ما تينغ: التبادل الحضاري وتشكيل الصورة الصينية: القيمة الاستراتيجية للتبادلات الثقافية الصينية العربية في سياق مبادرة “الحزام والطريق”

ما تينغ: التبادل الحضاري وتشكيل الصورة الصينية: القيمة الاستراتيجية للتبادلات الثقافية الصينية العربية في سياق مبادرة “الحزام والطريق”

ما تينغ
في إطار التقدم المستمر لمبادرة “الحزام والطريق”، تقوم الصين والدول العربية باستخدام التبادل الحضاري كوسيلة لتعزيز الروابط بينهما، وتعمل من خلال الأنشطة الثقافية المتنوعة على تشكيل صورة دولة كبرى مسؤولة. كما تساهم في تعزيز الحوكمة العالمية من خلال نموذج التعاون القائم على “التناغم في التنوع”، مما يبرز الثقافة كعنصر رئيسي في تعزيز الحوار الحضاري والتعايش المشترك.

أولًا: الممارسات متعددة الأبعاد للتبادلات الثقافية الصينية العربية وبناء الصورة
قدمت مبادرة “الحزام والطريق” أبعادًا تاريخية جديدة للحوار الحضاري بين الصين والدول العربية. من خلال مسارات متعددة مثل الآليات السياسية، والنشر الفني، والتعاون التعليمي، والتفاعلات الشعبية، قامت الصين والدول العربية بتشكيل نموذج تعاون قائم على “بناء الطريق بالقلوب عبر الثقافة”، مما أسهم بشكل منهجي في بناء صورة دولية منفتحة وشاملة تسعى لتحقيق السلام والتنمية.
على المستوى السياسي، أسس منتدى التعاون الصيني العربي نظامًا متكاملًا يشمل “التصميم الاستراتيجي – تنفيذ المشاريع – تقييم النتائج”. يشمل “العام الثقافي الصيني السعودي” الذي سيُطلق في 2025 أكثر من 200 فعالية تشمل التعاون في مجال الآثار، عروض التراث غير المادي، ومسابقات الابتكار للشباب. سيتم لأول مرة عرض تماثيل خزفية صينية من عهد أسرة تانغ ومخطوطات عربية قديمة في المتحف الوطني السعودي، ليشكلوا معًا سردًا بصريًا لحوار حضاري يمتد عبر ألف عام. وقعت الصين مع 22 دولة عربية “مذكرة تفاهم للتعاون الثقافي”، كما تم إنشاء “صندوق الحماية المشتركة للتراث الثقافي الصيني العربي”، وتنفيذ مشاريع مشتركة مثل ترميم مكتبة الإسكندرية، والتقديم المشترك لتراث “طريق الحرير البحري” بين مدينة تشيوانتشو في الصين وعُمان، مما يعكس المسؤولية المشتركة في الحفاظ على التراث الثقافي.
أصبح التبادل الفني جسرًا للتواصل العاطفي. استضاف معرض “فنون طريق الحرير” أكثر من 170 فنانًا عربيًا في الصين، مع 487 عملًا فنيًا دائمًا في المتحف الوطني الصيني للفنون. لوحة “الصحراء والنهر الأصفر” للفنان المغربي عبد الله التي دمجت بين الأنماط الهندسية العربية وجماليات الحبر الصيني، أصبحت رمزًا للتبادل الفني المتبادل. في مجال الإعلام، حقق المسلسل العربي “عاطفة الجبل والبحر” بثًا ناجحًا على قنوات مثل MBC السعودية والنيل المصرية، حيث قصة تنمية بلدة “مينينغ” أثارت صدى ثقافي مع أكثر من 100 ألف تعليق للحلقة الواحدة، مع تعليقات مثل “روح الكفاح في الريف الصيني تُظهر لنا إمكانيات التنمية”. وثائقي “عندما يلتقي الفراعنة بسانشينغدوي” المُنتج مشتركًا أعاد بناء حوار الحضارات عبر تقنية 3D، وحقق نسبة مشاهدة 2.3% في الشرق الأوسط، ووصفته جريدة الأهرام المصرية بأنه “أفضل ممارسة لفك شيفرة الصورة الوطنية عبر الثقافة”.
