“ورقة ويتكوف”: تحيز واضح وتعزيز للسيطرة الإسرائيلية

“ورقة ويتكوف”: تحيز واضح وتعزيز للسيطرة الإسرائيلية

 

 

إبراهيم المدهون

في ذروة العدوان المتواصل على قطاع غزة، وبينما تتعالى الأصوات الدولية الداعية إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار، خرج المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بورقة تفاوضية يفترض أن تُمثّل خارطة طريق نحو تهدئة إنسانية ومسار سياسي مستدام. إلا أن القراءة الدقيقة لمضمون هذه الورقة تُظهر أنها جاءت منقوصة، مشوّهة، ومنحازة بالكامل للرؤية الإسرائيلية، حتى بات بالإمكان تسميتها دون تردد: “الورقة الأميركية-الإسرائيلية”.

انحياز كامل في ملف الأسرى

الورقة تبنّت بشكل سافر شروط الاحتلال في ملف التبادل، سواء فيما يخص التوقيت، أو العدد، أو آلية التسليم. فهي تضع جميع مطالب الحكومة الإسرائيلية في الواجهة، متجاهلة بالكامل التصورات التي قدّمتها حركة حماس، خصوصًا ما يتعلق بتجزئة الإفراج عن الأسرى وربطه بمراحل التهدئة ووقف إطلاق النار، وهو ما يُعدّ نسفًا لفلسفة التفاوض التي أرستها الحركة منذ بدء العدوان.

المساعدات: تجويع مشرعن

أما في الجانب الإنساني، فلم تخرج الورقة عن المنطق الاحتلالي ذاته، إذ لم تتعامل مع المساعدات كحق إنساني غير قابل للتفاوض، بل ربطتها بـ”ما يتم الاتفاق عليه”، وكأنّ الغذاء والدواء والوقود باتت أوراق ضغط تُدار على طاولة المساومات، لا التزامات دولية مفروضة بحكم القانون الإنساني والدولي. هذا التوجّه يُعدّ محاولة مفضوحة لشرعنة الحصار، وإعادة إنتاج سياسة التجويع ضمن إطار تفاوضي مغلّف بالدبلوماسية.

وقف الحرب… بيد نتنياهو

الأكثر خطورة أن الورقة لم تتضمّن أي ضمانة حقيقية لوقف الحرب أو حتى لوقف إطلاق نار طويل الأمد. بل تركت هذه المسألة مرهونة بـ”اتفاق الطرفين”، ما يعني فعليًا إبقاء القرار النهائي في يد نتنياهو، الذي أثبت خلال الأشهر الماضية تهرّبه من أي التزام أو تفاهم، وانغماسه في تحقيق مكاسب سياسية داخلية على حساب دماء الأبرياء في غزة. كما أن مدة التهدئة المقترحة لا تتجاوز 60 يومًا، مع حديث فضفاض عن “إمكانية التمديد”، دون أي التزام واضح من الوسطاء أو ضمانات أميركية أو دولية مُلزِمة.

لا انسحاب.. لا عودة نازحين.. لا أفق سياسي

في ظل هذه الصيغة، تغيب كل العناصر الجوهرية لأي حل مستدام: لا انسحاب فعلي لقوات الاحتلال، لا عودة آمنة للنازحين، ولا أفق سياسي واضح. بل تبدو الورقة محاولة لإعادة تدوير الأزمة، لا حلّها. وهي تتجاهل تمامًا واقع الاحتلال على الأرض، ولا تضع حدًا لسياسة القتل الجماعي والتجويع والتدمير الممنهج التي يتعرض لها المدنيون منذ أكثر من 600 يوم.

موقف حماس: صمت مدروس وانتظار اللحظة

حتى الآن، لم تُصدر حركة حماس موقفًا رسميًا تجاه الورقة، ما يشير إلى تعاطٍ حذر ومدروس. فمن الواضح أن الحركة بصدد فحص دقيق لتفاصيل المقترح، قبل أن تُقدّم ردّها في التوقيت المناسب. وهذا النهج يعكس حكمة سياسية وتجربة تفاوضية عميقة، بعيدًا عن ردود الأفعال المتسرعة.

خلاصة المشهد

ورقة ويتكوف بصيغتها الراهنة لا تصلح أساسًا لتفاهم حقيقي، ولا يمكن البناء عليها لتحقيق تهدئة إنسانية أو حل سياسي. بل هي محاولة لتجميل الانحياز الأميركي، وفرض صيغة تفاوضية تُعيد تموضع الاحتلال دون أن تحمّله مسؤولية جرائمه. وفي حال تمّ تمريرها بصيغتها الحالية، فستُشكّل انتكاسة للمسار السياسي، وتكريسًا لمعادلة القوة الغاشمة بدلًا من منطق العدالة والحقوق.

إن مسؤولية الإدارة الأميركية لا تقف عند طرح المبادرات، بل تمتد إلى توفير ضمانات واضحة وملزِمة، تضمن وقف الحرب، ورفع الحصار، والبدء بمسار سياسي جاد، يرتكز إلى الحقوق الوطنية الفلسطينية، لا إلى مزاج نتنياهو وحساباته الداخلية.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني