هل ستقوم إسرائيل بشن هجوم على إيران لإحباط المحادثات النووية؟

الدكتور جلال جراغي
في المرحلة الراهنة، تخوض الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية مفاوضات ماراثونية غير مباشرة، بوساطة عُمانية، للتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني. في هذا السياق، يطرح البعض احتمال أن تقدم إسرائيل على شنّ هجوم عسكري ضد إيران، بهدف تدمير منشآتها النووية أو، على الأقل، إفشال المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن، كما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن نتنياهو أمر الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو بالاستعداد لهجوم إسرائيلي مستقل، حتى دون دعم من قبل الولايات المتحدة. ويأتي ذلك خصوصًا بعد المحاولات الإسرائيلية المستميتة لإعاقة هذه المفاوضات، إذ أرسلت تل أبيب وفدًا رفيعًا ضمّ رئيس جهاز الموساد ديفيد برنيا ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، إلى العاصمة الإيطالية روما، حيث جرت الجولة الخامسة من المفاوضات، ثم إلى واشنطن، بهدف ثني الإدارة الأمريكية عن مواصلة الحوار مع إيران والتوصل إلى اتفاق، سواء كان مؤقتًا أو شاملًا.
السؤال المطروح بإلحاح هنا هو: هل تملك إسرائيل، في هذه المرحلة، الإرادة على شنّ هجوم على المنشآت النووية الإيرانية؟
الإجابة، من حيث المبدأ، هي: نعم. إسرائيل تلهف بشدة على توجيه ضربة عسكرية لإيران ومنشآتها النووية والصاروخية، بهدف إعادة برنامجها النووي سنوات إلى الوراء، إن لم يكن تدميره بالكامل. وهذا طموح لا تخفيه تل أبيب. ولو تحقق هذا الهدف، فسيُعتبر انتصارًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعاني من مأزق داخلي بسبب استمرار الحرب في قطاع غزة وفشله في تحقيق أهدافه المعلنة، مثل القضاء على حركة حماس، وتهجير سكان القطاع، وإعادة الأسرى الإسرائيليين. ومن ثم، فإن الهجوم على إيران قد يشكّل طوق النجاة بالنسبة لنتنياهو، بغض النظر عن مدى نجاحه في تدمير البرنامج النووي الإيراني؛ فمجرد الهجوم قد يُعتبر بحد ذاته إنجازًا ومخرجًا سياسيًا له.
إضافة إلى ذلك، من المرجّح أن يحظى مثل هذا الهجوم بدعم مختلف التيارات والأحزاب السياسية والدينية في إسرائيل، خاصة الأحزاب المتشددة، باعتبار أن الكيان الإسرائيلي، كعدو لإيران، كان وما يزال يسعى إلى تدمير القدرات العسكرية الإيرانية، ولا يريد لأي قوة في المنطقة أن تتفوق عليه.
غير أن ثمة نقاطًا مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار:
أولًا، إسرائيل ليست قادرة عمليًا على تدمير المنشآت النووية الإيرانية، حتى بمساعدة الولايات المتحدة، بسبب طبيعة هذه المنشآت ومواقعها الجغرافية، فهي غالبًا تقع تحت الأرض وفي عمق الجبال، ولا يوجد أساسًا سلاح، لا لدى إسرائيل ولا حتى لدى أمريكا، قادر على تدميرها بالكامل. وهذا يعكس مدى جدية إيران في التعامل مع ملفها النووي، إذ خطّطت منذ البداية لجميع السيناريوهات والاحتمالات، وبنت منشآتها في أماكن حصينة. في هذا السياق، استفادت إيران من تجربة العراق عام 1981، عندما دمّرت إسرائيل مفاعل “تموز” (أوزيراك) العراقي بهجوم جوي، لأن المفاعل كان مكشوفًا فوق الأرض.
ثانيًا، من غير المرجّح أن تقدم إسرائيل على شنّ هجوم كبير أو ضربات نوعية ضد المنشآت الحساسة في إيران من دون ضوء أخضر أمريكي، أو على الأقل صمت أمريكي يُعتبر ضمنيًا موافقة. إذ إن أي هجوم على إيران ستكون له تداعيات مباشرة على المصالح الأمريكية، وقد يجرّ واشنطن إلى مواجهة مع طهران، وهذا ما لا تريده إسرائيل، لأنها، وخاصة في الظروف الراهنة، لا تستطيع البقاء والاستمرار من دون الدعم الأمريكي.
السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل تستطيع إسرائيل تنفيذ مثل هذا الهجوم من دون علم أو رغم إرادة الولايات المتحدة، كما حدث في هجومها على المفاعل النووي العراقي عام 1981؟
الإجابة هي أنه رغم أن الإدارة الأمريكية تدّعي، عادةً، بعد مثل هذه العمليات، أنها لم تكن على علم مسبق بها، وذلك لامتصاص التداعيات واحتواء الموقف، فإن الواقع مختلف. في حالة الهجوم على المفاعل العراقي، تم الهجوم رغم الإرادة الدولية والأوروبية، وخاصة الفرنسية، التي كانت مسؤولة عن بناء المفاعل، وأمريكا، في حينه، زعمت أنها فوجئت به، لكنها عمليًا احتوت الموقف.
ثالثًا، أي هجوم إسرائيلي على إيران سيُقابل بردّ قوي، لأن الانطباع الإيراني سيكون أن إسرائيل لم تتحرك إلا بالتنسيق مع واشنطن وموافقتها. وهذا، من وجهة نظر طهران، يعني أن الولايات المتحدة إما أرادت ممارسة المزيد من الضغوط عليها، فأعطت الضوء الأخضر لإسرائيل، أو أنها توصلت إلى قناعة بأن المفاوضات لن تؤدي إلى نتيجة، فسمحت لإسرائيل بتوجيه الضربة.
رابعًا، هناك احتمال آخر أيضًا، وهو أن أي عمل عدائي إسرائيلي ضد إيران، إذا لم يكن منسقًا مع واشنطن، فلن يتجاوز كونه هجومًا تخريبيًا محدودًا أو حتى عملية اغتيال. ومثل هذه العمليات، كما هو معروف، لم ولن تؤدي إلى وقف المفاوضات بين طهران وواشنطن، لأنها مستمرة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ما لم يرتكب الكيان الإسرائيلي عملية اغتيال ضخمة أو نوعية، فعندها سيكون الرد الإيراني محسومًا.
مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية – العربية