شركات أمريكية تعتمد “بيتكوين” كأصل رئيسي.. هل هي مخاطرة مالية أم استراتيجية استثمارية مبتكرة؟

شركات أمريكية تعتمد “بيتكوين” كأصل رئيسي.. هل هي مخاطرة مالية أم استراتيجية استثمارية مبتكرة؟

لندن-راي اليوم
حذّر تقرير تحليلي نشرته صحيفة فايننشال تايمز من تصاعد اتجاه بعض الشركات الأميركية نحو اعتماد “بيتكوين” كأصل مالي رئيسي ضمن نماذج أعمالها، بدلاً من الاحتفاظ بالنقد التقليدي أو توزيعه على المساهمين. وأكد التقرير أن هذا التحول ينطوي على مخاطر مالية جدية، وسط شكوك واسعة بشأن استدامته.
ووفقاً للتقاليد المالية المتعارف عليها، فإن الشركات عادةً ما تتجنب الاحتفاظ بكميات كبيرة من السيولة النقدية، ويفضل بدلاً من ذلك إعادة توزيع الأرباح على المساهمين، ليقرروا بأنفسهم كيفية استثمارها. ومع ذلك، أصبحت شركات عملاقة مثل “آبل” و”بيركشاير هاثاوي” أشبه بخزائن مالية ضخمة، دون اعتراض يُذكر من قبل المستثمرين.
الجديد في المشهد المالي هو توجه عدد متزايد من الشركات نحو التخلي حتى عن الدولار، واللجوء إلى اعتماد “بيتكوين” كأصل مالي بديل. من أبرز هذه الشركات “ترامب ميديا آند تكنولوجي غروب”، التي جمعت تمويلاً قدره 2.5 مليار دولار لهذا الغرض. وتنضم إلى هذا التوجه شركات أخرى مثل منصة “رامبل” المحافظة، وشركة “غيم ستوب” التي عرفت بتقلبات أسهمها، بالإضافة إلى شركة “تسلا” بقيادة إيلون ماسك. وتظل شركة “إستراتيجي” – الاسم الجديد لمايكروستراتيجي – الأضخم في هذا المضمار، حيث تمتلك ما يعادل 64 مليار دولار من “بيتكوين”.
ويستعرض التقرير ثلاثة دوافع رئيسية تبرر بها هذه الشركات هذا التوجه:
الرهان على ارتفاع السعر: إذ ترى هذه الشركات أن الاستثمار في “بيتكوين” قد يحقق أرباحاً مستقبلية كبيرة، رغم ما ينطوي عليه هذا الرهان من تقلبات وغموض. ويشير محللون إلى أن المستثمرين الراغبين في مثل هذه المكاسب يمكنهم شراء “بيتكوين” بشكل مباشر دون وساطة الشركات.
الهندسة المالية: مثلما تفعل “إستراتيجي”، التي تلجأ إلى إصدار سندات قابلة للتحويل وأسهم ممتازة بشروط مغرية، بغرض جمع تمويل إضافي لشراء المزيد من العملات الرقمية.
القناعة الأيديولوجية: يؤمن بعض رواد الأعمال أن “بيتكوين” هو مستقبل المال. على سبيل المثال، عبّر مات كول، مدير شركة “سترايف”، عن اعتقاده بأن “بيتكوين” يجب أن يكون المعيار الأساسي لقياس أداء الاستثمارات، مشبهاً شركته بـ”بيركشاير هاثاوي” ولكن في عالم “بيتكوين”.
أما شركة “ترامب ميديا” فتشير إلى أن استخدام “بيتكوين” يمكن أن يسهم في بناء منظومة مالية متكاملة، تشمل الاشتراكات الرقمية وإصدار رموز رقمية (NFTs). في المقابل، تخطط “رامبل” لإطلاق محافظ عملات رقمية ضمن خدماتها المستقبلية.
وفي خطوة لافتة، أعلنت “سترايف” عن نيتها جمع 1.5 مليار دولار لاستثمارها في ما وصفته بـ”استراتيجيات تفوق السوق”، تشمل شراء شركات منخفضة السيولة وتحويلها إلى أصول تعتمد على “بيتكوين”.
ومع ذلك، يؤكد التقرير أن الغالبية العظمى من المستثمرين لا تزال تفضّل الأصول التقليدية التي توفّر تدفقات نقدية منتظمة وقابلة للتنبؤ. ويعتبر محللون هذا التوجه بمثابة “مقامرة عالية المخاطر” تستلهم نموذج شركة “إستراتيجي”، التي تُتداول أسهمها حالياً بأكثر من 1.6 ضعف قيمة ما تمتلكه فعلياً من “بيتكوين”.
ويختتم التقرير بالتحذير من أن الأسواق المالية، رغم شغفها بالمغامرات، ما تزال تعتمد على الأصول الحقيقية كمعيار رئيسي، مشدداً على أن “بيتكوين” يظل رهاناً غير مضمون، يسعى البعض لترويجه كنموذج استثماري جديد.