البانوسي بن عثمان: حول شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط وبدائله الاحتلالية في ما يُعرف بالشرق الأوسط.. الحالة الليبية كنموذج

البانوسى بن عثمان
اغلب وسائل الاعلام الناطقة بالعربية. مقروءة. مسموعة. مُتلفزة كانت تتناول حدث غزة 7 اكتوبر وتجّريف البنية التحية للضفة وارتداداتها على المستويات المحلى الاقليمى الدولى كان ودائما على نحو مُرّتبك ومشوش، ففى تقديرى ان الحدث تتنازعه حالتين اثتنين , مع مقاربتين اثنتين لا ثالت لهما، مُقاربة تتكئ على ارضية محلية اقليمية لجغرافيات شرق وجنوب حوض المتوسط. واخرى تنهض على ارضية الموازى البديل الاحلالى فى ما عُرف بالشرق الأوسط، وفى هذا بون واسع فى ما بين مُبتغا المقاربتين. فغاية كل منهما تختلف عن الاخرى. فإحداهما تسعى لإخماد شعلة الحرب لإطفائها. فى حين الاخرى تسعى لإدارة الحدث واستمراره. وبقول اخر الاولى تسعى لمعالجة اسباب الصراع لإيقافه ومن ثم انهائه. فى حين الاخرى تسعى لإداوة الصراع وفقط.
فاذا راجعنا السردية التاريخية لجغرافية شرق وجنوب المتوسط. وما دارت عليها من احداث , وما انتهت اليه مع نهاية الحربين العالميتين , من خلال الترتيبات الدولية التي اعقبتهما. نتبيّن ان هذا الفضاء الجغرفي الحيوي. قد اُستهدف بالعمل علي انتاج موازى له كبديل إحلالي . نازعه ولايزال يُنازع شرق وجنوب المتوسط على مرتكزاته الجغرافية الديمغرافية الثقافية. ليصُغوها ويُشكّلها على نحو يتمخض عن ولادت هذا البديل الاحلالي تحت مسمى الشرق الاوسط.
قد احتاج – في تقديري – ارباب وسدنة الشرق الاوسط الانجلوسكسون في صيغته الانجليزية الى خلق بيئة مناسبة لتخّليق وبلورة وولادة مشروعهم هذا. ووجدوا ضالتهم في ترّحيل المسألة اليهودية. من على الجغرافية الاوروبية الى جغرافية شرق وجنوب المتوسط، وتركْ هذه المسألة مفتوحة دون ضوابط ومُحدِدات لأمر في نفس يعقوب، فنتج عن ذلك الصراع الاسرائيلي الفلسطيني على جغرافية فلسطين. وهذا كل ما كان تحتاجه بيئة مشروع الشرق الاوسط كي يكّتمل تبلّوره ويتشكّل كبديل إحلالي لجغرافيات شرق وجنوب حوض المتوسط.
كنت احاول القول. ان كل المقاربات – في تقديري – التي تنطلق من على ارضية الشرق الاوسط بما فيها المقربات المشوشة ستنتهى الى تثبيت استمرار هذا الصراع في صيغته المدمرة وديمومته، لان في ذلك كل الفرص وكل ما يحتاجه تموّضع الشرق الاوسط. كبديل إحلالي. للجغرافي الديمغرافي الثقافي لفضاء شرق وجنوب حوض المتوسط . حتى وان جاء ذلك في غير خدمة الاستقرار والسلم الدوليين التي تحتاجهما الحياة . ليس فقط كي تخطوا مع مواطني وساكنة هذا الفضاء الحيوي الى خارج البؤس الذى يعشعش فى تناي جغرافيات حيواتهم. بل تحتاجه الحياة ودائما و في كل حين مكانا وزمانا. كي تخطوا نحو الامام نحو غايتها.
من هنا نستطيع القول. ان الحفاظ على ديمومتها الحرب وابقائها تحت الضبط والسيطرة. فوق هذا الفضاء الحيوي. قد كانت ودائما – في تقديري – حاجة وضرورة شرق اوسطية. وبهذا صار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على جغرافية فلسطين. لا يمثل سوى المرتكز الأساسي الذي ينهض علية بُنيان الشرق الاوسط.
