د. لؤي بواعنة: تأثير الحرب على غزة في كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل كممارس لجرائم الحرب

د. لؤي بواعنة
لا أحد يستطيع أن ينكرالأثرالكبيرالذي أحدثته الجرائم البشعة والإبادة الجماعية التي تمارسها دولة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) في قطاع غزة ،حيث تركت أثرا كبيرا،وصدىً مدويا عند المجتمع الغربي والمؤسسات السياسية هناك .وما كان لهذه المواقف المتغيرة صوب إسرائيل لتحدث وتتخذ ،لولا فضاعة ما تقوم به إسرائيل،والذي يمثل انتهاكا صريحا واضحا لكل المواثيق والقوانين الدولية،وكل المشاعروالحقوق الانسانية والبشرية.ولولم تصل تلك الجرائم الإسرائيلية إلى هذا الحد ،الذي لا يمكن السكوت عنه،لما تحرّك المجتمع الدولي وخاصة الأوروبيون منها ضدها .
أن ما حدث ويحدث يوميا من جرائم حرب ترتكب في غزة بحق أطفالها ونساءها وشيوخها،أدى إلى تحرّك مشاعرالمجتمعات الغربية قاطبة،سواء بمظاهرات احتجاجية في شوارع عواصم تلك الدول،أومن خلال مواقف سياسية صارمة وجريئة تصب لصالح غزة ووقف الحرب فيها،من قبل المجالس النيابية فيها،بالاعتراض والاحتجاج على ما يجري فيها تارة، واتخاذ قرارات أخرى تدين ما تقوم به إسرائيل من أعمال بشعة وتجريمها تارة أخرى،واتخاذ قرارات أكثرُجرأة تتمثل بوقف التعامل معها ووقف تصديرالسلاح إليها،وتفكيرالبعض بقطع العلاقات معها،وخاصة التجارية .وللأسف لم نجد مواقف مشابهة في دوائرصناع القرار العربي أومجالسها النيابية ما يشابه تلك المواقف الشُجاعةأو يقترب منها .
أن هذه المواقف الأوروبية الجريئة تجاه إسرائيل مؤشرهام،ينُم ُعلى يقظة واضحة في الضميرالغربي وسقوفه العالية في الحريات المسموح بها هناك ،مقارنة عما هي عليه في العالم العربي والإسلامي،حيث القصور في التفكير وانسلاب الحرية والتبلّد السياسي والفكري عندالبعض وانعدام الأهداف والخطط الاستراتيجية في مقاومته إزاء هذه الحرب الظلامية والإجرامية.كما تحمل هذه المواقف الغربية الشُجاعة نتيجة هامة تدل على مدى تعاطفه مع أهل غزة أكثرمن تعاطف العرب بل والمسلمين،وهذا يدل على ما وصل اليه العرب من تخاذل ما بعده تخاذل،دون أن يكون لمواقفهم السلبية تلك مبررات سياسية منطقية،حيث يرى بعض الساسة أن غزة منقادة لمنظمة مسلحة لا يحق لها اتخاذ قرارالحرب بمفردها ،في حين يرى كثيرمن المتعاطفين( من غير الساسة ) مع مسالة غزة وأهلها وما يجري ضدها من قبل دولة الكيان الصهيوني من حرب إبادة،أن حماس حركة تحرروطنية تقاوم الاحتلال،كحق مشلروع من حقوقها ضمن الوسائل المتاحة،حتى زوال الاحتلال.
ومن أكثرالخطوات الجريئة التي أتخذها الأوروبيون،قرارحظربيع الأسلحة لإسرائيل،من قبل البرلمان الإسباني ،والذي أتخذ قبل أسبوع، والذي جاء تعبيراعن مواقفها المتمثلة بوقف تلك الحرب، ومعارضتها،وعدم موافقتها على ما تقوم به حكومة نتتنياهو اليمينية المتطرفة من قتل ممنهج للفلسطينيين دون أدنى درجات الرحمة،وبكل وقاحة وقهرأمام الجميع،غيرآبهة بالمجتمع الدولي.وجاء هذه القرارأيضا في سياق الضغط على إسرائيل بسبب الوضع الكارثي الذي تمارسه على أطفال غزة وشيوخها ونساءها من قتل وتجويع .في حين قامت دول أخرى في العام الماضي مثل: إنجلترا وكندا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا واليابان بالخطوة ذاتها،ولكن بشكل أقل ضجيجا من هذا العام ،من خلال تقييد بيع الأسلحة لإسرائيل في صفقات معينة،أووقف بعض منها،وبنسب محددة لبعص الصفقات،إما لدواعي وضغوطات شعبية،أوربما امتثالا لقرارمحكمة العدل الدولية التي تدعولوقف الحرب في غزة.وتأتي هذه القرارات الأوربية والمجتمعية جميعها لتمثل مؤشرا واضحا عن عدم رضا تلك الدول عما ما تقوم به إسرائيل في غزة،وعدم رضاها عن سياسة الإبادة والإجرام الصارخة التي تنتهكها إسرائيل يوميا،والتي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان وتتنافى مع القيم الانسانية كذلك.
وهناك مواقف أوروبية كثيرة تصب في هذا السياق،حيث اعتراضها على سياسة إسرائيل وانتهاكها القانون الدولي واستمرارها في سياسة القتل والإرهاب تجاه الشعب الفلسطيني،حيث قامت عدة دول أوروبية موخرا مثل :إيطاليا وفرنساوإسبانيا بإستدعاء السفيرالإسرائيلي في بلدانها اعتراضا على اعتداءها غيرالمبررعلى وفد دبلوماسي كان بزيارة رسمية لمدينة جنين.
