زهير عبدالله الشرمان: التحديات والفرص في نظام الضمان الاجتماعي الأردني

زهير عبدالله الشرمان
يشكل صندوق الضمان الاجتماعي في الاردن ركيزة اساسية للحماية الاجتماعية واداة استراتيجية للاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، لكن التركيبة الحالية لاستثماراته تثير قلقا متزايدا في الاوساط الاقتصادية والمالية، لا سيما مع ما تكشفه التقارير الرسمية حتى نهاية الربع الاول من عام 2025 عن ان اكثر من 57% من اموال الصندوق مستثمرة في ادوات الدين الحكومي وهو ما يعني ان المحفظة الاستثمارية باتت مفرطة التركز ومرتبطة بشكل مباشر بالوضع المالي للحكومة.
في علم ادارة المحافظ الاستثمارية يشكل تنويع الاصول حجر الزاوية لتقليل المخاطر وتعزيز الاستدامة، الا ان الواقع الحالي يشير الى اعتماد مفرط على السندات الحكومية، ربما يعرض اموال المؤمن عليهم لحالة من الانكشاف السيادي المؤجل لاسمح الله، خصوصا مع ارتفاع الدين العام الاردني الى ما يقارب 45.4 مليار دينار وهو ما يعادل 118.4% من الناتج المحلي الاجمالي .
وتشير البيانات الى ان خدمة الدين بلغت 719 مليون دينار خلال الربع الاول من العام 2025 ، موزعة على 572 مليون دينار كفوائد و147 مليون دينار كاقساط، وعند مقارنة هذه الارقام بمعدل التضخم البالغ نحو 1.97% خلال نفس الفترة، يتضح ان العائد الاسمي على هذه الاستثمارات لا يزال معرضا للتآكل خاصة اذا ما استمرت معدلات التضخم في الارتفاع، مما يؤدي الى تناقص تدريجي في القوة الشرائية للمبالغ المستثمرة ويضعف من العائد الحقيقي لموجودات الصندوق.
ومما يثير المزيد من القلق هو ان الصندوق بدلا من ان يكون ذراعا استثمارية مستقلة يبدو انه يتحول تدريجيا الى اداة تمويل داخلي للموازنة العامة ،وهو توجه قد يبدو مفهوما من زاوية حاجة الحكومة الى مصادر تمويل منخفضة الكلفة، لكنه يتعارض مع مبادئ الحوكمة الرشيدة، ويجعل الصندوق عرضة للتاثر المباشر باي ازمة سيادية او تراجع في التصنيف الائتماني للدولة.
وتكمن خطورة هذا التوجه في تجارب دولية سابقة، اذ انهار صندوق الضمان الاجتماعي في لبنان بعد ان كان يعتمد على السندات الحكومية بنسبة تتجاوز النصف من اجمالي استثماراته، وعندما تخلفت الحكومة اللبنانية عن سداد ديونها في عام 2020 تحولت تلك الاصول الى عبء مجمد مما افقد المتقاعدين حقوقهم الفعلية وتسبب بانهيار ثقة المواطنين بالنظام التقاعدي باكمله.
الاخطر من ذلك ان فرصا اقتصادية واعدة يتم تفويتها بسبب هذا التوجه، فاستثمارات طويلة الاجل في قطاعات مثل الزراعة الحديثة، الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، يمكن ان تحقق عوائد اعلى من الإستثمار في السندات الحكومية، بالاضافة الى خلق فرص عمل وتحفيز الاقتصاد الوطني، وهي قطاعات ذات قيمة مضافة حقيقية تشكل رافعة للنمو والاستقرار اذا ما تم توجيه جزء من المحفظة الاستثمارية نحوها وفق معايير مدروسة للمخاطر والحوكمة.
تجاهل هذه الفرص لا يضر فقط بالعائد المالي للصندوق، بل يضعف ايضا من اثره كاداة تنموية وطنية، كان يفترض ان تكون ذراعه الاستثمارية محركا للنمو وليس مجرد ممول للعجز.
وعند استعراض السيناريوهات المستقبلية يتضح ان الاستمرار في النهج الحالي سيؤدي الى انخفاض العائد الحقيقي، وتآكل القيمة الفعلية للاصول، و ربما تراجع الثقة العامة بدور الصندوق كضامن للامان الاجتماعي ،وفي حال حدوث ازمة مالية مفاجئة، كتراجع التصنيف الائتماني او ركود اقتصادي، فقد يضطر الصندوق الى تجميد جزء من اصوله او يتكبد خسائر مباشرة نتيجة انخفاض قيمة السندات مما يقوض قدرته على الايفاء بالتزاماته.
في المقابل فان الاصلاح التدريجي للسياسات الاستثمارية، من خلال تقليص الاعتماد على ادوات الدين، وتنويع المحفظة لتشمل قطاعات انتاجية واستراتيجية كفيل بان يعيد للصندوق توازنه ويعزز من متانته واستدامته على المدى البعيد.
من هنا تبرز الحاجة الى اجراءات عاجلة تتضمن اعادة هيكلة المحفظة الاستثمارية وتوسيع قاعدة الاستثمارات ذات العائد التنموي المستقر وتعزيز الشفافية والافصاح وضمان استقلالية القرار الاستثماري بعيدا عن الضغوط المالية الطارئة.
إن صندوق الضمان ليس مجرد مؤسسة مالية، بل هو وعد بالامان الاجتماعي والكرامة الاقتصادية للمواطنين، والتعامل مع امواله يجب ان يكون بمنتهى الحرص والمهنية ،فان لم يبادر الصندوق الى اصلاح حقيقي يعيد التوازن لاستثماراته ويعزز استقلاليته، فان المخاطر لن تبقى افتراضات، بل قد تتحول الى وقائع مالية مؤلمة تؤثر على مستقبل المعاشات وتغير ثقة الناس بمنظومة الحماية الاجتماعية برمتها.
كاتب أردني