض حكومات غير قادرة علي إدارة البلاد نتج عنها أيضا ارتفاع معدلات البطالة، والضغوط التضخمية، مما دفع العديد من المواطنين الأردنيين و السياسيين إلى التشكيك في فعالية خطط د. جواد العناني ومساءلة وزراء سابقين من حكومات أقيلت وسقطت شعبيا. الإحباط الواضح بين المواطنين الأردنيين هو دعوة واضحة لأولئك الذين في السلطة اليوم لتحمل المسؤولية عن قراراتهم والوفاء بوعود الاستقرار والنمو الاقتصاديين و محاسبة كل من تسبب في تلك الورطة الاقتصادية و الجنوح لسفينة الوطن.
وليس ذلك فقط، بل يفاجئ الدكتور العناني وهو صاحب النهج غير الإنساني بادعاء الحقوق المنقوصة لفلسطينيين لاجئين وضيوفا بالأردن قدم لهم الأردن كل شيء، يفاجئ الشارع الأردني و يتجاوز حدوده  كما تقول الأمثال الشعبية المصرية ” سكتنا له فدخل بحماره” و”قال يا فرعون مين فرعنك؟ قال ملقتش حد يلمني”.
لقد تخطى كل الأعراف و القوى السياسية والثقافية والاجتماعية، وتنازل عن القيم الوطنية وقدم نفسه متحدثا غير رسميا و لكن ضمنيا باسم الحكومة الأردنية التي لم تعترض على حديثه الي القناه العبرية، ولم يعلق مجلس النواب على كونه ظاهريا متحدثا  باسم عشر ملايين اردني للتلفزيون الإسرائيلي الذي لم يتقدم للحديث اليه أي من الوزراء المصريين والأردنيين الشرفاء ممن لهم معاهدات مع الكيان الغاصب والرافضين للتطبيع، الا انه كسر تلك المقاطعة التي يوما جعلت الجامعة العربية تمنع حتى  فيلم “سنو وايت” من العرض في الدول العربية و تصدر قرارا بذلك، وتغاضي عن القرار الشعبي و لجان المقاطعة، وبدا انه “الفلسطيني القادم من الخليل والذي يمثل الحكومة الأردنية”، الحريص على إسرائيل ومصالحها ومساندتها حيث صب جل تركيزه  على الالتزام المتذبذب بتطوير علاقة سيئة بين حماس والأردن لحساب إسرائيل التي صرح انه يتفهم معاناتها و يقدر علاقاتها مع الأردن.
واقصد ان الدكتور جواد العناني تمادى واعلن للقناة العبرية “كما طلب منه، و هذا ليس محك شك”، و ليس وحيا من خياله،  ان الأردن لن يلغي معاهده وادي عربه، مع العلم الساحة الشعبية تنادي بذلك وأكثر من مره طالب أعضاء البرلمان الأردني بإلغاء معاهده وادي عربه. تلك المعاهدة التي شكلت شرخا في الشارع الأردني الوطني الحر والموقعة 1994،  و التي هي نقطة تحول مهمة في العلاقات الرسمية الأردنية الإسرائيلية؛ ومع ذلك، لا تزال قضية مثيرة للجدل للغاية، مرفوضة بين الأردنيين الذين ينظرون إليها على أنها حل تعدى على سيادتهم الوطنية، ووسيلة لإسناد الكيان الغاصب و تصفية وإخلال بالحل الشامل للقضية الفلسطينية واعتراف بإسرائيل دولة مجاورة، وبحدود مغتصبة من أراض فلسطين.
من رؤية جواد العناني، والساعي الدائم لتبوء مركز رئيس وزراء الأردن باي ثمن، وهو الذي صرح مرارا “إن طالب الولاية لا يولى” يطبقها على غيره نعم ولكن علي نفسه لا بل يسمح له أن يولى ونص، وتحت دعواته المشبوهة للتميز التنافسي للفلسطينيين في الأردن بحجة حقوقهم منقوصة، وهم الذي بعض منهم أكلوا ولازالوا يأكلون من صينية الحقوق الأردنية و لم يشبعوا بعد، وهي حقوق سلبت من أصحاب الارض في المناصب العليا وغيرها من الأمور، وذلك من خلال استبدال أبناء العشائر وأصحاب الأرض ممن بايعوا الهاشميين ملوكا، استبدالهم بفلسطينيين مفترض أنهم ضيوفا حتى تحرير وطنهم، لاجئين متواجدين علي تراب الأردن الطاهر، ولكنه يرى غير ذلك.
وهذا يؤكد أولا المساهمة في جرم مشروع الوطن البديل القائم والذي يتم توسعته ، وثانيا يوحي بعدم الاهتمام بالمجتمع الأردني المحيط و المضيف لهم، و يسير في ركب النهج الصهيوني، وألذى يسعى لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وعلي انهاء الملكية الهاشمية، وهو مرفوض كليا ولا مجال للتفاوض حوله او مجرد الاقتراب منه.
لقاء العناني المتهافت والباحث عن الأضواء علي شاشات العدو الصهيوني، هو لقاء خاطئ وغير عاقل يخدم مصالح إسرائيل  وأثارت إعلانات جواد العناني الأخيرة، وضمن أوكازيون التنازلات التي تقدم للكيان الصهيوني، ولا سيما إصراره على أن الأردن لن يلغي معاهدة وادي عربة، استياء كبير.
