الشعر الأمازيغي بنمط عصري: تحليل أولي لمجموعة “الفراشات الرحالة نحو النجوم” للشاعر سعيد أيت كوكو

لحسن ملواني
يتألف الديوان من 62 صفحة من الحجم المتوسط، مكتوب بالحرف الأمازيغي والحرف اللاتيني تسهيلا لقراءته في وقت مازال القراء بالحرف التيفيناغي في أول الطريق.
غلاف الديوان
جاء الغلاف باللون الأخضر الفاتح وتتوسطه فراشة تحط على زهرة متفتحة مادة بأذنيها لتوصلهما إلى نجوم على شكل أزهار بيضاء، مما يجعل معطيات اللوحة متراكبة تراكبا جميلا يحيل على العنوان المحدد للديوان بشكل واضح ودقيق.
وفي رأس الديوان ورد اسم الشاعر سعيد بلون أسود، وتحته عنوان الديوان باللون الأبيض “الفراشات المسافرة نحو النجوم” مكتوبة بالحرف اللاتيني والتيفيناغي، بلونين مختلفين أبيض وأسود.وتحت الصورة نجد تحديدا للجنس الأدبي الذي يتضمنه المؤلف” قصائد”.
أما الغلاف الخلفي فقد اكتفى مصممه بإيراد جزء من قصيدة من قصائد الديوان وهو كالتالي:
Hmlɣ kwnt a kra n tayniwin
d ittadrn i taDfi
gr tcukak
n wurɣ azgzaw
riɣ km a tajddigt
illan ɣ tizi n ifsan
Hmlɣ kwn a kra n iwdan
mZZinin
يقول حسب فهمي الشخصي لمراده:
أحبك يا تمرات تنعش لذتي
بذهب أخضر
أريدك يا وردة في ربيع تفتحها
أعشقك ….
غلاف جذاب مريح للعين بلونه العام وبموضعة عناصره الكتابية المناسبة.
جولة قصيرة في قصائد الديوان
يتألف الديوان من 12 قصيدة ومن عناوينها:
الشوق، ولنتعلم السير، و”لذتك”، و”الذهب الأخضر”، و”الضحكات”، و”الأسد” و”كفى” و”لا” و”الجميلة”…
ويعتبر سعيد أيت كوكو من المهتمين والمنخرطين في الشعر الأمازيغي إنتاجا ومناقشة، وله حضور متميز في الملتقيات الخاصة بالشعر الأمازيغي وقضاياه. ويظهر أنه عاشق لهذا الشعر حد الهيام، فهو في مداخلاته وإلقاءاته يبرز تحمسه والرفع من قدره باعتباره فنا له وزنه التعبيري والتراثي الأمازيغي العريق.
قبل الولوج إلى عوالم الديوان وصوره، لا بد من الإشارة إلى بعض مميزات الشعر الأمازيغي، ومن ذلك صموده وهو ينتقل بين الأجيال، يتركه الأجداد للآباء ويتركه الآباء لأبنائهم وبذلك اكتسب صموده ومواجهته للانمحاء، وها هو يكتب كما يكتب الشعر العربي والفرنسي وغيرهما، وكأنه يدخل عصر التدوين بوضوح لأول مرة، وهكذا صار شعرا بإمكانه الانتشار والعرض متاحا للنقد والملاحظات والمدارسات…ولأنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية فهو يكس كثيرا من جوانب الحياة للشعوب الأمازيغية ورؤيتها الجمالية والإنسانية للعالم، ولحضوره في الشأن اليومي وفي شتى المناسبات، فإنه يفرض وجوده كإبداع على سائر الإبداعات الأخرى في الأفلام والمسلسلات والأغاني وغيرها… وهو في ذلك يتناول أفراح وهموم الرجل والمرأة بل إن هناك أشعار مخصصة للأطفال يستمتعون ويمرحون بها، ويأتي هذا الشعر بإيقاعاته وأوزانه المائزة وكيف لا وهو الشعر المتغنى به في شتى المناسبات، ولن ننسى تميز هذا الشعر بالتعبير الرمزي والتصوير الجميل غير المغلق الغامض عبر مجازات تأخذ من المعجم الطبيعي والإنساني مما يجعلنا نحكم عليه بالسعة الكافية للتعبير البليغ الشامل لشتى الموضوعات.
