“ليس من حقه التنحي” .. “حسنًا، سأبتعد” .. مسرحية الرئاسة starring أردوغان: كيف يخطط لتقديم مشهده الأخير، وهل يحتاجه الشعب التركي؟ وما هو مصير أنباء عودة صهره “البيرق” نائبًا للرئيس رغم مسؤوليته عن أسوأ أزمة اقتصادية؟

عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
يبدو أنّ تركيا ذاهبة إلى “رئاسةٍ أبدية”، يبقى فيها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان رئيسًا أبديًّا، وذلك حتى يأخذ الله أمانته، أو ينتهي به الحال انقلابًا، أو خسارة في انتخابات رئاسية.
ورُغم أنّ الرئيس أردوغان، قد وعد بأنه سيترك السلطة مع نهاية ولايته، على خلفية دعواته لتعديل الدستور الأخيرة، يبدو أن الرئيس التركي لن يصدق في تصريحاته، وسيعود على خلفية رغبة الشعب ببقائه.
في هذا السياق، قال حسين يامان، مساعد رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس لجنة الإعلام الرقمي في البرلمان، خلال فعالية حزبية بولاية موغلا:”لا تقلقوا، شعبنا يحب رجب طيب أردوغان، وسنعمل على إعادة انتخابه رئيسًا، ونوجه نداءنا من هنا إلى الرئيس: نطلب منك الترشّح من جديد”.
يُدرك الرئيس التركي أنه سيترشّح من جديد، ولكن يبدو أنه يريد إظهار رغبة شعبية في بقائه رئيسًا، رغم زهده المزعوم بالرئاسة، حيث لا يسمح له الدستور الحالي أساسًا بالترشّح لولايةٍ ثالثة، إلا إذا اختار الذهاب لانتخابات باكرة، وهو خيار لا يُريده أردوغان، ويسعى لتعديل الدستور، حيث أكد أنه حان لكتابة دستور مدني جديد بدلًا من الالتفاف على القوانين الحالية.
ولأردوغان تصريح قديم اشتهر من سنوات حول تنحّيه قائلًا: “إذا قالت الأمة يوماً كفى (تمام بالتركية) عندها سأتنحّى جانبًا”.
حليف أردوغان زعيم الحركة القومية دولت بهجلي، والذي بطبيعة الحال قد شارك في “طبخة” تصريحات (أردوغان) حول عدم اعتزامه الترشّح، ذهب لأبعد من ذلك وقال: إن الرئيس “ليس لديه الحق في التنحّي، والشعب التركي بحاجة إلى قيادته”، وهذا دعم صريح من التيار القومي لاستمرار أردوغان في الحكم مهما كانت التحديات القانونية.
ومن غير المُمكن للرئيس التركي وتحالف “الجمهور” الذي يتكون من أحزاب محافظة أبرزها “الحركة القومية”، وضع دستور جديد في البلاد دون الحاجة إلى دعم المعارضة، وذلك بسبب إلزام القانون التركي بموافقة 360 نائبًا على الأقل من أصل 600 نائب في البرلمان.
المُعارضة التركية من جهتها، تتحرّك هي الأخرى، وتدرك أن الرئيس التركي سيترشح، وعليه وقعت واقعة اعتقال أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، باتهامات فساد، وإرهاب، حيث تواصل حملة لجمع التوقيعات من أجل المطالبة بانتخابات مبكرة، إلى جانب الضغط لإطلاق سراح إمام أوغلو، وهو المُنافس الأقوى لأردوغان في أي استحقاق انتخابي قادم، الأمر الذي يُفسّر مُحاولة إقصائه عن المشهد.
وفيما يتحرّك الرئيس التركي للبقاء في الحكم لولاية ثالثة، تتصدّر الواجهة التركية أنباء عن عودة مُحتملة لبيرات البيرق، صهر الرئيس أردوغان ووزير المالية والطاقة السابق، إلى دوائر الحكم عبر تعيينه في منصب نائب رئيس الجمهورية بصلاحيات تنفيذية تشمل خمس وزارات.
وتُطرح تساؤلات كبيرة، حول أسباب رغبة أردوغان في إيكال منصب نائب الرئيس لصهره، حيث شهدت تركيا واحدة من أعنف أزماتها الاقتصادية، حيث انهارت الليرة التركية وتراجعت الثقة في السياسات النقدية، ما أثار انتقادات واسعة داخل الأوساط الاقتصادية، وما إذا كانت عودته اقتصادية، أم سياسية ليأخذ مكان أردوغان لاحقًا.
ويبدو أن الرئيس التركي لا يزال مُقتنعًا بسياسة خفض الفوائد، فالإعلام الناطق باسم الحكومة هاجم رفع الفائدة، وقالت صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي في عنوان: “ارتفعت الفائدة، صعد الدولار، تفاقم التضخم، توقفت الصناعة، وتراجع الإنتاج”، وذلك نقد مباشر لوزير المالية الحالي محمد شيمشك وسياسات البنك المركزي.
يأتي هذا، في ظل تصاعد التكهّنات في تركيا حول تغيير واسع ووشيك في حكومة أردوغان قد يجري قبل مُنتصف يونيو (حزيران) المُقبل.
وتولّى أردوغان رئاسة البلاد لأول مرة عام 2014، ليكون الرئيس الـ12 في تاريخ الجمهورية التي تأسست عام 1923، وبعد تعديل دستوري عام 2017 انتخب رئيسًا مرتين، الأولى في انتخابات 2018، والأخرى في 2023.
قد يُمارس الرئيس أردوغان بكُل حال، حيله وألاعيبه السياسية للبقاء حتى الموت رئيسًا لتركيا، ولكن يبدو مُستقبل حزبه الحاكم “العدالة والتنمية” من بعده موضع تساؤل، وهل يستطيع هذا الحزب البقاء من دون صاحبه، وهل هناك شخصية جامعة تستطيع حكم الأتراك من خلال نافذة الحزب الحاكم الحالي من بعد “السلطان أردوغان”، أم أن سُقوط “العدالة والتنمية” حتمي، تمامًا كما تسقط أحزاب السلطة الحاكمة وتنتهي تمامًا بعد رحيل رؤوسها، وفي العراق وسورية “البعث” أكبر مثال على هذا!