علي أحمد محمد المقدشي: من سواحل مقديشو إلى موانئ الخليج: نظرة الصوماليين إلى الوجود العربي.

علي أحمد محمد المقدشي
ترتبط الصومال بالعالم العربي بروابط تاريخية عميقة، شكّلت عبر الزمن مزيجًا من الأخوّة والتكافل، لكنها لم تخلُ من محطات مؤلمة دفع فيها الشعب الصومالي المسلم أثمانًا باهظة نتيجة تدخلات ومطامع توسعية من بعض الأشقاء.
وقد برز الحضور العربي بوضوح في المشهد الصومالي مع اتساع نفوذ سلطنة عُمان في شرق إفريقيا بعد تراجع السيطرة البرتغالية؛ إذ خضعت مدنٌ ساحلية عديدة في جنوب الصومال للهيمنة العُمانية، من خلال تدخلات عسكرية مباشرة أو عبر تحالفات محلية عزّزت هذا النفوذ على حساب سلطنة مقديشو (كما في هوبيو وعدلي ومقديشو)، وعلى حساب الإمارة الإسلامية في بارطيري، وحتى في مواجهة عشائر الدَّر في مدينة مركا.
وتفاقم هذا التداخل حين أبرمت السلطنة العُمانية تفاهمات مع القوى الاستعمارية الأوروبية، لا سيّما بريطانيا، لتقاسم النفوذ قبل أفول سلطانها في أواخر القرن التاسع عشر. وقد أفضت تلك التفاهمات لاحقًا إلى تسليم عدد من المدن الساحلية – وفي مقدمتها مقديشو – إلى المستعمر الأوروبي بثمن بخس، سهّلته – للأسف – بعض العناصر العُمانية المتبقية بدافع مصالح آنية، فمهّد ذلك لمرحلة جديدة من الاحتلال الأوروبي المباشر، امتدت حتى نيل البلاد استقلالها.
ورغم تراجع النفوذ العربي المباشر لاحقًا، فإنه لم يتلاشَ تمامًا، بل أعاد تموضعه في العقود الأخيرة تحت شعارات الاستثمار والتنمية، خصوصًا من خلال الحضور الخليجي. غير أن هذا الحضور لم يكن خاليًا من التبعات؛ إذ كثيرًا ما جلب معه صراعات وخلافات إقليمية مستوردة، وعلى رأسها النزاع بين قطر والإمارات، الذي انعكس سلبًا على الداخل الصومالي، وأعاد تغذية الانقسامات في بلد لم يتعافَ بعد من آثار الحرب الأهلية، ويكافح من أجل المصالحة الوطنية وبناء مؤسسات الدولة.
إن تحويل الصومال إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، أو زجّه في محاور لا تعنيه، يتنافى مع جوهر الأخوّة الإسلامية، ويتعارض مع مبادئ السيادة والاحترام المتبادل. كما أن استخدام أراضيه – أحيانًا – للإضرار بدول عربية شقيقة، كما حدث مؤخرًا تجاه السودان، في ظل غياب موقف واضح من الحكومة الصومالية، يثير تساؤلات مشروعة حول المسؤولية الوطنية والالتزام الأخلاقي.
الصومال اليوم لا يحتاج من أشقائه تصدير أزماتهم، بل ينتظر دعمًا صادقًا يعينه على ترميم دولته، وبناء مؤسساته، وتحقيق تطلعات شعبه إلى الأمن والكرامة. وإن كان من حضور عربي، فليكن حضورًا موحِّدًا، لا مفرِّقًا، قائمًا على الاحترام المتبادل، ومساندًا لخيار الصوماليين، لا وصيًا عليهم ولا تابعًا لأجندات خارجية.
إن الصومال، خلافًا للصورة النمطية التي تروّج لها بعض وسائل الإعلام، ليس بلدًا يُختصر في المجاعة والفقر، بل وطن زاخر بالثروات الطبيعية: من النفط والغاز والمعادن النادرة، إلى ثروة حيوانية هائلة وأراضٍ زراعية خصبة. كما يمتلك أطول شريط ساحلي في إفريقيا، يمنحه موقعًا جيوسياسيًا فريدًا عند ملتقى البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وقد جعل هذا الموقع الاستراتيجي من سواحل الصومال – وعلى رأسها مقديشو، وبوصاصو، وبربرة، وزيلع – خط الدفاع الأول عن الممرات البحرية الحيوية الممتدة من جنوب الجزيرة العربية. وبهذا الدور المحوري، نعِم العرب، خصوصًا في الجزيرة، بالأمن البحري والاستقرار التجاري لعقود، في ظل حماية هذا الشعب المسلم، الذي حافظ – رغم كل الظروف – على وُدٍّ عميق، وارتباط وجداني قوي بالأمة العربية.
لقد دفع الصوماليون ثمنًا باهظًا لحماية سواحلهم، في مواجهة أطماع متكررة من قوى الحبشة المسيحية، بدءًا من الصراعات تحت رايات ممالك الطراز الإسلامي، مرورًا بالحروب التي شنتها الحبشة بتحالف مع قوى أوروبية – بيرنطية قديما ثم برتغالية وبريطانية – لبلوغ البحر وقطع شرايين الوصل بين جناحي العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا.
وفي الختام، فإن هذه الكلمات لا تُقال من باب التذمّر أو التقريع، بل تنبع من محبة خالصة، ونَفَسٍ صادق يدعو إلى نهضة مشتركة قوامها المكاشفة والاحترام، لا الاستعلاء أو التدخل. فالصومال ليس عبئًا على أمته، بل فرصة واعدة تنبض بالإمكانات، وإن أُحسن فهمها واستثمارها بروح الشراكة والكرامة، أمكن لها أن تساهم في بناء مستقبل عربي وإسلامي أكثر توازنًا وعدلًا وإنصافًا.
كاتب صومالي