الدكتور بهيج سكاكيني: تحققوا من الحقائق والبيانات ولا تدعوا عواطفكم تسيطر عليكم فتخطئوا في التوجيه.

الدكتور بهيج سكاكيني
هنالك من يعتقد ان الكيان الصهيوني بصدد التمدد في الشرق الأوسط وتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” وهذا الاعتقاد لا شك انه نابع من التصريحات التي تصدر عن نتنياهو والوزراء الذين ينتمون الى التيار الديني التوراتي الصهيوني مثل بن غفير وسموتريتش الى جانب قيادات المستوطنين وبعض القيادات في الجيش التي توعدت وتتوعد بتدمير غزة بالكامل والعمل على تهجير أهلنا باستخدام القوة المفرطة وحرب إبادة جماعية للبشر والحجر كما بقولون. الى التهديدات التي تصدر من نتنياهو بان إسرائيل ستقضي على كل من يحاربها أو المساس بأمنها وأن باستطاعتها الوصول اليه مهما كانت المسافات …الخ والتي بمجملها قد تقنع الانسان العادي بالتفوق الإسرائيلي وتقبل ثقافة الهزيمة والإحباط والانزواء جانبا مرددا “لا حول لنا ولا قوة”. هذا ما يمكن التوصل اليه إذا لم ندقق الا على الشكل ونحن نرى ان جيش الكيان يسرح ويمرح في المنطقة دون رادع.
ولكن دعونا ننظر الى الوقائع والمعطيات على الأرض.
لننطلق من غزة ونطرح السؤال او بالأحرى الأسئلة التالية. هل تمكن الجيش الإسرائيلي بتحقيق الأهداف التي رسمها بعد السابع من أكتوبر عام 2023؟ الإجابة الدقيقة ستكون لا. بالرغم من الحرب الوحشية غير المتكافئة لم يستطيع للان تحقيق أي هدف من أهدافه. في غزة لوحدها دمر أكثر من ثلث الياته ومعداته العسكرية وخاصة دبابات المير كافا فخر الصناعات الإسرائيلي كما وفرغ مخزون الصواريخ والقذائف التي لديه مما اضطره لاستخدام قذائف مخزونة منذ خمسينات القرن الماضي ولولا الجسر الجوي والبحري اليومي الذي يصل اليه من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لما استطاع ان يستمر في حربه يوما إضافيا واحدا وهذه حقيقة يصرح بها كبار الضباط العسكريين. كل الطائرات والقذائف والصواريخ والمعدات العسكرية التي يستخدمها هي أمريكية. لقد أعاد احتلال غزة ومخيماتها ومدنها ما يقرب من أربع مرات وربما أكثر وكل مرة يقول تم القضاء على المقاومة ليعود ويبلع كلماته ويعاود الاحتلال مرة أخرى وهكذا دواليك. والسؤال هل يمكن لهذا الجيش ان يقوم باحتلال الأراضي التي يقول عنها انها ضمن “إسرائيل الكبرى” والبقاء فيها؟ هل تمكن المستوطنين من العودة الى مستوطنات غلاف غزة لماذا لم يعودوا للان؟ وهل توقفت صواريخ المقاومة كلية من الانطلاق من غزة الى داخل الكيان الصهيوني ومستوطنات غلاف غزة؟
وما يقال عن غزة يقال عن اليمن وهنالك حتى بوجود الدعم الأمريكي والبريطاني والدخول في الحرب مباشرة لحماية الكيان لم تستطيع هذه الدول هزيمة اليمن بحرب الاسناد مع غزة وما زالت الصواريخ الباليستية تضرب في عمق فلسطين المحتلة. وكل التهديدات الإسرائيلية والقصف الجوي لليمن لم تنجح في هزيمة اليمن او ثنيه عن اسناد أهلنا في غزة. ومع انسحاب حاملات الطائرات الامريكية ضمن الاتفاق الذي رعته عمان ترك الكيان يحارب اليمن لوحده، ولكن قدرته هنا محدودة. ستبقى صواريخ اليمن ومسيراته تؤرق الكيان وستبقى هرولة الملايين من مستوطنيه الى الملاجئ شبه يومية وستبقى مطاراته وموانئه مهددة ما لم يتم توقف حرب الإبادة على غزة وهذه حقيقة قائمة لليوم.