يعزز التعاون التعليمي أساس “التواصل بين الشعوب”. انتشر تعليم اللغة الصينية في العالم العربي بشكل سريع، حيث أدرجت الإمارات العربية المتحدة اللغة الصينية في مناهج 158 مدرسة حكومية، وأعلنت السعودية عن جعل اللغة الصينية مادة إجبارية في المدارس الثانوية ابتداءً من عام 2025. وصلت نسبة توظيف خريجي قسم اللغة الصينية بجامعة عين شمس في مصر إلى 98%، ليصبحوا من الكفاءات المطلوبة لدى الشركات الصينية. أصبحت معاهد كونفوشيوس مراكز رئيسية للنشر الثقافي، حيث قامت 20 معهدًا في 13 دولة عربية بتدريب أكثر من 2000 معلم صيني محلي، وغطت مسابقة “جسر اللغة الصينية” أكثر من 50 ألف شاب عربي. فازت التونسية ماريان بالبطولة العالمية بعد أداء عبارة “لا تفعل للآخرين ما لا تريد أن يفعلوه بك” من “الكتاب المقدس” باللغة العربية، وتم إدراج قصتها في المناهج المحلية. يختار برنامج “سفراء الصداقة الصينيين العرب” 100 طالب عربي سنويًا للمشاركة في أبحاث التنمية الريفية وممارسات الابتكار التكنولوجي في الصين، حيث أصبح 92% من المشاركين “مروّجين تطوعيين للثقافة الصينية” بعد العودة. أسس الشاب المصري أحمد “زاوية اللغة الصينية بالقاهرة” التي جذبت أكثر من 3000 مهتم.
أطلق الاندماج الشعبي والصناعي طاقة ثقافية داخلية. جمعت “قاعدة التجارة الثقافية الصينية العربية” في نينغشيا أكثر من 120 شركة ثقافية، حيث صدرت أكثر من 30 مليون نسخة من الرسوم المتحركة والكتب الرقمية العربية عام 2024. تجاوزت قناة “مسرح هوا” لشركة هواتشي على يوتيوب 5 ملايين مشترك، حيث أثار مسلسل “باسم العائلة” القيم الأسرية الصينية تفاعلًا عربيًا مع مفهوم “الأسرة المتناغمة أساس الازدهار”. على المستوى المجتمعي، أنشأ فنانون صينيون “ورش المينا المزخرفة” في تونس والأردن لتدريب الحرفيين المحليين على دمج تقنيات المينا الصينية مع الزخارف الهندسية العربية، مع تصدير المنتجات إلى الأسواق الأوروبية. يستقبل “المركز الثقافي الصيني بدبي” 200 فعالية سنويًا من معابد الربيع إلى العيادات الطبية الصينية، مغطيًا جماهير 15 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليصبح محطة ثقافية “ملموسة وواضحة”.

ثانيًا: إلهام التبادلات الثقافية الصينية العربية في الحوكمة العالمية
لا تقتصر التبادلات الثقافية الصينية العربية على علاقة ثنائية فحسب، بل أصبحت نموذجًا عالميًا يساهم في كسر “نظرية صراع الحضارات” وبناء علاقات دولية جديدة، مما يبرز القيمة الاستراتيجية للصين كـ”قوة مستقرة ومُحسنة”.
على المستوى النظري، أثبت الطرفان من خلال ممارساتهما إمكانية تعايش الحضارات المتعددة وازدهارها المشترك. عبر مشاريع مثل “برنامج إقامة الفنانين العرب” و”إدخال التراث الصيني غير المادي إلى المدارس”، شكل الجانبان مسارًا تقدميًا من “إدراك الاختلاف – حوار الفهم – صدى القيم”. أشار الباحث المصري نافي زيلاني إلى أن “كل من الحضارتين الصينية والعربية تحترمان فكرة ‘الوسطية’، وهذا التشابه الثقافي يتجسد عبر المعارض الفنية والندوات الأكاديمية، مما يدحض ‘نظرية تفوق الحضارات’”. في “ندوة الحوار الفلسفي الصيني العربي” التي عُقدت بالقاهرة عام 2025، أصدر الباحثون من الجانبين “إعلان القاهرة للتبادل الحضاري” الذي دعا إلى “استبدال التنوع الثقافي بصراع الحضارات”، ليصبح هذا الإعلان إجماعًا مهمًا في الحوكمة العالمية.