هذا وينظر الكثيرون إلى مثل هذه التصريحات على أنها خيانة للاردن قبل ان تكون خيانة للقضية الفلسطينية، مما يعكس ان العناني يمثل اتجاها أوسع بين بعض النخب الأردنية الحاكمة لإعطاء الأولوية للعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل على حساب المشاعر الوطنية الاردنية. ويجادل النقاد بأن علاقات العناني الوثيقة مع إسرائيل وتوافقه الواضح مع المصالح الصهيونية تقوض التطلعات الجماعية للمواطنين الشرفاء الأردنيين.
  ويأتي ذلك دون أي مراعاه للمشاعر العربية وفي زمن قتلت إسرائيل اكثر من 40 الف فلسطينيا، من بينهم اكثر من 12 الف قاصر، وهنالك 70 الف جريح و10 الاف في عداد المفقودين، وبإجمالي يقارب من 120 الف ضحية منذ بدء حرب الصهاينة و بتأييد شركائهم من بعض دول رجعية عربية الاسم صهيونية الهوى. ولم يكتفوا بذلك بل قتلت إسرائيل 85 صحفيا واكثر من 140 من عمال الإغاثة التابعين لوكالة الأونروا.
والتساؤل يمثل من العناني “ابن رحم وادي عربه”؟ وباسم من يتحدث هل هم أهل محافظة الخليل الباسلة ام جموع الأردنيين الرافضين لكل ما يقوم به الكيان الغاصب ويقف مع الحق الفلسطيني في خندقا واحدا؟ وما قيمته؟ وما الذي يدعو له ويقصده  د. جواد العناني عندما حدد أربع نقاط :
الأولى: انه يتفهم ما تمر به إسرائيل و يروج لعلاقات مع الكيان الغاصب و يدعى ان الأردن لن يلغي معاهده وادي عربه، بينما الحقيقة هناك توجه لإلغائها و سبق الحديث عن ذلك في مجالس برلمانية أردنية مختلفة و خصوصا كلما طرح انهاء الحكم الهاشمي و إقامة النظام البديل في الأردن.
ثانيا: ان قلوب الأردنيين مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين، والحقيقة عكس ما ادلى به حيث ان قلوب الاردنيين مع الشعب الفلسطيني المقهور والذي ارضه مغتصبة و يقتل يوميا برصاص المحتل فيما يستمر الدعم العسكري و جسور إيصال الطعام و الامداد للجيش الإسرائيلي.
ثالثا: الدعوة الى سلام دافئ  شعبي بين الكيان الغاصب والأردن، والذي لم يحدث منذ  اكثر من 47 عام على توقيع كامب ديفيد في 17 سبتمبر (أيلول)  1978 ، بين الشعب المصري الوطني و الكيان الغاصب، و لم يحدث منذ 31 عاما عند توقيع معاهده وادي عربه في 26 أكتوبر 1994 بين الشعب الأردني الوطني و الكيان الغاصب.
رابعا: ان تلقـي حماس بسلاحها و تتحول الى المدنية و تبتعد عن المشاركة في الحياة السياسية، ويتغاضى عن قصد الاعتراف بان حماس  – بغض النظر كيف أتت و كيف تحولت الي قوة مقاومة قدمت الشهداء – هي جزء لا يتجزأ  من النسيج الفلسطيني الحر والشريف؟ و أحيت القضية الفلسطينية عالميا و أشعلت من جديد روح المقاومة و كشفت خيانات بعض حكام العرب، وهذا الطلب المقترح من العناني لا يفسر إلا يكوّنه خيانة  لصالح محتل لا يعرف السلام.
واضيف هنا أن قوبلت نداءات العناني من أجل “سلام شعبي دافئ” مع إسرائيل بالتشكك والمقاومة. وتشير السوابق التاريخية إلى أن هذه المداخلات فشلت في تحقيق سلام حقيقي وكثيرا ما أدت إلى مزيد من تهميش الشعب الفلسطيني. ينظر الكثيرون إلى اقتراحه بأن حماس يجب أن تنزع سلاحها وتفك الارتباط بدورها في المقاومة على أنه خطأ عميق يخدم فقط الكيان الغاصب، ويقوض التضحيات التي قدمها الفلسطينيون ويهمل تعقيد كفاحهم من أجل الحقوق والاعتراف بها.
في الختام وفي منطقة تعاني من الاضطرابات وعدم اليقين، يجب أن يتردد صدى أصوات الشعب الأردني بقوة، وأن الأردن للأردنيين، لا يمثلهم العناني بكل ما حمله من القاب ومناصب، لا هو ولا غيره من الفلسطينيين. إن تطلعاتهم في العدالة والمساءلة والتضامن مع القضية الفلسطينية تتجاوز مجرد المطالب السياسية؛ فهي أساسية لهوية الأردن الوطنية كأمة. مع استمرار تطور المشهد السياسي، سيكون الالتزام الثابت بهذه المبادئ حاسما في تحديد المسار المستقبلي للأردن وعلاقته بفلسطين.

كاتب اردني
[email protected]