عادل عبد العاطي: السودان: هل ستُعتبر حكومة كامل إدريس حكومة فعّالة وقوية؟

عادل عبد العاطي
مقدمة:
ادى تعيين الدكتور كامل ادريس رئيساً للوزراء الى احياء الامل في تكوين حكومة رشيقة وقصيرة الظل الاداري في السودان، وهو نهج نهجته الكثير من الدول ونجحت فيه، وقد طرحنا هذا المطلب منذ منذ عام ٢٠١٧، في برنامج سودان المستقبل.
كما طرحنا هذا النهج اثناء النقاشات لتكوين الحكومة الانتقالية في عام ٢٠١٩, وذلك باعتماد هيكل “حكومة رشيقة” يضم 13 وزارة اتحادية، مع مجالس استشارية تطوعية ونوعية، لتفادي التكرار المؤسسي وتقليص البيروقراطية. وقد قدّمنا آنذاك مسودات تفصيلية مبنية على دراسات مقارنة وحاجات السودان التنموية، إلا أنها لم تجد مسارها للتطبيق الكامل .
الحاجة لحكومة رشيقة اليوم:
اليوم في ظل التحديات الاقتصادية الحادة التي يواجهها السودان ، بسبب تكاليف الحرب وانخفاض الدخل القومي الاجمالي باكثر من الثلث، وما نتج عنه من ازمات على المواطنين، من تراجع في العوائد النفطية والزراعية، يصبح لزاماً على حكومة كامل إدريس أن تتبنّى نموذجاً إداريّاً رشيقاً، خفيفاً، وفعالاً في آنٍ واحد.
ان تكوين هذه الحكومة الرشيقة سيساهم في خفض التكاليف العامة في ظل العجز الهيكلي الذي تعاني منه الميزانية ، وللإفراج عن مبالغ ضخمة تُنفق حالياً على وزارات وموسسات متكاثرة دون جدوى، و رواتب ومخصصات ومكاتب مساعدة تستهلك من دون عائد ، بحي يمكن اعادة توجيهها نحو دعم المجهود الحربي او تنفيذ مشاريع خدمية عاجلة.
كما ان تكوين حكومة رشيقة سيكفل الكفاءة في إدارة العمل، حيث تنخفض حالات تكرار المهام وتداخل الاختصاصات، ما يؤدي إلى تقليص الهدر المالي والإداري.
وتكفل رشاقة الحكومة اختصار مستويات اتخاذ القرار: للأسف، فإن انتشار المساعدين والوكلاء و الأجهزة الموازية قد أوجد “ظلاً” يبطئ الاستجابة ويشوّه المساءلة.
وتتيح الحكومة الرشيقة شفافية أكبر، فوجود جهاز حكومي بمستويات أقلّ يتيح مراقبة أوضح لأداء المسؤولين وتقارير دورية مبسطة. كما يعزز ذبك من دور الرقابة الأفقية والمجتمعية، فعندما يصغر حجم الحكومة يُصبح من السهل إشراك الرأي العام والمجتمع المدني في متابعة التنفيذ، وتفعيل الرقابة الشعبية.
الهيكل المثالي المقترح لحكومة الاصلاح القادمة:
ان الهيكل المثالي الممكن للحكومة في تقديري يكمن في تقليص اعضاء المجلس السيادي إلى 3 أعضاء فقط، يمثل احدهم الجيش بينما يكمن الاثنان الاخران من المدنيين، ممثلين لغرب السودان وشرفه، وبمهام شرفية حصراً
لتمثيل السلطات المدنية والعسكرية بصورة متوازنة.
بالمقابل اقترح تثبيت دور مجلس الأمن والدفاع الوطني كهيئة دستور معنية بقضايا الامن والدفاع الاستراتيجية ، ويتضاعف دورها نسبة لما تتعرض له البلاد من حرب. هذا المجلس يمكن ان يضم قادة الجيش والقوى النظامية، موقّعي اتفاق جوبا، وبعض الوزراء الأساسيين، ليكون جهة عليا لصياغة ومتابعة السياسات الأمنية والدفاعية.
من الجانب الثالث اقترح ان تتكون الحكومة الاتحادية من رئيس الوزراء و(13 وزيراً)، هم وزير شوون الرئاسة، وزير الزراعة والثروة الحيوانية والموارد المائية والغابات، وزير التعدين والطاقة والصناعة، وزير البنى التحتية والتخطيط العمراني والإسكان والبيئة واعادة البناء، وزير الماليّة والاقتصاد والاستثمار، وزير التعليم والعلوم والتقنية، وزير الصحّة والشؤون الاجتماعية، وزير الدفاع، وزير الداخلية والحكم المحلي، وزير العدل والنائب العام، وزير الخارجية والتعاون الدولي والمهجر، وزير الثقافة والاعلام ، وزير الاصلاح الموسسي.
ماذا على المستوى الاقليمي:
في اللحظة الحالية لا نحتاج الى كل هذا الترهل الولائي والى الفوضى الادارية، حيث هناك اقليمان معترفان بهما والبقية ولايات.
لذلك اقترح تقسيم السودان الى (6 أقاليم ) هي الشمالي والشرقي والاوسط وكردفان ودارفور والخرطوم، وان يكون لكل اقليم حكومة اقليمية تتكون من حاكم الاقليم و5 وزراء، هم:
وزير الشؤون الاقتصادية والموارد غير الزراعية، وزير الشؤون الزراعية والامن الغذائي، وزير الشؤون التعليمية والثقافية، وزير الشؤون، الصحية والاجتماعية، وزير الشؤون الإدارية والحكم المحلي.
بتقسيم البلاد إلى ستة أقاليم فقط، تتقسم داخلياً الى محليات، يمكن توجيه التنمية المحلية بسرعة ، والتكيّف مع خصوصيات كل اقليم، مع تقليل الازدواج الإداري.
خاتمة
إن تطبيق هذا النموذج البسيط والفعال من شأنه أن يطلق العنان لحكم فعال في السودان ، وذلك عبر توجيه الموارد إلى الأولويات الحقيقية: الأمن، التعليم، الصحة، والبنى التحتية. ايضا يضمن وضوح المسؤوليات بين الوزارات ويقلّص تضارب الاختصاصات، كما يحقق فصل السلطات، حيث يتم الفصل الواضح بين المجلس السيادي كجسم شرفي، ومجلس الوزراء كجهة تنفيذ، ومجلس الامن والدفاع كجسم سياسي / امني / استراتيجي.
ان الحكومة الرشيقة التي كنا ندعو إليها منذ عام 2017، باتت اليوم أكثر إلحاحاً ، بعد ان ضاقت موارد الدولة وزادت والاحتياجات. إن حكومة كامل إدريس الرشيقة ليست خياراً بل أصبحت ضرورة وطنية.
كاتب سوداني