على المستوى العملي، أصبح التبادل الثقافي “مزلقًا للتعاون الاقتصادي” و”منطقة عازلة للتعاون الأمني”. تشير البيانات الاقتصادية إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري الصيني العربي من 240 مليار دولار في عام 2013 إلى 420 مليار دولار في عام 2024، مع زيادة حصة الصادرات الثقافية من 3% إلى 8%. دخلت منتجات مثل توت نينغشيا الصيني وعطور العرب إلى الأسواق المتبادلة عبر نموذج “الثقافة + التجارة الإلكترونية”.
في المجال الأمني، وتحت إطار منتدى مكافحة الإرهاب الصيني العربي، أنتج الجانبان فيلمًا كرتونيًا توعويًا بعنوان “ابتعد عن التطرف”، يدمج بين مفهوم الصين “التناغم أغلى” ونهج العرب “التسامح”. حقق الفيلم أكثر من 200 مليون مشاهدة على وسائل التواصل الاجتماعي في الشرق الأوسط، مما ساهم في مواجهة الروايات المتطرفة بشكل فعال. عبر الشاب السعودي محمد، بعد مشاركته في “برنامج قادة الشباب الصيني العربي”: “أراني التبادل الثقافي أن التنمية يمكن أن تحل محل المواجهة، والتعاون يتجاوز الخلافات”.
قدمت الصين من خلال التعاون الصيني العربي “حلول الحوكمة الثقافية” التي توفر نموذجًا جديدًا للعالم. تحولت “مبادرة الحضارة العالمية” إلى إجراءات ملموسة: أنشأت نينغشيا “منصة مشاركة موارد الصناعة الثقافية الرقمية الصينية العربية”، مستخدمة تقنية البلوك تشين لحماية حقوق الملكية الرقمية للآثار، مع نظام الترجمة بالذكاء الاصطناعي الذي يغطي 5 ملايين مجلد من الكتب الصينية والعربية. أدخل “معسكر ريادة الأعمال للشباب الصيني العربي” خبرات الاقتصاد الرقمي الصيني، وساعد الشباب العربي في تطوير “منصات تجارة إلكترونية ثنائية اللغة” و”تطبيقات السياحة الثقافية”، حيث احتضن 87 مشروعًا رياديًا وخلق أكثر من 3000 فرصة عمل. يميز هذا التعاون الثقافي “ذو التوجه التنموي” نفسه جوهريًا عن “المواجهة الأيديولوجية”.

ثالثًا: المسار المستقبلي: بناء مجتمع ثقافي مرن
في مواجهة التحولات العالمية، تحتاج الصين والدول العربية إلى بناء نظام تعاون ثقافي قادر على مواجهة التحديات عبر التوجه نحو المؤسسية والابتكار والشمولية.
– تعميق التعاون المؤسسي وتدعيم الأسس النظامية
سيتم ترقية القسم الثقافي في منتدى التعاون الصيني العربي إلى “منظمة الحوار الحضاري الصيني العربي”، مع إنشاء صندوق خاص لدعم ثلاثة مشاريع رئيسية: حماية التراث الثقافي، تبادل مراكز الفكر، وتدريب قادة الشباب. كما سيتم تعزيز تنفيذ “خطة التعاون الثقافي الصيني العربي العشرية (2026-2035)”.
سيتم إنشاء “مركز البيانات الكبرى للثقافة الصينية العربية” لدمج متاحف ومكتبات وقواعد بيانات التراث غير المادي لـ17 دولة، بالإضافة إلى تطوير معرض رقمي بعنوان “طريق الحرير الافتراضي” لتحقيق المشاركة العابرة للحدود للموارد الثقافية.