على الجبهة اللبنانية لم يحقق الجيش الإسرائيلي اية إنجازات على الأرض نتيجة تصدي المقاومة اللبنانية قبل وقف إطلاق النار وقبول المقاومة باتفاق 1701. وتم وقف إطلاق النار بطلب من الكيان الصهيوني وبإدارة أمريكية التي رات الخطر الوجودي على الكيان. كل الإنجازات التي حققها على هذه الجبهة حققها بعد التزام المقاومة بالاتفاق وتوكيل الدولة اللبنانية والجيش اللبناني بمسؤولية التصدي للعربدة الإسرائيلية والتي لم تعط اية نتيجة للان ولا نرى ان منحى الدبلوماسية التي تنتهجها القيادة اللبنانية سيأتي بأية نتيجة فالكيان الصهيوني لم يلتزم ولن يلتزم باي اتفاقية في تاريخه الاجرامي هذا الى جانب الدعم اللامتناهي من قبل أمريكا التي تلعب زورا بدور الوسيط. والكل مجمع على ان لبنان أصبح تحت الانتداب الأمريكي واما فرنسا التي يعتمد عليها لبنان فلا حول لها ولا قوة ووضعت على الرف من قبل الأمريكي. الحقيقة ان الجيش الإسرائيلي يعربد ويسرح ويمرح في الأراضي اللبنانية لعدم وجود قوة تتصدى له. بمعنى انه لا يحارب الان وعندما دخل الحرب مع المقاومة فشل في تحقيق أي إنجاز على الأرض ولم يتمكن من السيطرة والبقاء ولو على بضعة أمتار داخل الأراضي اللبنانية. وللتذكير للان لم يعودا المستوطنين الى بيوتهم في شمال فلسطين لأنهم ببساطة لم يعودوا ان يثقوا بهذا الجيش “الذي لا يقهر” وحتى مع كل الاغراءات المادية التي قدمتها لهم الحكومة.
وإذا ما انتقلنا الى سوريا فإن احتلاله الجولان وجبل الشيخ والتمدد بفرض سيطرته على درعا والقنيطرة والسويداء لم تكن نتيجة حرب هزم فيها الطرف الاخر. فالحكم الجديد في سوريا لم يقاتل هذا العدوان والاحتلال ولم بنبس ببنت شفة على هذا الاحتلال وترك الطائرات الإسرائيلية لأسابيع بعد سقوط النظام السوري لتدمر كل مقدرات الجيش العربي السوري من طائرات ومطارات عسكرية ودبابات ومعسكرات ومحطات رادارات…الخ وذلك لأنه سرح كل الجيش السوري بجنوده وضباطه ولم يجد جيش الاحتلال قوة تتصدى له. فهل ما تم إنجازه من الكيان كان نابعا من خوض حرب مع جيش آخر أم كان تقدمه واحتلاله شبيهة بنزهة لان الحكم الجديد أعلنها بملء الفم انه لا يريد ان يقاتل إسرائيل ولن يسمح باستخدام الأراضي السورية للقيام بعمليات ضد إسرائيل؟
لا اريد ان اطيل، ولكن نقطة أخيرة جوهرية هنا يجب التركيز عليها في النهاية. حتى يستطيع هذا الكيان ان يتمدد جغرافيا ويحتل ويبقي على احتلال الأراضي التي يحلم بها في لبنان وسوريا والأردن والعراق والسعودية يجب ان يمتلك جيشا قوامه لا يقل عن 300000 مقاتل ربما متواجدين بشكل دائم وعدم الاعتماد على الاحتياط. هذا عدا عن ضرورة تغيير الواقع الديمغرافي لهذه المناطق بزرع مئات الالاف من المستوطنين. وفي ظل الازمة البنيوية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الهوية التي يعيشها الكيان داخليا الى جانب عدم الشعور بالأمن والاستقرار الذي حدا بأعداد كبيرة للهجرة العكسية الى الخارج لا يمكنه تحقيق ذلك.
هذا الكيان الذي اثبتت الوقائع على الأرض انه غير قادر على الحياة والدفاع عن نفسه في الرقعة الجغرافية التي وهبت له من فلسطين التاريخية دون الولايات المتحدة على وجه التحديد كيف يمكن له احتلال الأراضي التي يحلم بها ويدافع عنها لوحده؟ نتنياهو وزمرته الفاشية يستطيعوا ان يصرحوا بما يشاؤون لجبهتهم الداخلية المنهارة والمتفسخة، ولكن شتان ما بين التصريحات الفاشلة والعمل على الأرض.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني