بين استئناف المفاوضات وتهديدات الحرب العالمية الثالثة.. من يحدد شروط إنهاء الصراع الأوكراني الروسي؟

الدكتورة حسناء نصر الحسين
بين مد وجزر تسير عربة المفاوضات الروسية الاوكرانية التي عادت خلال الأيام القليلة الماضية لتكون نقطة المركز ضمن الأحداث العالمية التي بات ينظر اليها الاطراف اللاعبين على أنها معركة كسر عظم، وكسر ارادات لدول شكلت أعمدة النظام العالمي وانهيار أحدها يعني انهيار للمنظومة الدولية الفاعلة حاليا وصعود قوى اخرى.
من هنا يجلس العالم يراقب المستجدات التي ارتفع فيها صوت النار بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمقاطعة كورسك وما نتج عنها من محاولة الاغتيال الفاشلة التي اعلن عنها كبار الضباط الروس ، لتحل محل التهدئة والذهاب لمفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف مما وضع قيود جديدة تعرقل عملية التفاوض وتكتب فصلا جديدا قد يكون أكثر تعقيدا من كل المراحل السابقة ، ويضع العالم على حافة الهاوية بعد أن كان تنفس الصعداء بعد المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب وبوتين والتي كانت من المفترض أن تعمل على تقريب وجهات النظر من خلال فهم طبيعة هذا الصراع وهذا ما ركز عليه بوتين خلال هذه المحادثة التي وصفها كلا الزعيمين بأنها جيدة وبناءة، إذن يحق لنا أن نتساءل عن الحدث الذي أدى إلى توتر العلاقات بين ترامب وبوتين ودفع سيد البيت الأبيض لاطلاق تصريحات نارية ضد الكرملين وكيف أتى الرد المضاد من نائب الرئيس بوتين والتلويح بالحرب العالمية الثالثة .
على الرغم من تشكيك كييف في محاولة الاغتيال ونفيها أن تكون قد حصلت الا ان هذا التقارب الامريكي الروسي الذي ازعج الدول الغربية التي شعرت بالقلق منذ حملة ترامب الانتخابية ، قد تكون صاحبة اليد الطولى في عرقلة مسار التفاوض لإطالة أمد الحرب والأبقاء على حالة الاستنزاف لروسيا بكل مؤسساتها وهذا يفسر سماح الغرب لاوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي ، اما اذا أردنا ان نبحث عن الاسباب الأكثر أهمية بالنسبة للناتو فهي تتمثل في منع حصول التقارب الروسي الامريكي وهذا ما نجحت فيه من خلال محاولة اغتيال بوتين وما نتج عن هذه العملية من تصعيد روسي وصفه ترامب بالجنون واللعب بالنار وكأن أوروبا تغامر بالأمن العالمي للحصول على موقف من البيت الأبيض يدين فيه الكرملين ويمنع هذا التقارب الذي ترى فيه تهميشا كبيرا لحضورها على الساحة الدولية ، خاصة وان ترامب كان قد صرح مرارا وتكرارا بأن على الناتو أن يدفع لنا وبأن الناتو مجرد مستهلك للمال الامريكي ، وبين عقلية رجل الأعمال ورجل الأمن تختلف الرؤى في مكان وتتفق في آخر لتبقى الأولويات والخطوط الحمر مرهونة بمخاوف تشكل الجغرافية الاقتصادية أحد ابرز متطلباتها .
من هنا نرى أطراف النزاع يحاولون تحويل ازماتهم إلى فرصة لتحقيق أهدافهم والكل بحاجة لاتفاق وقف الحرب لكن ، كل منهم يريد انهاءها وفقا لشروطه ، لذلك اقول بأن مسار انهاء الحرب مازال طويلا ونحن الآن في احد فصولها التي قد تكون أكثر سخونة وتأثير وفيها إعادة خلط للأوراق وقد يدخل اليها لاعبين جدد كان قد اشار لهم مستشار البيت الأبيض وليد الفارس من القوقاز والجهاديين من جنوب شرق آسيا وهذا المتغير لو حدث سيربك صانع القرار الروسي ويشغل الجيش الروسي بالحرب على جبهتين وفي هذا إشارة لتكرار السيناريو الذي تسبب بانهيار الاتحاد السوفيتي مع الإشارة ولعل هذا ما كان يرمي اليه الرئيس ترامب من خلال تصريحه بأن اي محاولة للسيطرة على كل أوكرانيا تعني سقوط روسيا، فهل تفعلها أمريكا ترامب وتفتح الباب للجهاديين أم أن الخوف من الحرب العالمية الثالثة بالنسبة لرجل الصفقات ستدفعه لممارسة ضغوط أكبر على أطراف النزاع ودفعهم للجلوس على الطاولة.
الخلاصة:
لا أحد يستطيع نكران بأن العالم يعيش أجواء الحرب العالمية الثالثة ، والصراع الحاصل بين قوى تشكل أعمدة النظام الدولي ما هو إلا حرب عالمية تهدف لتحقيق مصالح اساسها الاقتصاد من هنا ارى ان الرئيس ترامب سيعمل على ممارسة الضغوط القصوى على كافة الاطراف وكان قد بدأ بزيلنسكي مرورا بالضغوطات الاقتصادية المتمثلة بالرسوم الجمركية على الدول الغربية وانتهاء بالتصعيد مع بوتين وقد يكون خيار قبول الاطراف بالتهدئة والعودة للمفاوضات هو الخيار الامثل لكل الاطراف مع الحفاظ على معادلة رابح – رابح للكبار فقط ضمن مسار تفاوضي طويل الأمد .
باحثة سورية في العلاقات الدولية