“محكمة غزة”: تسجيل لغياب القانون الدولي وانعدام الإنسانية

“محكمة غزة”: تسجيل لغياب القانون الدولي وانعدام الإنسانية

 
سراييفو / إسماعيل أوزدمير / الأناضول
بينما تواصل إسرائيل عدوانها الوحشي على قطاع غزة، يوثق أعضاء مبادرة “محكمة غزة” حجم الجرائم المروعة التي ترتكبها تل أبيب بحق المدنيين الفلسطينيين، رافعين الصوت عاليًا لفضح “مقبرة القانون الدولي والضمير الإنساني”.
و”محكمة غزة” هي مبادرة دولية مستقلة، تأسست في العاصمة البريطانية لندن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، من قبل أكاديميين ومثقفين ومدافعين عن حقوق الإنسان وممثلي منظمات مدنية، بسبب “فشل المجتمع الدولي تماماً في تطبيق القانون الدولي بقطاع غزة”.
وتُعقد المحكمة بدعم من منتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي، المكون من 66 منظمة شبابية عضواً، بما في ذلك 50 منظمة شبابية من الدول الأعضاء و16 منظمة شبابية دولية تمثل الأقليات المسلمة.
البروفيسورة بيني غرين، عضو المبادرة وأستاذة القانون والعولمة في جامعة كوين ماري بلندن، قالت إن معظم دول الغرب لم تلتزم الصمت فحسب تجاه الفظائع التي تحدث بغزة، بل دعمت إسرائيل بصوت مرتفع.
حديث غرين جاء خلال أول جلسة علنية لمبادرة “محكمة غزة” التي عقدت في العاصمة البوسنية سراييفو، بحضور أكاديميين ومفكرين ومدافعين عن حقوق الإنسان وممثلي وسائل إعلام، حيث يسعون لإيصال حقيقة الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين إلى العالم أجمع.
والاثنين انطلقت في سراييفو جلسات المبادرة للتحقيق في جرائم الحرب التي تواصل إسرائيل ارتكابها في غزة، بين شهادات الناجين وتحقيقات الخبراء، وفق مراسل الأناضول.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي وتواطؤ غربي إبادة جماعية، متجاهلة نداءات دولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها، مخلفة 177 ألف قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، و11 ألف مفقود، ومئات آلاف النازحين ومجاعة قتلت كثيرين.
** “نحن هنا لكشف جرائم إسرائيل وتوثيقها”
وفي حديثها لمراسل الأناضول ذكرت غرين أنها وزملاءها يقفون أمام المحكمة شاهدين على المرحلة المدمرة من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
وتابعت: “نحن هنا شهود لتوثيق الجرائم تاريخيًا وتركها إرثًا للأجيال القادمة، جلبنا إلى هنا العديد من الخبراء والأكاديميين والصحفيين الذين رصدوا هذه الإبادة وكتبوا عنها”.
“إلى جانب فلسطينيين يمكنهم الحديث مباشرة عن طبيعة الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها. هدفنا هو تسجيل هذه الجرائم بشكل دائم وتوثيقها كمرجع للتاريخ”، وفق عضو المحكمة.
وأشارت إلى أن المجتمع المدني كان دائمًا في مقدمة المدافعين عن العدالة، ذلك أن الإجراءات القضائية الدولية بطيئة للغاية، ولا تملك قوة لإجبار إسرائيل على وقف الإبادة، لذلك فإن دور المجتمع المدني بتعريف وتوثيق الجرائم مركزي وأساسي.
وانتقدت غرين الموقف الغربي، قائلة: “بينما كان ملايين الناس العاديين يسيرون في الشوارع دفاعًا عن الفلسطينيين، دعمت حكوماتهم القصف والحصار والتجويع، بل وقمعوا أولئك الذين تجرأوا على معارضة الإبادة، وأيدوا إسرائيل بصوت مرتفع”.
** إسرائيل تتلقى دعمًا غربيًا
وأكدت غرين أن إنهاء الإبادة كان ممكنًا لو أوقف الغرب دعمه لإسرائيل، وأضافت أنه “لو أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو السابق جو بايدن التمويل لإسرائيل لما استمرت هذه الإبادة، إسرائيل موجودة وتستمر بفضل دعم أمريكا والغرب”.
وأشادت أستاذة القانون بدور جنوب إفريقيا وبعض الدول الداعمة في تقديم القضية أمام محكمة العدل الدولية.
