محمد سعد عبد اللطيف: في زمنٍ انهمرت فيه دموع الرجال وساد فيه صمت المثقفين

محمد سعد عبد اللطيف
لا أعلم ما الذي أبكاه، ولم أسأله. يكفي أن دموعه كانت تنزل في صمت، على مقعدٍ خشبيٍّ في قاعةٍ لا تُشبه شيئًا سوى الوطن نفسه: متآكلة، منسيّة، تفوح منها رائحة العجز والتواطؤ.
عندما يبكي الرجال، فاعلم أن الهموم قد فاقت قمم الجبال، وأن الصبر قد أنهكته خطوات الضياع، وأن شيئًا ما انكسر في العمق، هناك حيث لا تصل خطب الساسة، ولا أناشيد الأمل المُعلّب.
لقد صار البكاء الصامت هو التعبير الأصدق في زمن الخنوع، حين تُداس الكرامة بحذاء الإعلام الرخيص، ويُمنح الجاهل منصّة من ذهب، ويُزفّ المال إلى صدارة الحديث، بينما يُطوى صوت المثقف في درجٍ مغلق، تُغبره الذاكرة، وتُسكت أنينه قهقهات النفاق.
أيّ زمنٍ هذا الذي عزّ فيه المثقفون حتى صاروا على أرفف الصمت..؟ لا أحد يُصغي إليهم، ولا أحد يعبأ إن كتبوا أو انتحروا. يُنظر إليهم كقطعة ديكور قديم، أو كملفّ أمنيّ يجب أن يُراقب لا أن يُقرأ.
أما الجاهل..؟ فله كل المنابر، وكل المتابعين، وكل “الترندات”. يصرخ في وجه الحقيقة، فيُصدّقه الجميع. يتلو فوضاه جهرًا، فتُطبع أقواله في ملصقات ونشرات.
هل يعلم أحد أن المفكر والمثقف في بلادنا يعيش تحت خط الفقر…؟ يُحاصَر بالخذلان، ويُحارب بالجهل، ويُسجن داخل أسوار الإقصاء.
وهنا، كما قال الإمام عليّ رضي الله عنه:
“يموت الأسد في الغابات جوعًا، ولحم الضأن تأكله الكلابُ،
وكم من فاضلٍ ينام على التراب،
وكم من جاهلٍ ينام فوق الحرير،
قبورهم مستهم الورود،
وتحتهم عسلٌ دفين.”
تلك هي المعادلة المعكوسة في أوطاننا:
يموت الفكر ويُدفن في غربةٍ داخليّة،
ويُزيَّن الجهل بورق الذهب،
وتُكافَأ الرداءة،
وتُنفى الحقيقة..ومع ذلك، سنبقى نكتب، حتى لو كانت أصواتنا بلا صدى.
سنظل نحفر في صخر التجاهل، لعلّ حرفًا واحدًا يوقظ ضميرًا،
ولعلّ دمعة رجلٍ صامتٍ تكون أصدق من ألف خطاب. ففي زمنٍ عزّ فيه المثقفون، سيبقى القلم جمرًا نكتوي به،لأنه النور الأخير في نفقٍ لا ينتهي.,,,!!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية…
[email protected]