نور ملحم: معابر التجارة والنفوذ الجيوسياسي: دور الصين في ميانمار وسوريا

نور ملحم
لطالما كانت سوريا مركزًا للصراعات الإقليمية والدولية، حيث لعبت القوى الكبرى أدوارًا متباينة في تحديد مصيرها. ومع إعادة ترتيب التحالفات الدولية، تتنامى العلاقات السورية – الصينية ضمن سياق اقتصادي وجيوسياسي معقد، يتشابه في كثير من النواحي مع العلاقة الصينية – الميانمارية.
تمثل الصين عاملًا اقتصاديًا رئيسيًا في سوريا، حيث تسعى للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية ضمن مبادرة الحزام والطريق. وعلى الرغم من دعمها السياسي للحكومة السورية في الأمم المتحدة، فإنها تتجنب التورط العسكري المباشر، على عكس روسيا التي عززت وجودها العسكري في البلاد.
من بين التحديات الأمنية التي تواجه الصين في سوريا، قضية المقاتلين الأويغور الذين انضموا إلى الفصائل المسلحة المناهضة للحكومة السورية. بكين ترى أن هؤلاء المقاتلين يشكلون تهديدًا محتملًا لأمنها القومي، خاصة إذا عادوا إلى الصين لمواصلة أنشطتهم العسكرية. ولهذا، اتخذت الصين موقفًا دبلوماسيًا نشطًا تجاه دمشق وأنقرة لضمان عدم انتقال هؤلاء المقاتلين إلى مناطق يمكن أن تؤثر على الاستقرار الداخلي الصيني.
في جنوب شرق آسيا، تعد ميانمار ساحة اختبار مهمة لاستراتيجية الصين، حيث تعتمد على نهج مزدوج: دعم رسمي للحكومة العسكرية، بينما تتواصل بشكل غير مباشر مع الجماعات العرقية المسلحة المعارضة لضمان استمرار نفوذها في البلاد. هذه السياسة تتيح للصين الوصول إلى الموارد الحيوية مثل المعادن الأرضية النادرة والذهب، وتساعد في الحفاظ على أمن حدودها ضد أي اضطرابات قد تؤثر على مصالحها الاقتصادية.
تمتلك ميانمار ثروات طبيعية تجعلها حليفًا استراتيجيًا للصين، حيث تتصدر المعادن الأرضية النادرة، والذهب، والطاقة الكهرومائية قائمة الموارد التي تستفيد منها بكين بشكل كبير. ورغم التوترات السياسية في البلاد، فإن الصين تواصل مشاريعها الاقتصادية، لا سيما “الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار” (CMEC)، الذي يُعد جزءًا رئيسيًا من مبادرة الحزام والطريق.
تعكس السياسة الصينية في ميانمار نهجًا استراتيجيًا يقوم على ضمان الهيمنة الإقليمية دون تدخل عسكري مباشر، وهو ما يبدو أنه يمتد إلى سوريا. ففي حين أن بكين تتجنب التدخل العسكري، فإنها تحافظ على نفوذها عبر الاستثمارات الاقتصادية والدبلوماسية، مما قد يشكل عاملًا حاسمًا في إعادة ترتيب المشهد السياسي السوري خلال المرحلة المقبلة.
تسعى الصين إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط كما فعلت في جنوب شرق آسيا، حيث تعتمد على القوة الاقتصادية والمناورات الدبلوماسية بدلًا من التدخلات العسكرية المباشرة. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستستخدم الصين في سوريا نفس التكتيكات التي اعتمدتها في ميانمار، أم أنها ستتبنى نهجًا مختلفًا يتناسب مع طبيعة الصراع السوري؟
كاتبة سورية