فى حين وفى تقديري ستكون كل مقاربة تنهض من على ارضية شرق وجنوب حوض المتوسط. ستنتهى الى ضرورة معالجة اسباب الحرب والعمل على تفكيكها، لإخماد شعلة الحرب واطفائها. لان فى ذلك خطوة اساسية لاستدعاء الامن واستدراج الاستقرار فوق هذا الفضاء الحيوي. وهو كل ما تحتاجه عجلة الحياة كي تتحرك الى خارج البؤس الذى يربك ويرهق ويفتك بحيوات الناس فوق جغرافية شرق وجنوب المتوسط.
ومن هنا نستطيع القول ان السعي نحو خلق الظروف المناسبة لتفكيك مسببات الحرب فوق جغرافية شرق وجنوب المتوسط. كانت دائما حاجة ضرورية لاستدعاء واستدراج الامن والاستقرار فوق جغرافية هذا الفضاء الحيوى ومحيطه الاقليمى القريب والدولى االبعيد.
كنت احاول الوصول بالقول . ان ما يعانيه الفضاء الجغرافى لشرق وجنوب المتوسط. من تأزم اركسه فى بؤس من تخلف مُريع. دام على امتداد ما يزيد على سبعة عقود وبضع سنين. يرجع فى ما يرجع فى اسبابه الرئيسية ويُرد – فى تقديرى – الى التعارض فى اولويات ثنائية شرق وجنوب المتوسط مع البديل الاحلالى فى ما عُرف بالشرق الاوسط. وليس الى سواها. مند انبثاق فكرة بلورة ومأسسة الشرق الاوسط مع بداية اربعينات القرن الماضى. فى ذهن احد عتاولة الغرب الاطلسى فى صيغته الانجليزية. واحد مسؤولي تلك المرحلة فى ذاك الزمان . ومن بلدة الاطلسى البعيد سوّق للفكرة وروج لها. وتمكن من تفاعيلها على نحو نشط ببيئة هذا الفضاء الحيوى. ومن ثم صارت تتبلور وتتشكّل وتتمأسس بأيادي من على هذا الفضاء . وباشرف ومتابعة من بلد المنشأ البعيدة.
هذا التعارض فى الاولويات ليس فى المستطاع تخطّيه الا بالسعي نحو محاولة جسّر الهوة فى ما بينهما . وعلى سبيل المثال , عبر التخلى عن مقاربة البديل الاحلالى والذهاب نحو الشريك الاستثمارى. حيث يكون فيه العمل بالجميع وللجميع والربح فيه للجميع. كما هو سائد العلاقات بين الفضاءات الجيوسياسية.
وبغير جسر هذه الهوة ما بين الاولويات المتضاربة. قد ننتهى الى تموّضع كل البديل الاحلالى على كامل جغرافية شرق جنوب المتوسط. ولن يقف عند هذا الحد. فقد يسعى ارباربه لاستنساخ ظاهرة الشرق الاوسط بفضاءات جغرافية اخرى من جغرافية العالم . وفى ذلك زيادة فى مساحة بؤس الحياة على حساب رفاهها , وتقليص وتراجع فى مساحة السلم والاستقرار على الفضاء العالمى بما يُضيف بالزيادة على مساحة نقيضها.
وقبل قفل هذه السطور. دعونى اُنْزل ما جاء اعلاه. كمفردات محسوسة ملموسة على جغرافيات الحياة فوق هذا الفضاء الحيوى. فهذه الثنائية المتضاربة فى اولوياتها. المتمثلة بشرق وجنوب حوض المتوسط مقابل البديل الاحلالى فى الشرق الاوسط. قد تناسلت منها ثنائيات فى داخل كل دول شرق وجنوب المتوسط. منها نائم واخر نشط. فعلى سبيل المثال لا الحصر. ففى الحالة الليبية. نجد تفاعل هذه الثنائية فى ذرة نشاطها على جغرافية ليبيا. فالمقاربة التى تنهض منهما مُعتمدة على المحلى الاقليمى لشرق وجنوب المتوسط. نجدها تسعى وتجتهد لانتاج مرّجعية محلية وطنية. تضبط حركة تصّريف ادارة الشأن العام. فى اتجاه توظيف وتسّخير الطاقة البشرية والموارد الطبيعية بالبلاد. فى ما يخدم الوعاء الجعرافى الليبيى بمواطنيه وساكنته. عبر التأسيس وتحسين البُنى الخدمية التنموية الانمائية الحقوقية.
