هل سكان دمشق قد تخلوا عن الإسلام؟ هل تستطيع مرجعية “المذاهب الأربعة” السيطرة على الخطاب الديني “الطائفي” في سوريا؟ وهل تعني الدعوة لإنهاء التفرقة رغبة في “عودة الأسد”؟ أليست دعوة المسيحيين لدفع الجزية بمثابة هجوم على الهوية الوطنية؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
فيما شعارات التحريض الطائفي حاضرة بقوّة في سورية، وذلك بعد أكثر من خمسة أشهر على سُقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، مع وصول “الأمويين” السنّة إلى حكم سورية، وتحديدًا ضد الأقليات، وما ينتج عنها من مذابح، وصلت في الأيام الأخيرة لرفع شعارات طلبت من السوريين المسيحيين دفع الجزية، أو الدخول بالإسلام.
وظهر مُلصق ذي طابع “دعوي” حمل خطابًا دينيًّا إقصائيًّا، وُضع على حائط الكنيسة المطرانية المارونية في مدينة طرطوس، حمل دعوة لأبناء الديانة المسيحية إلى اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، مع عبارات تُبدي رفضًاً صريحًا للأديان الأخرى، وتأكيداً على بطلانها، وضمّت الدعوة أيضاً توقيع تحت عبارة “بني أمية مرّوا من هنا”.
مشهدٌ آخر قادم من العاصمة السورية دمشق، حيث بائع حلويات، ينادي على حلوياته قائلًا: “علوي بجبنة، علوي بقشطة…، وذلك في سياق سُخريته من طائفة الرئيس السابق، على قاعدة “بنو أمية أصلهم ذهب”.
هذه المشاهد لا تتبّناها السلطات السورية الجديدة، وتقول إنها تصدر عن جهات مُتفلّتة، لكن الشعب السوري يُريد من سُلطاته الجديدة الانتقالية، أن تضبط الخطاب الديني، وتمنع قوّاتها من المُقاتلين الأجانب سُؤال الناس عن دينهم، وطائفتهم على الحواجز.
وزارة الأوقاف السورية الانتقالية، أصدرت من جهتها تعميمًا أمس الأحد، طلبت فيه من خطباء المساجد على المنابر الالتزام بجملة من الضوابط والمعايير التي تكفل الحفاظ على خطاب ديني متوازن ومسؤول.
هذه خطوة إيجابية من السلطات الجديدة، حيث أهابت بالخطباء الالتزام بمنهج الوسطية الإسلامية والفكر المعتدل المتزن، الذي يبتعد عن الغلو والتطرف بصوره كافة، سواء في القول أو الطرح أو التوجيه.
هذا التوجيه “الإيجابي”، لا يتوافق مع منهج هيئة تحرير الشام التي كانت تحكم إدلب قبل سقوط نظام الأسد، وبالتالي هو نقلة نوعية، بل أن وزارة الأوقاف شددت على اعتماد خطاب إيجابي يتّسم بالحكمة، ويبتعد عن التعصّب أو التحزّب، مؤكدة ضرورة تحييد المنبر عن الطعن في الكيانات أو الأشخاص، حفاظاً على مكانته الجامعة ودوره في رأب الصدع لا تعميقه.
عبارة الابتعاد عن الطعن في الكيانات، أو الأشخاص، عبارة يبحث عنها الشعب السوري على أرض الواقع، الذي افتقد الزمان الذي كان فيه السوري لا يعلم أن جاره من طائفة أخرى.
ولافت أن الوزارة الانتقالية عمّمت بأن تكون المرجعية الشرعية للخطاب الديني ضمن إطار المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، والمذاهب العقدية الثلاثة المعتمدة: الأشاعرة، والماتريدية، وأهل الحديث.
وشدّدت الوزارة على ضرورة الالتزام بالمدة الزمنية المخصصة للخطبة، والتي حُددت بثلاثين دقيقة كحد أقصى، داعية إلى تجنب الإطالة والتشتيت، والالتزام بالمضمون المركز والهادف.