وقالت: “إيرلندا وإسبانيا أيضًا تدعمان هذا المسار، لكن الأغلبية في الغرب لم تلتزم الصمت فحسب، بل دعمت إسرائيل بصوت عالٍ، وهاجمت من يدافعون عن الفلسطينيين”.
كما شددت على أهمية الضغط الشعبي، قائلة: “حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل هي من أقوى الأدوات. عندما تتوسع هذه الحملات، يمكن أن تُحدث ضغطًا ليس فقط على إسرائيل، بل على الحكومات الغربية التي تدعمها”.
** “محكمة غزة” محطة للشهود وللأمل
بدوره، قال أحمد كور أوغلو، منسق مشروع “محكمة غزة” وأستاذ القانون في جامعة إسطنبول، إن الجلسات الأولى للمحكمة عُقدت بالفعل، وقُدمت الشهادات الأولى، وتم تقسيم العمل إلى ثلاث لجان تغطي القانون الدولي والسياسة والأبعاد الأخلاقية والتاريخية للإبادة.
وأوضح أنهم استمعوا إلى شهود عيان عاشوا فظائع الإبادة في غزة، بعضهم تحدث بصفة سرية لحماية هويتهم، وسيتم استكمال التقييمات لاحقًا في جلسة مقررة بإسطنبول.
وتابع كور أوغلو قائلًا: “صحيح أن المحكمة الشعبية لا تملك قوة التنفيذ، لكنها تنبع من حاجة الإنسانية إلى التحرك عندما يفشل النظام القضائي الدولي. إذا لم يجد القانون الدولي والسياسة حلولًا، فعلى البشر أنفسهم أن يتحركوا ويتحملوا المسؤولية”.
وأشار إلى أن هذه المبادرة تمثل صرخة ضمير ضد الإبادة، وقال إنه في أكتوبر المقبل، عندما يصدر إعلان في ختام جلسات إسطنبول، سيعرف الجميع أن هناك من لم يبق صامتًا.
“هناك من وثق وتحدث، وربما بعد 50 أو 100 عام، سيعود الناس إلى هذه الوثائق كمصدر للتاريخ”، وفق ما أفاد كور أوغلو.
– “غزة.. مقبرة القانون الدولي”
من جانبه، قال المحامي المتخصص في القانون الدولي عضو المحكمة، محمد قارلي، إن اختيار سراييفو لعقد الجلسة يحمل رمزية خاصة، كونها شهدت آخر جريمة إبادة في أوروبا خلال الحرب البوسنية.
وأوضح قارلي أن فكرة المحكمة جاءت ردًا على التجاهل المتعمد من المجتمع الدولي لجرائم إسرائيل، قائلًا: “بينما تحتج الدول الكبرى على ما يحدث في أوكرانيا أو أماكن أخرى، فإنها تغض الطرف عما يجري في غزة”.
وأضاف: “من واجبي كخبير قانوني أن أقول إن ما نقوم به هنا هو ضرورة مهنية وأخلاقية. نحن هنا لأن غياب الفعل من جانب المجتمع الدولي يفرض علينا نحن الأكاديميين والمثقفين والكتاب أن نتحمل المسؤولية”.
وأكد أن “غزة ليست مجرد مكان يُقتل فيه عشرات الآلاف، بل هي أيضًا موقع لدفن القانون الدولي والضمير الإنساني”.
وختم: “ما نحاول القيام به هنا هو إعادة إحياء القانون الدولي من تحت ركام غزة، وإعادة إحياء فكرة العدالة والإنسانية”.
وفي وقت سابق الخميس أدانت “محكمة غزة” جرائم الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني والتعذيب والتدمير التي ترتكبها تل أبيب، في البيان الختامي الذي أعلنه أعضاء المحكمة عقب جلساتها التي بدأت في 26 مايو/ أيار.
وأكد البيان حق الشعب الفلسطيني في جميع أشكال النضال بما فيها المقاومة المسلحة كما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومن المقرر أن تعقد الجلسة الختامية التي سيُصدر فيها القرار النهائي بمدينة إسطنبول خلال أكتوبر، حيث سيستمع فريق المحكمة، الذي يضم شخصيات متخصصة في مجالات القانون والثقافة والسياسة والمجتمع المدني، إلى شهادات الضحايا والشهود.
ومن المرتقب أن تحاكم إسرائيل غيابيًا من قبل أعضاء المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة.
وتهدف المحكمة إلى أن تُجري محاكماتها بشفافية كاملة، بعيدًا عن التأثيرات السياسية، وبلا قيود، وضمن جدول زمني واقعي.