في حين الاخرى. التى تتخذ من الشرق الاوسط مُتكئ لها. كانت تسعى ودائما الى غير ذلك. الى توظيف موارد البلاد البشرية والطبيعية فى ما يخدم الموزى البديل الاحلالى. مُسّتندة ومُسّتعينة على فرض ذلك بادرع *ميلشياوية. مدعومة بغطاء دولى تحت مسمى الشرعية الدولية. التى تستند على البند السابع من الميثاق الاممى. والذى يُفترض ممن يُمثل ويُصرّف هذا البند السابع. ان يَتقيّد بالميثاق الاممى لحقوق الانسان وبما يقوله عن الشعوب وتقرير مصيرها.
فالشرعية الدولية فى الحالة الليبية. كيان هلامى غير محدد الابعاد – وفى تقديرى – لا يستطيع احد من الليبين تحديد من تكون ومن هي . رغم تحكّمها فى جميع وجوه حيواتهم البائسة على جغرافية بلادهم. فهذه الشرعية الدولية كانت ودائما متخفّية وراء هذا المسمى وفقط.
وفى كل المرات. التى يُلمّلم فيها الوعى الليبيى شتاته. وينهض مُعترضا مُحّتجا على تصريف ادارة الشأن العام ببلاده . بعيد عن حاجات حيوات مواطنيها وساكنتها فى الخدمى التنموى الانمائى الحقوقى. ينهض فى المقابل. هذا المتخفى وراء مسمى الشرعية الدولية. ليدافع ويحاجج عن ادرعه الوظيفية ومليشياتها بطرابلس. ليقول بانها تحظى بشرعية دولية.
وهنا ينهض استفهام يقول :- ففى من تتجسد هذه الشرعية الدولية ؟. هل فى مجلس الامن او فى الجمعية العامة او ممثل الامين العام بليبيا. ام فى مندوب الهيئة بليبيا. ام فى المبعوث الامريكى بليبيا. ام فى الاتحاد لافريقى. ام فى السفير الانجليزى بليبيا. الذى يتحرك بكل اريحية. فى ما بين مدن غرب البلاد. فمرّة نراه فى الزاوية. واخرى على قمة الجبل بالزنتان. وأحايين فى مصراته. وذات مرة شاهدناه فى طرابلس فى داخل مطبخه. وهو يحضّر طبق ليبيى شهير. لبعض النخب كانت فى واحدة من زيارتها له.
فهذا التخفى وراء مسمى الشرعية الدولية. سوف لن يُحمّل مسؤولية لأى جهة كانت. لما لحق ولازال باللبيبين وجغرافية بلادهم. ولا يستطيع الليبيون معرفة غرينهم هذا. وهو فى تقديرى. قد ساعد – هذا التخفى – فى تغّيب المُزاوجة او تأطير البند السابع للهيئة بالميثاق الاممى لحقوق الانسان. وجعله ضابط ومحدد للشرعية الدولية. اثناء تعاطيها مع الحالة الليبية. مما مكّنت وتمكّن الموازى البديل الاحلالى الشرق الاوسط. من توظيفها لتغليب اولويته على اولوية مُقابله الوطنى المحلى الاقليمى على جغرافية شرق وجنوب المتوسط.
وهنا اعاود للقول. لا فكاك من السائد على الجغرافية الليبية. بل وما على كامل جغرافية شرق وجنوب المتوسط. بدون جسر الهوة – كما اسلفنا – ما بين اولويتا شرق وجنوب المتوسط ومقابلها الموازى الاحلالى الشرق الاوسط. وما سوى غير هذا القول – فى تقديرى – ليس غير مُراكمة تُسند السائد البائس. وتجّذير لٍما كان وتجديده ليدوم .
*الاحداث المليشياوية الدامية فى شورع طرا بلس ليبيا فى يومنا هذا. شاهد ساطع على ذلك.
الجنوب الليبيى