محمد الرصافي المقداد: هل تشكل العلاقة بين إيران وأمريكا وإسرائيل نهاية الطريق؟

محمد الرصافي المقداد
فيما يزداد الضغط الأمريكي الصهيوني المسلط على إيران، بجميع الوسائل المتاحة لهما مستعينان بأقصى أساليب الدهاء والمكر السياسي والإعلامي، على الرغم من أنّ النظام في إيران لم يدّخر جهدا في اظهار مصداقيته وإبراز حسن نواياه، ومع ذلك فإنّ أعداؤه القريبون والبعيدون ماضون قُدُما في التضييق على بلاده، متيقّنين من أنّ ما أبداه الإيرانيون من مرونة في حواراتهم ومفاوضاتهم، هي تعبير صادق عن أفكار دولتهم، ومشاريعها الحاضرة والمستقبلية داخل البلاد خارجها، فهي في وضوحها وجلاء أهدافها فريدة في نظام حكمها.
المفاوضات الغير مباشرة التي انخرطت فيها إيران مع أمريكا على الرغم من شيطنها، هي في حقيقتها زيادة في اظهار حسن نواياها ومصداقيتها بخصوص ملفّها النووي للتأكيد على سِلْمِيّته مجددا، وتأكيد عمليّ موجّه الى شريحة في الداخل الإيراني، ما تزال تأمل خيرا من التواصل مع أمريكا بخصوص هذا الملفّ الاستراتيجي، والنزول بالدبلوماسية الإيرانية إلى هذا المستوى من التمشّي السياسي، هو تأكيد على اظهار أمريكا مجدّدا في وضع الإدانة والاتهام، بدلا من توجيه التّهم الفارغة إلى إيران بشأن برنامجها النووي، على أساس أنّه يحتوي على جانب عسكري.
في عبثية سياسية خبيثة، عاد الرئيس الأمريكي إلى اجترار اتهام إيران من جديد، وعادت لغة تهديدها بضرب منشآتها النووية، وجاء هذا بلسان رئيس حكومة إسرائيل أيضا، على أمل وضْعِها تحت الضغط، واجبارها بالتالي على التنازل، وقبول توسيع شروط المفاوضات، لتبلغ هدف هؤلاء الأعداء، من تقليم أظافر إيران الصاروخية، إلى الحد الذي لا يشكل خطرا على إسرائيل، وكذلك محاولة فرضُ تخفيض في نسبة تخصيب اليورانيوم عليها إلى حدّ أدنى يبعدها من صناعة رؤوس نووية، مع يقين أمريكا وإسرائيل، من انّ إيران لا تسعى لصناعة نووية عسكرية، على أساس مبادئها الإسلامية المحرّمة لهذا السلاح المدمّر للحياة، الذي لا يفرق بين مدني وعسكري.
مفاوضات اعتبرها قائد الثورة الإسلامية الإيرانية
أكد المرشد الايراني علي خامنئي أن المباحثات السابقة مع الولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني لم تحقق نتائج، مشيرا إلى أنه لا يتوقع أن تكون المحادثات الحالية ناجحة. وجاءت تصريحاته في احياء الذكرى الأولى لشهادة الرئيس إبراهيم رئيسي، وقال: “في عهد الشهيد رئيسي، كانت المفاوضات غير مباشرة، ولكن دون نتائج حتى الآن، لا نعتقد أن الأمر سينجح. وأضاف: “على أمريكا أن تتجنب الترهات، إيران لا تنتظر الإذن من أحد لمواصلة عملية التخصيب “وخاطب خامنئي المسؤولين الأمريكيين قائلا: “حاولوا ألا تتكلموا هراء، إن القول بأننا لن نسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم خطأ كبير، إن الجمهورية الإسلامية لا تنتظر الإذن من هذا أو ذاك”. وأضاف: “بالطبع، في مناسبة أخرى، سأشرح للأمة الإيرانية لماذا تعتمد على التخصيب، ولماذا تصر الأطراف الغربية والأمريكية وغيرها بشدة، على أنه لا ينبغي أن يكون هناك تخصيب في إيران”. وأردف: “سأفتح هذه النقاط إن شاء الله في مناسبة أخرى، حتى يعرف الشعب الإيراني ما هي نوايا الطرف الآخر”.(1)
موقف القيادة الإيرانية من ملفّها الإستحقاقي، المواجه من أمريكا واسرائيل، وحلفائهما من دول غرب عرب، ثابت لم ولن يتغيّر تحت أي ظرف، قد يوجِدُه أعداؤها من خلال محاولاتهم المتكررة، بتشديد العقوبات والحصار من أجل إضعاف قدراتها الاقتصادية، لكن يبدو أن آمالهم في اجبار إيران على النزول عند رغباتهم تبخّرت، ويبدو أن ناتنياهو المحرّض الأوّل على ايران بدأ يلوّح بانتهاج أسلوب التهديد بتوجيه ضربة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، ففيما تروّج وسائل الإعلام في الولايات المتحدة هذا التهديد الدّعائي في شكل معلومات استخباراتية، تشير إلى أن إسرائيل تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية، في الوقت الذي تسعى فيه إدارة ترامب إلى التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع طهران(2).