وفيما يخص القضايا الطارئة أو ما يُعرف بـ”النوازل”، أوضحت الوزارة أن المرجعية في طرحها تعود إليها حصرًا، لضمان تناولها بالطريقة المُناسبة.
الفنان السوري عابد فهد، كان من بين السوريين الذين تطرّقوا لنقطة “الطائفية” في سورية، وتصدّرها المشهد، حيث قال فهد: “أنا لدي أصدقاء من كل الطوائف يتعجبون مما يحصل. من المسؤول؟ ومتى ستعود سوريا كما كانت؟ كنا نعيش في بيئة لا تعرف التفرقة الموجودة الآن، نحن في وضع غير صحي”.
هذا التمنّي الذي يُعبّر عن قطاع عريض من الشعب السوري، عرّض الفنان عابد فهد لانتقادات حادّة، وخصوصًا من أنصار الانتقالي أحمد الشرع، قالوا فيها إنه يتمنّى عودة “النظام السابق”.
وهو الأمر الذي اضطر عابد فهد للتوضيح، في ظل خوف السوريين من التعبير عن رأيهم، والاتهام الجاهز بالتبعية للنظام السابق، والاصطفاف الطائفي فقال: “”ما قصدته من كلامي هو التحذير من الوقوع في الطائفية. علينا كسوريين أن نحافظ على علاقاتنا كشعب واحد. كلمة (العودة) لا تعني أبداً عودة النظام، بل عودة سوريا إلى صحّتها الاجتماعية ووحدتها”.
تعميم آخر كان صدر عن مديرية أوقاف دمشق دعا إلى تذكير الشباب والشابات بفضيلة الاحتشام خلال فصل الصيف، الأمر الذي سخر منه الكاتب محمد هويدي، حيث قال ونحن بدورنا نثمّن هذا الحرص الاستثنائي من وزارة الأوقاف على متابعة أزياء المواطنين، إذ لم يسبق أن حظيت ملابس الشباب بهذا القدر من العناية الرسمية. فبعد سنوات من الانفلات، ها هو الشباب السوري، ولأول مرة منذ التحرير، يتذوّق فضيلة الحشمة، بعدما كان في السابق يخرج إلى الشارع شبه عارٍ، وربما دون ملابس داخلية! لذا، نوجّه بالغ الشكر على هذا الاهتمام، ونقترح – إن أمكن – إصدار كتالوج رسمي يحدّد بدقة معايير “اللباس الشرعي” المعتمد، حتى يتسنى للشباب والشابات الالتزام الكامل، ونيل الأجر العظيم. جزاكم الله عن الأمة كل خير.
وفيما تعمم الأوقاف السورية الانتقالية على الالتزام بخطاب ديني متوازن، نشرت صفحة الجالية السورية في دمشق تساؤلًا قالت فيه: “رصدت عدسة “الجالية” سيارات دعوية تتبع لوزارة الأوقاف قرب ساحة المحافظة بدمشق في وقت متأخر من الليل، ضمن نشاط يتكرر يوميًا في أحياء العاصمة، وأضافت يثير هذا التوجه تساؤلات حول دوافع وزارة الأوقاف: هل هو مُحاولة لضبط الخطاب الديني، أم أنه يعكس نظرة تشكك في التزام أهالي دمشق بالدين؟ من أخبركم بأن سكان العاصمة “مرتدون عن الإسلام”؟
يبدو أن سورية بكل حال أمام تحديات كبيرة، وعديدة، وعلى رأسها شكل الخطاب الديني الاجتماعي الذي سيكون مُطبّقًا داخل دولة الجهاديين السابقين، وإصدار تعميمات “وسطية” خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن التطبيق على أرض الواقع هو الاختبار الحقيقي، فنسيج سورية الاجتماعي التعايشي يبدو أنه مُهترئ ومُحترق، ويحتاج إلى من يُعيد الثقة الحقيقية بين السوريين، فهل ينجح الانتقاليون في ذلك؟.. يتساءل مراقبون!