آسيا العتروس: صراع ترامب ضد الجامعات سيكون وباءً على من يُثيره

آسيا العتروس: صراع ترامب ضد الجامعات سيكون وباءً على من يُثيره

اسيا العتروس

هناك حقيقة واضحة لا تحتمل التشكيك وهي أن الجامعات الصينية ستكون أول و أبرزالمستفيدين من الصراع القائم بين ادارة الرئيس ترامب و بين اعرق الجامعات الامريكية و بينها جامعة هارفارد و كولومبيا ..و الاكيد أن تقدم الجامعات الصينية في  الترتيب العالمي لافضل الجامعات يؤهلها لاستقطاب الطلاب الاجانب و استقطاب الاستثمارات الاجنبية لتمويل البحوث المعرفية ..و على سبيل الذكر لا الحصر يمكن استحضار بعض العناوين التي نراهن على أنها ستكون قطبا جديدا للطلاب الاجانب من مختلف انحاء العالم بما في ذلك دول الخليج و منها جامعة بيكين و جامعة تشين خوا و معهد بيكين للغات و جامعة فودان و شانغ هاي و هونغ كونغ و جميعها من الجامعات العريقة في الصين ..و قناعتنا أن الحرب التي اعلنها ترامب على الجامعات الامريكية و محاولة تجفيف منابعها وغلق ابوابها أمام الطلبة الاجانب سيكون لها تأثير خطير اذا خسرت هذه الجامعات المعنية الجولة الاخيرة من المعركة ..
ليس سرا أن ترامب لا ينظر بعين الرضا الى جامعة هارفارد التي يبدو أن ابنه فشل في الانتماء اليها و أنه لم يقبل أيضا أن تتحول هذه الجامعة بطلبتها و شريحة واسعة من نخبها الاكاديمية و اساتذتها الى ساحة مفتوحة لرفض استمرار الدعم الامريكي الاعمى للحليف الاسرائيلي الذي يواصل استباحة الفلسطينيين من الضفة الى غزة دون أدنى اعتبارللقوانين والمواثيق الانسانية الدولية …
وبعيدا عن استباق الاحداث وما ستكون عليه حرب ادارة ترامب على الجامعات الامريكية فان المنطق يفترض أنها ستكون حربا خاسرة مهما كانت مالاتها لعدة أسباب أولها وأهمها أن استقلالية الجامعات الامريكية لا يمكن ان تكون محل مزايدات أو مساومات ولا يمكن للطلبة والنخب الجامعية القبول بالتنازل عن استقلالية الجامعة وهو الشرط الذي يصنع نجاحها و نجاح الحلم الامريكي الذي  اشتركت في صنعه الادمغة المهاجرة من كل انحاء العالم وهي التي منحت أيضا أمريكا مختلف جوائز نوبل للفيزياء والكيمياء و الاقتصاد والسلام و بدون هذا التعدد والتنوع سينحصر دور الجامعة الامريكية و يتراجع الامر الذي يقودنا للقول أنه حتى لو أمكن لترامب كسب المعركة القانونية و محاصرة هارفارد وكولومبيا فان الامر لن يتجاوز حدود ولايته الراهنة و سيزول قراره بزوال وانتهاء ولايته ..
مع ازدياد وتيرة التحركات الاحتجاجية الطلابية وامتداد العدوى في اكبر الجامعات الامريكية وحتى الاوروبية رفضا لحرب الابادة المفتوحة على غزة و رفضا ايضا لسياسة التجاهل للقانون الدولي والغاء القيم الانسانية الكونية , اختار الرئيس الامريكي دونالد ترامب اعلان الحرب على جامعة هارفارد و كولومبيا بدعوى التصدي لتفشي ظاهرة معاداة السامية التي كانت و لا تزال توفر الغطاء والقناع لكل جرائم الاحتلال الاسرائيلي على مدى عقود ..وطبعا وجد ترامب الحل لمواجهة الصحوة الطلابية في الجامعات الامريكية بتجفيف منابعها و قطع تمويلاتها و قطع الطريق أمام الطلاب الاجانب من التسجيل للدراسة ..و لكن جاء قرار القضاء الامريكي بوقف خطة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحرمان جامعة هارفارد من إمكانية قبول الطلاب الأجانب, صحيح أن القرار مؤقت ولكنه يعكس وعيا صادقا برفض ترويض الجامعات  ورفض التنازل عن استقلاليتها وهذا هو الموقف الطبيعي المفترض حتى لا تحيد الجامعة عن دورها  الريادي العلمي والمعرفي و تقع تحت مظلة السلطة لتوجيهها و استغلالها وفق سياساتها و خياراتها مهما كانت غاياتها ..
