الجولة الخامسة من المحادثات والانقلاب الأمريكي على الاتفاق الإطاري

الدكتور جلال جراغي
عُقدت الجولة الخامسة من المفاوضات النووية غير المباشرة بين الوفدين الإيراني والأمريكي بوساطة وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، أمس الجمعة (2 مايو/أيار) في العاصمة الإيطالية، روما.
بعد انتهاء المفاوضات، وصف وزير الخارجية الإيراني، رئيس الوفد الإيراني، مفاوضات الجولة الخامسة بأنها كانت واحدة من أكثر الجولات التفاوضية مهنية وتعقيدًا، لافتًا إلى أن الجانب الأمريكي بات لديه فهم أكثر وضوحًا للمواقف الإيرانية، مؤكدًا أن الوفد الإيراني أكد مرة أخرى مواقف ومبادئ إيران بشأن المفاوضات، وهي مواقف واضحة تمامًا ونحن متمسكون بها.
حديث عراقجي يؤشر إلى أن هناك خلافات بين الوفدين الإيراني والأمريكي حول قضية مهمة، ألا وهي قضية تخصيب اليورانيوم، حيث تعتبرها إيران قضية سيادية غير قابلة للتنازل عنها، لأنها تشكل مبدأ من المبادئ الإيرانية في المفاوضات.
كما أشار وزير الخارجية الإيراني إلى أن الجانب الأمريكي لديه الآن فهم أفضل وأوضح لمواقفنا، قائلًا إن وزير خارجية عمان سعى خلال هذه الجولة لطرح حلول لإزالة العقبات القائمة وتحقيق التقدم، وعليه فإن مختلف الأفكار تمت مناقشتها، وكانت لديه مقترحات من المقرر أن تخضع لمزيد من المراجعة من جانب الخبراء من كلا الجانبين، ثم تُنقل إلى العواصم، دون خلق أي التزامات على أي من الجانبين في هذا الوقت.
في تسليط الضوء على كلام عراقجي، يجب القول إن جوهر الخلاف بين الجانبين يعود إلى موضوع تخصيب اليورانيوم، الموضوع الذي تعتبره إيران حقًا مكفولًا لها وفقًا للبند الرابع من معاهدة الحد من الانتشار النووي، والذي يعطي الحق لكل الدول الأعضاء في المعاهدة بتخصيب اليورانيوم حتى 90 بالمئة، ما دامت أنشطة الدول سلمية بتأييد وشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبارها المرجعية الرئيسية في هذا الموضوع.
وهذه الوكالة في مختلف التقارير التي أصدرتها أكدت بأن أنشطة إيران النووية لم تنحرف عن مسارها السلمي، كما أن الأجهزة الاستخباراتية الأمنية الأمريكية قبل أشهر أكدت أن الأنشطة النووية الإيرانية سلمية ولم تتجه نحو تطوير سلاح نووي.
تقول إيران إنه بما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجميع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الأمريكية تعتبر بأن إيران لم تنحرف في نشاطاتها النووية إلى تطوير سلاح نووي وجميع نشاطاتها تتم تحت إشراف ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فعلى الولايات المتحدة أن تعترف وتقبل بحق إيران الطبيعي والمكتسب حسب معاهدة الحد من الانتشار النووي، كما اعترفت به في عام 2015 عندما وقّعت الاتفاق النووي المؤيد بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
حسب المعطيات المتوفرة لدى “مركز آفاق للدراسات الإيرانية-العربية”، فإن الولايات المتحدة في الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات وافقت على إطار المفاوضات والخطوط العريضة والعناوين الرئيسية المرسومة بما في ذلك حق إيران في تخصيب اليورانيوم، ولهذا وافقت على انطلاق المفاوضات الفنية والتقنية لمناقشة تفاصيل الأمر، وهذا بحد ذاته يدل على أن الوفد الأمريكي اعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.
ولكن قبل الجولة الثالثة 26 مايو/أيار التي عُقدت في مسقط، التقى وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، رون درمر، ورئيس جهاز الموساد بالوفد الأمريكي ورئيسه، استيف ويتكوف، ونجح الوفد الإسرائيلي قبيل انطلاق المفاوضات في تغيير موقف الوفد الأمريكي من موضوع تخصيب اليورانيوم من خلال معطيات مفبركة حول البرنامج النووي الإيراني، مما يعني أن الوفد الإسرائيلي كان ومازال حاضرا في المفاوضات، على عكس مفاوضات عام 2015 حيث لم تسمح إدارة الرئيس باراك أوباما بمحاولات إسرائيلية للتأثير على مسار المفاوضات.
لكن في هذه المفاوضات، إضافة إلى حضور إسرائيل بشكل أو بآخر في المفاوضات، فإن عددًا من أعضاء الوفد الأمريكي وأعضاء الحكومة الأمريكية مثل وزير الدفاع ووزير الخارجية يأخذون مصالح إسرائيل بعين الاعتبار أكثر من المصالح الأمريكية.
تأثير الوفد الإسرائيلي في الجولة الثالثة أدى إلى تغيير الموقف الأمريكي خلال المفاوضات، حيث انقلب على التفاهم والإطار المبدئي المتفق عليه في الجولتين الأولى والثانية وشدد على ضرورة تفكيك إيران لمنشآت تخصيب اليورانيوم، ما قُوبل برفض إيراني حاسم.
هذا الخلاف أدى إلى وقف المفاوضات، ولكن بعد محاولات عُمانية وتأجيلها لمدة أسبوعين عُقدت الجولة الرابعة في العاصمة العُمانية مسقط، ولكن ظل الخلاف الجوهري حول موضوع تخصيب اليورانيوم على حاله، وجددت إيران تأكيدها على أنها لن تتخلى عن حقها السيادي، معتبرة على لسان المرشد الأعلى الإمام علي خامنئي أن ما يطرحه الأمريكيون حول حق إيران في تخصيب اليورانيوم تخرصات ليس إلا، وعليهم أن يكفوا عن التخرصات والتجاوز عن الحدود، معربًا عن عدم تفاؤله بالمفاوضات، قائلًا بأن المفاوضات تُرجّح ألا تصل إلى نتيجة.
هذا الخلاف الجوهري ظل على حاله في الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة في العاصمة الإيطالية، وكان أبرز ما صدر عنها أن الجانب العُماني كان له مقترحات لتجاوز العقبات، وقبل الوفدان المقترحات ورجعا إلى العواصم لاتخاذ القرار حولها.
النقطة التي يجب تسليط الضوء عليها فيما يتعلق بالمفاوضات هي أن الإدارة الأمريكية خضعت لإملاءات الكيان الإسرائيلي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، خاصة بعد ما قام دونالد ترامب بمجموعة من الخطوات قبل جولته الأخيرة إلى المنطقة، من قبيل اتخاذ القرار بإجراء المفاوضات مع إيران، ما أصدم الكيان الإسرائيلي ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، والقيام بوقف العدوان على اليمن، والتخلي عن إسرائيل، ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، والموافقة الأولية على بيع طائرات إف-35 للسعودية، وإنشاء مفاعلات نووية في السعودية. وهذه الخطوات حيّدت إسرائيل عن القضايا والتطورات الإقليمية، ما أدى إلى فرض ضغوط كبيرة من قبل اللوبي اليهودي على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها في المفاوضات مع إيران.
مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية- العربية