ولا يخفى أنّ هذا التناغم بين أمريكا وإسرائيل، يُعْتَبر هدفا يسعيان إليه بكل الطرق، مهما كانت مخالفة للقوانين والمواثيق الدولية، فليس هناك أخطر على مشاريع أمريكا للهيمنة على المنطقة من إيران، التي لم تخفي شيئا من أهدافها المستقبلية منذ انتصار ثورة شعبها، وأهمّها فلسطين وتخليصها من إسرائيل هذه الغدّو السرطانية، التي أثبتت من خلال عدوانها المدمّر على غزّة، وحشية استفزّت شعوب العالم بأسره، فهبّت طلائعها ونخبها الصالحة منددة بجرائمها، داعية إلى الضغط على حكوماتها، من أجل ارغامها على الرضوخ للقوانين الدولية.
فهل تجرؤ إسرائيل على القيام بعمل عسكري ضد إيران؟ كمقدّمة لدخول أمريكا وراءها في مغامرة عدوانية غير محسوبة العواقب بدقّة؟ أم إن الأمر لا يتعدى عن كونه مجرّد تهديد تعوّد الجانب الأمريكي والصهيوني على اطلاقه بين الفينة والأخرى؟ كل الاحتمالات واردة، ويبدو أنّ اليأس من اخضاع المارد الإيراني، الذي بلغ في قوّته وعتوّه مبلغا لا يمكن تجاهله، رغم الحصار المطبق والعقوبات المشددة على بلاده، أصبح يمثل عقبة كأداء في طريق المشروع الأمريكي الصهيوني، في بسط نفوذهما على المنطقة الزاخرة بالطاقة، وهذا ما سيدفع العدوان اللدودان إلى ارتكاب حماقة عسكرية، قد تؤدّي إلى زوال إسرائيل واندثارها من خريطة فلسطين إلى الأبد.
قوى الاستكبار لا تفكر بعقلانية ولا تتعامل بمنطقية، بل بما بلغته من قوّة عسكرية واقتصادية، في حسابات مادّية بحتة، متجاهلة أن هناك قوّة غير محسوبة عندهم، ترجع إليها الكلمة الفصل، وهي التي تسيّر الكون نحو عدل حقيقي وكامل، سيكون خاتمة مطاف مسيرة الإنسانية نحو ذلك الهدف الإلهيّ الأسمى، وهذا ما تسعى إليه إيران ضمن وعد إلهيّ قادم لا محالة، المسلمون مطالبون اليوم قبل أي وقت مضى إلى مراجعة مواقفهم الخاطئة من إيران وحقيقة أهدافها، بعدما تبيّن لهم نتاجها في غزّة وجنوب لبنان واليمن وحشد العراق، وهذا أقلّ الواجب المطلوب منّا نحوها.
فما لم تجرؤ عليه أمريكا وكيانها اللقيط منذ 45 عاما، وتهيّبت من الاقدام عليه، وحال إيران حينها في بدايات تأسيس نظامها ومؤسساته العسكرية والأمنية، فكيف بها اليوم أن تقدم على مغامرة غير مضمونة النجاح؟ يبدو أنّ الحمق الصهيو أمريكي بلغا مستوى، لم يترك لأعداء إيران عقلا يعيد غلواءهم إلى نصابها، وفيما تمضي إيران بخطى ثابتة في تحقيق إنجازاتها، يزداد تهيّج أعدائها وتحيّرهم بماذا سيواجهونها؟ ولم يعد هناك مجال لتركها تحقّق مشروع مقاومتها، الذي استخفوا منه أوّل الأمر، وتبيّن لهم بعد ذلك أنه قاطع نفوذهم وكاسر شوكتهم ومحطم أملهم، في السيطرة على فلسطين والمنطقة.
المراجع
1 – خامنئي لا يتوقع نجاح المفاوضات النووية من أمريكا
https://arabic.rt.com/world/1675336
2 – سي إن إن عن مصدر: إسرائيل تستعد لضرب منشآت نووية إيرانية
https://arabic.rt.com/world/1675589