أما في الولايات المتحدة فالموقف مختلف نوعا ما،فعلى الرغم من تأييد الإدارة الأمريكية (السابقة واللاحقة) لحرب الإبادة على غزة،وتزويدها بالسلاح الكافي لقتل الفلسطينيين دون رحمة،وموافقتها على اجتثاث حماس كمنظمة إرهابية (على حد زعمهم )،فهناك أصوات كثيرة،ومواقف غيررسمية متعاطفة مع غزة وأهلها، وتدعو لوقف تلك الحرب الإجرامية وغير الإنسانية،وترى حق أهل غزة وأطفالها في الحياة بالماء والغذاء والدواء،دون أن تجد تبريرا لذلك القتل الممنهج.ومن تلك المواقف ما شاهدناه في الأسبوع الماضي،من خلال ما قام به المواطن الأمريكي الذي يدعى ( إلياس رودريغيز) من اطلاق الناربالقرب من المتحف اليهودي بالعاصمة واشنطن، والذي يقع على مسافة صغيرة من البيت الأبيض،والذي أدى لمقتل موظفين يعملان بالسفارة الإسرائيلية .وقد دللت تلك الحادثة على تعاطف المواطن الأمريكي مع القضية الفلسطينية بقوله عند اعتقاله : ” الحرية لفلسطين “، وفي هذا تعبيرا أكيد عن رفضه لما يجرى من قتل متعمد وممنهج بحق أهل غزة. وفي هذا تطورلافت وجديد لمواقف الشعب الأمريكي أيضا. في حين للاسف تعاطفت المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة مع القتلة واعتبرت ما قام به منفذ العملية معاداة للسامية ،لصرف الأضواء عما تمارسة إسرائيل من بطش وإرهاب.
يضاف للمواقف السابقة للعديد من دول الغرب التي تعبرعن تضامنها مع غزة وتنديدها بجرائم إسرائيل،مواقف أخرى تصي في نفس السياق، جرت مؤخرا،مثل قيام المئات من المتظاهرين في مدينة (روتردام) الهولندية من إنزال علم دولة الاحتلال الإسرائيلة والقيام بحرقه،ورفع العلم الفلسطيني بدلا منها،وقيام عديد من الدول نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الشهرالمقبل مثل مالطا،والذي جاء على لسان رئيس وزراءها روبرت أبيلا،وكذلك الحال بالنسبة للجمهورية الفرنسية.
أن ما يحدث في غزة من جرائم حرب وإبادة بحق الفلسطينيين الغزيين،شكّل انقلابا في مواقف المجتمع الدولي وخاصة الغربي منه.وقد عبّرت عن تلك المواقف الجديدة تجاه إسرائيل ،عضوة البرلمان الإيطالي (ستيفاني إسكاري) والتي أظهرت في مقابلة معها تعاطفا واضحا مع أهل غزة واستنكارا واضحا لما تمارسه إسرائيل ضدها .وعبّرت في حديثها عن التحول في مواقف الدول الأوروبية،واعتبرت ما تقوم به اسرائيل بأنه :إبادة جماعية وتطهيرعرقي . وأن رأت أن تلك المواقف جاءت متأخرة وأنها بحاجة لمزيد من الحزم والمواقف الجماعية ضد إسرائيل.كما دعت( إسكاري) لفرض عقوبات دولية على إسرائيل وبشكل فوري،ووقف اتفاق الشراكات التجارية معها أيضا،كما ينبغي قطع العلاقات مع إسرائيل سواءً السياسية والعسكرية كذلك من قبل دول أوروبا،حيث عابت على كثير من الدول الاستمرار في دعم إسرائيل.
هذه المواقف كلها في المحصلة تشكل ثمرة سياسية من ثمرات الحرب في غزة رغم جراحها ،فجاءت نتيجة إيجابية معاكسة لما ارادته إسرائيل من محاولة لتشويه صورة حماس،ولما تمارسة دول الكيان من تصفية للقضية الفلسطينية،والتي تصب في دعم الفلسطينيين وتعرية إسرائيل وكشف جرائمها،فقد انقلب السحرعلى الساحر،فبدلا من التأييد القديم لسياسة إسرائيل،أدرك العالم الحقيقة المطموسة بأحقية الفلسطينيين ،وظلم إسرائيل وجبروتها وانتهاكها كل حقوق الشعب الفلسطيني، لما يشاهدونه يوميا من حرب غيرعادلة ومن قتل للأطفال . فاصبحوا مؤيدين لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم رغم الاحتلال.
هذا المثال وغيره يدل دلالة واضحة على التضامن الواضح من قبل الأوروبيين وبعض مؤسساتهم السياسية مع غزة، والتنديد بجرائم الحرب الأسرائيلية.وهذه كلها تداعيات مهمة لصالح القضية الفلسطينية، وففيها تبدّل للصورة النمطية المعهودة لإسرائيل سابقا قبل الحرب في الغرب،عنها بعد الحرب،والكشف أيضا عن صورتها الحقيقة بعد الحرب المتمثلة بالإجرام والإرهاب،حيث استهداف المدنيين العزل،وقتل الاطفال ومنع الدواء والغذاء عنهم.وهذا للأسف جزءاً من حقيقة إسرائيل التي كشفها الغرب في دول أوروبا وما زال الغباش يغطي أعين العرب والمسلمين عنها،إما خوفا أوجبنا أو تخاذلا، أوتواطئا.
كاتب اردني