رفض جامعة هارفارد الدعوى القضائية التي رفعتها ضدها ادارة الرئيس ترامب و اعتبارها أن منع الطلاب الاجانب من الانتماء لاعراق الجامعات الامريكية  بأنه “انتهاك صارخ” للقانون ولحقوق حرية التعبير يعكس الوجه الاخر للصراع المستمر حول التعاطي مع القضية الفلسطينية التي باتت تحظى بمد تضامني شعبي لا محدود في امريكا حيث تسيطر اللوبيات اليهودية المتنفذة على صناعة القرار .. ولاشك أن تعلل ادارة ترامب بأن الجامعة لم تبذل جهدا كافيا لمكافحة معاداة السامية مسألة مثيرة للسخرية وهي محاولة مفضوحة لوقف المد التضامني الجامعي والشعبي المتصاعد ازاء حرب الابادة المفتوحة في غزة منذ نحو سنتين ..
تقول جامعة هارفارد في الدعوى القضائية أنه  “بجرة قلم، سعت الحكومة إلى محو ربع طلاب جامعة هارفارد، وهم طلاب دوليون يُساهمون بشكل كبير في الجامعة ورسالتها”, و قال رئيس جامعة هارفاردأن هذا
الإلغاء  يمثل استمراراً لسلسلة من الإجراءات الحكومية الانتقامية ضد جامعة هارفارد لرفضها التخلي عن استقلالها الأكاديمي، والخضوع لسيطرة الحكومة الفيدرالية غير القانونية على مناهجنا الدراسية وأعضاء هيئة التدريس والطلاب”.
تعد جامعة هارفارد نحو سبعة الاف طالب  6800 أجنبي و يشكلون أكثر من 27 في المئة من طلابها المسجلين هذا العام علما و أن التكلفة الإجمالية للعام الدراسي في هارفارد، تتجاوز دون أي مساعدة مالية، أكثر من 100 ألف دولار أمريكي.
مقابل تنكيا الادارة الامريكية بالاوساط و النخب المتعاطفة مع ضحايا الابادة المفتوحة في غزة تتسع رقعة الجامعيين و الفنانين و المفكرين و السينمائيين  و المبدعين الرافضين لهذا التوجه السياسي الامريكي سواء في الولايات المتحدة او كذلك في اوروبا عموما , و خلال الساعات القليلة الماضية دعا أكثر من 800 محامٍ وأكاديمي وقاضٍ كبير متقاعد، بما في ذلك قضاة سابقون في المحكمة العليا، الحكومة البريطانية بفرض عقوبات على حكومة الاحتلال الإسرائيلي ووزرائها، كما دعوا الى التفكير في تعليق عضويتها في الأمم المتحدة للوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية الأساسية.
وفي فرنسا وقع 300 أكثر من ثلاث مائة كاتب بينهم فائزان بنوبل الأدب هما آني إرنو وجان ماري غوستاف لوكليزيو، رسالة علنية تدين الإبادة الجماعية في غزة..
يخطئ ترامب في حربه على الجامعات الامريكية و على النخب التي رفضت القيود وأعلنت انتصارها لانسانية الانسان و رفضها توحش الاحتلال و فظاعاته ..قد ينجح ترامب في فرض خياراته لبعض الوقت وانتزاع بعض التنازلات و لكن لن ينجح في ذلك طوال الوقت لان الجامعة لا يمكن الا أن تكون حرة مستقلة و لا يمكن للعقول المتحررة أن تصنع النجاح و تضمن التفوق و التميز للاجيال ..الحرب المفتوحة التي يقودها ترامب على الجامعات هي أشبه بحرب طواحين الهواء وهي حرب خاسرة مسبقا ..و الاكيد أن تطويع الجامعة ومحاولة السطو على دورها الاساسي باعتبارها قلعة الحريات والحقوق ستتحول الى لعنة على كل من يؤججها …

كاتبة وصحفية تونسية