وانطلاقا من هذه الحيثيات فإن الشعراء الأمازيغ في هذا العصر تحدوهم الرغبة الملحة من أجل التجريب والبحث عن الإبداعية المضافة التي من شأنها التقدم بهذا الشعر نحو آفاق الحداثة المتزنة التي لا تفضي إلى القفز غير الآمن للتطور والتحديث الإيجابي البعيد عن السقوط في مهاوي التعمية والغموض باسم التجديد.
وسعيد أيت كوكو من الشعراء الذي لهم يد وقدم راسخة في الكتابة الكلاسيكية والكتابة بنفس حديث فرضه التطور البشري الذي يفرضه تطور الزمن. ولأنه غيور على هذا الشعر فقد حاول طرق كل الأبواب التي تفضي به إلى التطوير الذي يزيده روعة محتفظا بجماليته الخاصة مضيفا إليها ما يراه ذا أهمية.
وهو في هذا الديوان يحاول أن يكتب ما يمكن تسميته الشعر الفصيح الحر أو القصيدة النثرية التي تنفتح أكثر للتعبير عن الدواخل بعمق وقوة.
وفي اعتقادنا وحسب قراءتنا لقصائد ديوانه الجديد، فإنه تمكن من السير السليم بالقصيدة نحو آفاق واسعة للتعبير الذي لا تحده الإيقاعات المرسومة الثابتة بقدر ما أطلق العنان لنفسه وهو يخوض تجربة منفتحة يروم طرق الصور الكثيرة وهو يعبر عما تجيش به نفسه إزاء ما يكره وما يحب وما يأمل أن يكون.
يقول في قصيدة” كفى “2:
تبسمي
كفى
اضحكي
تعبت
وأنت تعرفين من له متاع
فقط أريد صوفا
أريد غيثا
أريد ربيعا
تبسمي
كفى من لعبة الغميضة.
يبدو أن الشاعر قد تحرر تماما من الأوزان والإيقاعات المألوفة، وكأنه ينحو بالقصيدة الأمازيغية نحو التحرر من المقيدات التي يرى البعض أنها تحد من الطلاقة التي التي تجعل الشاعر يفضي بما في قلبه بصيغة مباشرة لا تخلو من الصور والصياغات الجمالية.
ويقول في قصيدة” لا”3:
ويحك
ويح أبيك وأمك
يامن لا اسم
ولا صوت ولا ثروة
ولا صحة له
ما الذي تبقى لك
صرفت كل شيء
وشربت الحرقة
لم يتبق لك سوى الصراخ
اجمع كفيك الخشنتين
واصرخ عبرهما
لا شيء يحمل جريحا على التردد
في البوح عن الألم..
وهو في كل ما سبق وغيره من قصائد الديوان، ينحو إلى التحرر الإيجابي الذي يمنحه مساحة أكثر رحابة للتعبير بصيغة انسيابية عميقة تجعل القصيدة علاوة على فصاحتها نافذة الدلالة بعيدا عن أي قيد يشل انفتاح العبارة للتوصيف والتصوير الجميل.
ولنتذكر القصيدة الحديثة تتميز بعدة سمات ومزايا، منها: النزوع إلى الحرية بعيدا عن القيود المكبلة أو المنقصة للطلاقة التعبيرية بصيغة تمكن من توظيف الرموز والاستعارات في تصوير المشاعر بشكل لافت مدهش، كما تمكن من البحث المستمر عما يساعد على التجديد والإبداعية المؤسسة على التقنيات المستجدة، ولعل ذلك يتيح للشاعر تناول قضايا إنسانية وفلسفية بعمق وصيغ جمالية خاصة.
إن الشاعر سعيد أيت كوكو مبدع يحب شعره كما يحب أشعار الآخرين، ومن شأن تجاربه الدؤوبة المتواصلة أن تخلق له تراكما إنتاجيا وإبداعيا يستقى منه ويعتمد في مقاربة القصيدة الأمازيغية بوجه عام .
هامش:
1 ـ منشورات رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية الطبعة الأولى 2018م.
ـ 2 ـ ص 27.
ـ 3 ـ ص29.
المغرب