علي العيزري: الترجمة الأدبية بين الشغف والصعوبات المستمرة

علي العيزري: الترجمة الأدبية بين الشغف والصعوبات المستمرة

 

علي علي العيزري
الترجمة الأدبية ليست مجرد نقل للكلمات من لغة إلى أخرى؛ إنها عملية إبداعية عميقة تتطلب حسًا فنيًا وقدرة على فهم روح النص الأصلي. ولأنني مغرم بهذا الفن، فالترجمة الأدبية جسر يربط بين الثقافات، ويكشف لنا أسرار العوالم الأدبية التي لم نكن لنصل إليها لولا جهود المترجمين. كمحب لهذا المجال، أجد المتعة في فك ألغاز النصوص الأدبية وصياغتها بلغة جديدة تعكس نفس المشاعر والأحاسيس التي أرادها الكاتب الأصلي. وكما أسلفنا فالترجمة الأدبية ليست مجرد مهمة، بل هي رحلة ممتعة عبر الكلمات والمشاعر، حيث يتحول المترجم إلى كاتب ثانٍ يُعيد إحياء العمل بأسلوب يليق بروح النص الأصلي، وفي ذات الوقت يتناسب مع القارئ الجديد. فعندما أترجم الأدب، أشعر وكأنني أتنقل بين العوالم، وأتقمص روح الكاتب الأصلي لأعيد خلق نصه بروح جديدة تتحدث إلى قارئ مختلف. الترجمة الأدبية ليست مجرد عمل ميكانيكي، بل هي فن بحد ذاته يتطلب فهمًا عميقًا للعواطف، السياقات الثقافية، والبلاغة اللغوية.
ورغم جمال الترجمة الأدبية، إلا أنها محاطة بتحديات تجعلها من أصعب أنواع الترجمة، ومنها:
1. ترجمة الشعر: فالشعر لغة المشاعر والموسيقى، ونقله من لغة لأخرى دون فقدان الإيقاع والجمالية البلاغية يعد تحديًا كبيرًا. فبعض الكلمات قد تفقد بريقها عند الترجمة، مما يتطلب إعادة صياغة تحقق التوازن بين المعنى والجمال الفني.
2. ترجمة النثر: النصوص الأدبية غالبًا ما تحمل بين سطورها إيحاءات ومعانٍ غير مباشرة، وأحيانًا تكون مشحونة برموز ثقافية لا يمكن فهمها خارج سياقها الأصلي. لذا فالمترجم هنا يجب أن يكون قادرًا على تفسير هذه الرموز وإيصالها للقارئ دون الإخلال بالنص.
3. ترجمة الرويات: التحدي الأكبر في ترجمة الروايات يكمن في الحفاظ على الأسلوب السردي للكاتب الأصلي، مع ضمان إيصال الروح الحقيقية للقصة دون أن يشعر القارئ بأنها مترجمة بشكل حرفي أو جامد.
ومن أمثلة الترجمة الأدبية التي تمثل التحدي وتتطلب جهد مكثف لفهم النص هي ترجمتي لقصيدة “النملة قالت للفيل” لأحمد مطر والتي يستخدم فيها الشاعر أسلوب السخرية اللاذعة للتعبير عن الواقع السياسي، حيث تتجسد النملة كرمز للضعف الذي يطالب بحقوقه وتطلب أمورًا تتجاوز المعقول، مما يُبرز التفاوت الكبير بين القوي والضعيف، بينما يُمثل الفيل القوة المسيطرة ولكن عندما يضحك الفيل، تغضب النملة، معتبرةً ضحكه سخرية منها، في انعكاس للعلاقة بين القوى السياسية المختلفة. وفي نهاية النص، يشير الشاعر إلى التناقضات السياسية في العالم العربي، مشيرًا إلى الفارق بين الدول العربية وإسرائيل، ليعكس حالة الخضوع والاستسلام التي يتناولها بأسلوبه النقدي اللاذع.
النص الأصلي:

النملة قالت للفيل:

قم دلكني ..

ومقابل ذلك ضحكني ..!

وإذا لم أضحك عوضني ..

بالتقبيل وبالتمويل ..

وإذا لم أقنع .. قدم لي ..

كل صباحٍ ألف قتيل !

ضحك الفيل

فشاطت غضباً

تسخر مني يا برميل ؟

ما المضحك في ما قد قيل ؟!

غيري أصغر ..

يطلب أكثر

غيرك أكبر ..

لكن لبى وهو ذليل ..

أي دليل ؟

أكبر منك بلاد العرب ..

وأصغر مني إسرائيل !

The ant said to the elephant, bold and high:

,”Come rub my back, and make me laugh or try

And if I don’t laugh, don’t dare resist.

Then kiss me… fund me… I insist!

And if my joy still doesn’t rise,

Each morning bring a thousand lives!”

The elephant laughed, but not for long,

The ant grew furious, felt all wrong:

?”Are you mocking me, you clumsy brute

What’s so funny? Why dispute!?

Others smaller ask for more,

And giants like you kneel to the floor.”

What proof?” the elephant gently asked,”

She said, “A truth the world has masked:

You’re bigger, yes; and Arabs too,

Are grand in land, in number, view,

Yet smaller than I, with force and zeal,

Is Israel; and they make them kneel”!

في ختام هذا المقال عن الترجمة الأدبية، نجد أن هذا الفن يظل جسرًا يربط بين الثقافات، ويعبر عن مشاعر إنسانية عميقة. ورغم التحديات التي يواجهها المترجمون، إلا أن شغفهم وإبداعهم يساهمان في إحياء الأدب وتوسيع آفاق الفهم المتبادل. إن الترجمة ليست مجرد كلمات، بل هي رحلة ثقافية وفنية تعزز من التواصل بين الشعوب.
أكاديمي يمني . جامعة صنعاء