عبدالقادر علي المعلمي: المعارضة الصومالية ما بين الضجة الإعلامية وانعدام الرؤية الاستراتيجية

عبدالقادر علي المعلمي
مع بداية ولاية الرئيس حسن شيخ محمود في مايو 2022، تجددت آمال التغيير السياسي في الصومال، وتوسمت قطاعات من الشعب أن تلعب المعارضة دورًا فعالًا في تصحيح المسار، ومراقبة الأداء، وصياغة مشروع وطني متكامل. لكن سرعان ما تلاشت تلك التوقعات تحت وطأة مشهد سياسي مرتبك، انشغلت فيه المعارضة بالخطاب على حساب التخطيط، وبالظهور الإعلامي على حساب التأثير الفعلي.
معارضة في الإعلام… غائبة عن الواقع
اللافت أن المعارضة الصومالية أصبحت أكثر حضورًا في الإعلام من الميدان. تُطلق التصريحات، تعقد مؤتمرات صحفية، لكنها تفتقر إلى البنية التنظيمية والرؤية الاستراتيجية التي تجعلها قوة تغيير حقيقية. في ظل هذا التوجه، تحولت إلى ظاهرة صوتية موسمية، لا مشروعًا وطنيًا بديلًا.
غياب مركز إعلامي موحّد، وافتقار الخطاب إلى التناسق والاتساق، جعلا المعارضة تبدو كتجمع من الأصوات المتفرقة، لا كتكتل سياسي قادر على صياغة خطاب جامع يتجاوز القبيلة والمنطقة، ويطرح رؤية سياسية جادة.
غياب البديل الوطني
لم تعد الإشكالية مجرد ضعف أدوات، بل أصبحت أزمة غياب رؤية وطنية شاملة. فالمعارضة حتى اللحظة لم تقدم تصورًا عمليًا لما يجب أن تكون عليه الدولة، ولا طرحت خارطة انتقال آمنة، ولا صاغت ميثاقًا سياسيًا جامعًا يمكن أن يُقنع الداخل ويحظى بقبول الشركاء الدوليين.
وما زاد الوضع تعقيدًا هو أن بعض رموز المعارضة كانوا في مواقع المسؤولية سابقًا، وارتبطوا بنفس الإخفاقات التي ينتقدونها اليوم، ما جعل الشارع يُشكك في نواياهم، ويراهم امتدادًا لأزمات الماضي أكثر من كونهم مشروعًا للإصلاح.
تحولات السلطة… وانكسارات المعارضة
شهدت البلاد في الآونة الأخيرة تحولات سياسية مثيرة للجدل، أبرزها: إقدام الحكومة على تجاوز الاتفاق الفيدرالي المؤقت، وفقًا لما تصفه المعارضة، وتمديد ولايات عدد من الحكام المحليين، وتشكيل تكتل سياسي مركزي من خلال تفاهمات غير معلنة، خارج الإطار الدستوري والمؤسسي المتعارف عليه.. يضم رئاسة الدولة، ورئاسة مجلس الشعب، والحكومة، في مشهد يثير تساؤلات حول مستقبل التعددية السياسية.
وفي الوقت الذي كان يُنتظر من المعارضة أن تكون رأس الحربة في التصدي لهذا المشهد، اكتفت بالصوت المرتفع دون حشد جماهيري أو عمل ميداني منظم، وهو ما أعطى للحكومة مزيدًا من الوقت والمجال لإعادة هندسة النظام السياسي وفق رؤيتها الخاصة.
اتهامات الارتباط الخارجي… وغياب التأثير الداخلي
تُتهم بعض مكونات المعارضة من قبل جهات مقربة من السلطة بأنها تخضع لتأثيرات خارجية، وتعمل بما يخدم مصالح إقليمية أو دولية على حساب المصلحة الوطنية.وفي المقابل تظهر المعارضة في مجملها عجزا عن الحضور المجتمعي، أو عن التأثير في الشارع. لا توجد تحالفات مدنية فاعلة، ولا حركات شبابية معارضة منظمة، ولا منصات إصلاحية تستقطب الفئات المهمشة.
وبينما تستمر السلطة في إحكام قبضتها، تبقى المعارضة حبيسة التنازع الداخلي، والتخبط في الرسائل، وعجزها عن تحريك قضايا الناس بلغة تفهمها الجماهير.
إلى أين تسير المعارضة؟ (ثلاثة سيناريوهات)
الاستمرار في التشتت والتراجع: وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا إذا لم يحدث تغيير جذري في الهيكلة والخطاب.
التوافق السياسي المؤقت: إذا بادرت الحكومة بحوار وطني شامل، وقد تدخل المعارضة كشريك جزئي.
التحول الجذري والبناء من جديد: عبر تحالفات وطنية، وصياغة مشروع جامع، وانتقال المعارضة من الرد إلى المبادرة.
ختاما: بين النقد والبناء
المعارضة الصومالية اليوم في موقف لا يُحسد عليه، وهي مطالبة بتجاوز الخطاب الانفعالي نحو بناء مشروع وطني جامع يعيد ثقتها أمام الشارع ويمنحها وزنًا حقيقيًا في معادلة الحكم، وممارسة ضغط سياسي مسؤول. الوطن لا يحتاج مزيدًا من الأصوات الغاضبة، بل إلى مشاريع تبني، وتوازن، وتحفظ الحد الأدنى من التعدد والرقابة.
فالمعارضة إن لم تملك رؤية وطنية حقيقية، ستظل أداة يستخدمها الآخرون، لا صمام أمان لشعب يتطلع إلى بديل أكثر وعيًا ونضجًا.
كاتب ومحلل سياسي صومالي