سيتم تعزيز آليات التعاون التعليمي، وتوسيع نطاق “منحة طريق الحرير” لتقديم 5000 منحة دراسية كاملة سنويًا للدول العربية بدءًا من عام 2026، مع تركيز الدعم على مجالات الدراسات الثقافية والإبداع الفني.
– ابتكار نماذج التبادل الشعبي وتحفيز الطاقة المجتمعية
سيتم تعميم “خطة توأمة 100 مدينة و100 مدرسة”، وإقامة علاقات “مدن شقيقة ثقافية” بين شيآن الصينية والأقصر المصرية، ونينغشيا والمدينة المنورة السعودية، مع تنفيذ مشاريع مثل تبادل العائلات وورش الحرف المشتركة، بهدف تشكيل 100 رابط تبادل شعبي خلال 5 سنوات.
كما سيتم دعم الشركات لتطوير “منتجات سياحية ثقافية غامرة” مثل “رحلة بحرية على خطوط تشنغ خه” و”مخيم استكشاف حضارات دونهوانغ-فارس”، التي تدمج بين البحث الأثري والتجارب الشعبية والتسوق التراثي، مع توقع جذب مليون سائح بحلول عام 2030.
سيتم استخدام منصات التواصل الاجتماعي لإطلاق أنشطة مثل “تحدي الثقافة الصينية العربية” و”قصتي على طريق الحرير”، لتشجيع العامة على أن يصبحوا “سفراء ثقافيين مصغرين”، وبناء شبكة اتصال ثلاثية الأبعاد “توجيه رسمي – تشغيل مؤسسي – مشاركة شعبية”.
– مواجهة تحديات “نزع العولمة” وتعزيز القيادة القيمية
سيتم التعاون مع الاتحاد الأوروبي وآسيان وغيرها من الجهات لبناء “تحالف التنوع الثقافي العالمي”، وإصدار “إعلان المساواة في السيادة الثقافية”، ومقاومة سياسات الحصار الثقافي الأحادية، وتعزيز إنشاء “صندوق ثقة للحوار الحضاري” تحت مظلة الأمم المتحدة.
سيتم الاعتماد على منصات مثل معرض الصين العربي ومنتدى بواو الآسيوي لإصدار “تقرير التنمية الثقافية العالمية” بشكل دوري، لعرض الممارسات الابتكارية الصينية العربية في مجالات حماية التراث غير المادي والثقافة الرقمية، وتشكيل نموذج “التعاون الثقافي التنموي”.
سيتم تعزيز مرونة سلاسل إمداد الصناعات الثقافية عبر إنشاء “محطات نقل للتجارة الثقافية الصينية العربية” في دبي والقاهرة، لتقليل تدخل الجغرافيا السياسية في تدفق المنتجات الثقافية، وضمان سلاسة قنوات تجارة الكتب والأفلام والأعمال الفنية.

خاتمة
تمثل الممارسات العشرية للتبادل الثقافي الصيني العربي نموذجًا للتعايش “ببناء الطريق بالقلوب من خلال الثقافة”. تستخدم الصين والدول العربية مبادرة “الحزام والطريق” كرابط لرسم رؤية مشتركة تتجاوز الاختلافات بلمسات ثقافية دقيقة. من التناغم بين جداريات دونهوانغ والزخارف العربية، إلى أصوات الدراسة في فصول اللغة الصينية وزوايا العربية، وصولًا إلى الصدى الثقافي على المنصات الرقمية، لم تشكل هذه الممارسات صورة الصين كـ”شريك تنموي سلمي” فحسب، بل أثبتت أيضًا: أن الانفتاح والشمولية وحدهما قادران على حل أزمات العصر، وأن التبادل الحضاري وحده يبني الوطن الروحي المشترك للإنسانية. في زمن الاضطرابات والتحولات، سيستمر التعمق المستمر للتعاون الثقافي الصيني العربي في تقديم “حلول تناغمية في التنوع” للعالم، جاعلًا من الثقافة شعلة مشتركة تنير مستقبل البشرية.
باحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة صن يات سين