نزار القريشي: عودة فرنسا لأفريقيا من بواباتها الكبرى عبر المغرب ومصر و الجزائر

نزار القريشي
إن غياب الضبط العسكري بمنطقة الصحراء الكبرى و الساحل، بسبب غياب و تراجع الحضور الفرنسي بها، يؤكد أن عودة الفرنسيين أصبحت ضرورة ملحة من ضرورات الإقليم، وذلك لضبط الأمن و الاستقرار بهذه المنطقة، وقد تجلى ذلك بعد اللقاءات التي جمعت بين المسؤولين الفرنسيين ونظراءهم في كل من المغرب و مصر و الجزائر، و ذلك وفق ما تمخض عن هذه الاجتماعات من نتائج و بروتوكولات و اتفاقيات، لأن دول إقليم الصحراء الكبرى و الساحل ، في ظل عدم الحضور الفرنسي أصبحت مهددة في و حدة أراضيها، وهو ما يؤكده حمل السلاح في وجه الحكومات المركزية لهذه الدول من طرف جماعات الطوارق و الأزواد المنتشرة بين الصحراء الكبرى و الساحل الأفريقي، وهو ما قد يمتد تأثيره على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “سيدياو”، و يؤدي لتدخل عسكري غربي من خلال القواعد الأمريكية و الفرنسية و الغربية بشكل عام، و المنتشرة بأكثر مناطق القارة ، لذلك اتضحت ضرورة عودة فرنسا إلى محيط و مجالات نفوذ عملها بالقارة، بعد المحاولات المتكررة للكرملين الرامية لتكريس و تثبيت وجوده العسكري عبر “الفيلق الروسي”، في أكثر من منطقة، حيث تسعى روسيا لزعزعة الاستقرار بهذه المناطق ، عبر افتعالها للنزاعات، لتلبية دوافع أطماعها الأحادية بالقارة؛ مما استعجل معه عودة الفرنسيين للقارة من بواباتها الكبرى عبر تفاهمات جمعت بين فرنسا و المغرب و مصر و الجزائر.
لذلك إن تشابك المصالح و اللاتقاطعات حولها في أحيان أخرى ، هي ما دفعت بباماكو للتنديد بالتدخل في شؤونها الداخلية واتهام الجزائر بدعم جماعات مسلحة، وهو نشاط حسب اتهام سلطات مالي، ينطلق تحديدا من مكتب “رشدي فتحي موساوي” مدير عام مديرية الوثائق و الأمن الخارجي، وهو ما ينم عن خلط للأوراق يدعمه “قصر المرادية”، رفضا منه لوجود “الفيلق الروسي” بالمنطقة، فالوجود الروسي يمثل تهديدا للقارة،و يؤشر على إمكانية الاتجاه بها نحوى الفوضى، وعدم الاستقرار على المدى القريب أو المتوسط، لذلك تسعى المقاربة الإقليمية التي تصدر من “الرباط” إلى تقريب وجهات النظر بين الإقليم و الفرنسيين ، وهو ما تأكد في أكثر من تدخل قاده “ياسين المنصوري” مدير مديرية التوثيق و المستندات، في ملفات عدة مرتبطة بالمنطقة و القارة، فبعد أن أصبحت منطقة الصحراء الكبرى و الساحل ساحة صراع بين الغرب و روسيا، و محاولة نسيان أن المنطقة في امتدادها نحو الغرب الأفريقي هي مجال متجذر وخصب للثقافة و السياسة الفرنكوفونية، إذا أخدنا بعين الاعتبار أن غياب الحضور الفرنسي، يعزل المنطقة دوليا، لأن اللغة الفرنسية هي اللغة الأكثر تداولا و شيوعا بأفريقيا في تواصلها مع العالم، هو ما يؤكد أن استشراف الاتجاهات الكبرى في الساحل الأفريقي و الصحراء الكبرى، ستنطلق مستقبلا من الرؤية المشتركة التي تجمع بين قصر الإليزيه و الجيوش الوطنية الأفريقية، و هي رؤية ستتجه بالقارة نحو فرص جديدة، تلغي عزل المنطقة دوليا ، و القضاء على الهشاشة بها، لتثبيت انطلاقها نحو الاستقرار و التنمية ثم الازدهار، لأن مصالح الإقليم متجذرة تاريخيا مع فرنسا، وهو ما يؤكد عليه مكتب “نيكولا لرنير” مدير المخابرات الخارجية الفرنسية، في الاستشارات و التوصيات التي يرفعها للرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون”، لأنه يرى أن منطقة الصحراء الكبرى و الساحل منطقة محورية في العلاقات و التفاعلات بين أفريقيا الاستوائية، و شمال أفريقيا امتدادا للقرن الأفريقي، وهو ما يؤكد أن تسهيل عودة فرنسا بحضورها القوي في أفريقيا، يمكن أن يمر عبر نفوذ المملكة المغربية بالقارة، وهو ما قد يساعد بشكل كبير دول الإقليم ، في ضبط أمنها العسكري، و الرفع من نموها الاقتصادي، عبر الشراكة الإستراتيجية التي تجمع بين فرنسا و المغرب، خاصة في ظل إطلاق العاهل المغربي “محمد السادس” للمبادرة الأطلسية، التي تفتح آفاقا جديدة بانفتاح الإقليم على المحيط الأطلسي، و هو ما سيعود عليه بالتنمية و الازدهار، إذ هذا ما يؤهل الأنظمة الأفريقية و يساعدها في النهوض بأوطانها، و يمنع عنها الوقوع في أزمات جديدة، بسبب الوجود الروسي، المرفوض من أغلب الدول الأفريقية الكبرى، والذي كان سببا غير مباشر من بين عدة أسباب، في اشتداد الحرب الأهلية بالسودان، على هامش تفاهمات سابقة بين الجيش السوداني والجيش الروسي حول إنشاء قاعدة “بورتسودان” ، و التي كان من شأنها المساهمة في التشويش على الوجود الأمريكي و الفرنسي و البريطاني، بالقرن الأفريقي والشرق الأوسط و باب المندب ، لذلك فإن مستقبل الشراكة الأفريقية –الفرنسية،عبر تنسيق “باريس” مع “أفريكوم” بألمانيا و بإسناد من أكوم المنطلق من إيطاليا، وعبر البريطانيين بجبل طارق، هو ما يضمن أمن أفريقيا واستقرار جيوشها الوطنية، ويصد في الآن ذاته، تحركات “الكرملين” في القارة، التي تحاول الانطلاق من شرق ليبيا إلى منطقة الصحراء الكبرى و الساحل لخلط أوراقها ؛ مما قد يفاقم من أزمات القارة الأفريقية، وهو ما يرى معه خبراء عسكريون كثيرون ، ضرورة عودة الجيش الفرنسي للمساعدة في تدبير الملفات العسكرية و الاقتصادية العالقة بالقارة الأفريقية ، في حين يسعى الكرملين عبر ” الفيلق الروسي”، لإصدار أزمات متجددة تضمن عدم الاستقرار، لأنه يرى في ذلك استمرارا لوجوده بالقارة، و هو ما ترفضه الدول الأفريقية الكبرى،و بإسناد قوي من وزارة الجيوش الفرنسية.
صحافي مغربي