زياد أحمد سلامة: رسائل من إشبيلية… وماذا أخبرنا “وليد سيف” عن خريف إشبيلية؟!!

زياد أحمد سلامة: رسائل من إشبيلية… وماذا أخبرنا “وليد سيف” عن خريف إشبيلية؟!!

 

زياد أحمد سلامة
مقدمة:
بصدور رواية (خريف إشبيليلة / الطوائف) للكاتب الكبير الدكتور وليد سيف هذا العام (2025) يكون قد أصدر روايته السادسة، والدكتور سيف من الكُتَّاب القلائل الذين حوَّلوا سيناريوهات مسلسلاتهم إلى روايات، فقد اعتاد الكُتاب أن يكتبوا الرواية أولاً ثم يحولونها إلى مسلسل، ومن أوائل الكُتاب الذين حولوا السيناريو لرواية الأمريكي جورج لوكاس صاحب سلسلة (حرب النجوم) إذ تم تأليف السيناريو أولاً عام 1977، وكذلك “أليكس غارلاند وستيفن نايت وأحمد مراد وكوثر بن هنية وكوينتن تارانتينو ووحيد حامد.
والهدف من تحويل السيناريو إلى رواية أن الفيلم أو المسلسل لا يكون متاحاً لإعادة مشاهدته مرة أخرى بسهولة، ولا يكون محل دراسة واهتمام من نقاد الأدب مثل الرواية الصادرة في كتاب، والتي يمكن الرجوع إليها في أي وقت.
كانت رسالة وليد سيف في كتابته للدراما التاريخية إسقاط أحداث التاريخ بكل ما فيه من نور وظلمات وإشراقات وخيبات على الواقع لتبصر الأمة الدروس والعبر، ولتربط ماضيها بحاضرها فلا تتكرر سقطاتها ومآسيها، فماضي الأمة الإسلامية ومنها الأمة العربية يكاد يكون مماثلاً في الخطوط العامة لما تعيشه الأمة في الوقت الراهن وما تعانيه، لا سيما مع أعدائها؛ الذين لم تتغير وجوههم ونوايهاهم وأهدافهم كثيراً!!
  اهتم “وليد سيف” بكتابة الدراما التاريخية حتى غدا عَلَمَها المقدم في العالم العربي، وابتدأ كتابة المسلسل التاريخي مع عمله الأول (الخنساء) عام 1977، واستمر في هذا الخط ولم يخرج عنه.(المسلسل الوحيد الذي كتبه خارج السياق التاريخي هو “جبل الصوان” عام 1981)، وكتب خمسة مسلسلات عن الأندلس، هي: المعتمد بن عباد  والصعود إلى القمة  وصقر قريش  وربيع قرطبة  وملوك الطوائف،  وأما مسلسله السادس “غرناطة … آخر الأيام” فقد أتم كتابته عام 2024 وهو جاهز للتنفيذ.
الدكتور وليد سيف
   تحدث “سيف” في مسلسلاته الأندلسية  عن علاقة المسلمين بالأندلس منذ الفتح إلى أن تنازع المسلمون هناك وفشلوا وذهبت دولتهم وصاروا فِرَقاً وطوائف يضرب بعضُهم رقاب بعض، وبمسلسله القادم (غرناطة … آخر الأيام)  ستنتهي هذه السلسلة بسقوط الأندلس بيد القشتاليين، وإخراج المسلمين من الجزيرة التي عَمَرُوها قرابة الثمانية قرون.
  حوَّل ” سيف” بعض مسلسلاته التاريخية إلى روايات حملت أسماء :”الشاعر والملك” عن مسلسل “طرفة بن العبد”،  “النار والعنقاء” عن مسلسل “صقر قريش”، وتكونت الرواية من جزئين؛  و “مواعيد قرطبة”  عن مسلسل “ربيع قرطبة”،  ورواية “خريف إشبيلية / الطوائف” عن مسلسل “ملوك الطوائف” وصدرت في  عمان عام 2025، وهي موضع حديثنا هنا.
من قصور إشبيلية
لماذا حملت الرواية هذا الاسم؟
  ذهبت شمس إشبيلية بعد أن تغيرت أحوال الناس وأذواقهم بعد انتهاء حكم المعتمد بن عباد (الشخصية الرئيسية في الرواية) ومجيء المرابطين إليها، وأثناء إقامة المعتمد تحت الإقامة الجبرية في “أغمات” جنوبي المغرب، هناك زاره خطيب ابنته، فسأله عن أحوال إشبيلية؟ فقال له:” تعرف منها وتنكر يا سيدي، قد حال لونها وذهب بهاؤها القديم، فلا الرياض هي الرياض… ولا ربيعها هو الربيع… كأن العام قد صار كله خريفاً قاتماً،والناس فيها فريقان، فأما أحدهما فيرى انقطاع البهجة ورعاً على أثر السلف الصالح، وأما الآخر فيرى ذلك من نكد العيش والتزمت، ولعل هم الأكثر الآن”. (الرواية ص 649). أما لماذا تبدلت أحوال الناس هناك؟ ومالت للقتامة؟ فسنشير إليها لاحقاً.
مفهوم مصطلح “ملوك الطوائف”
   لا بد من التعرف على مصطلح “ملوك الطوائف” لنعرف الخلفية التاريخية للرواية ومَنْ هم أهم شخصيات تلك الأحداث الجسام؟
    ارتفع مؤشر القوة والتمكين للدولة الأموية في الأندلس بعد دخول عبد الرحمن الداخل الأندلس نحو عام (138هـ = 755م)، ولكن هذا الصعود إلى القمة الذي كان  في عهد الحاجب المنصور بن أبي عامر(٣٢٦ – ٣٩٢ هـ = ٩٣٨ – ١٠٠٢ م)  ولكن بعد وفاته سارت الدولة في انهيار سريع، فقد تولى (الحِجابة) للخليفة المغيَّب (هشام المؤيد بن الحكم) ابنا المنصور: عبد الملك، ومن بعده عبد الرحمن (شنجول) والمعروف بفسقه، والذي ثار الناس عليه وقتلوه سنة (400هـ=1009م) وهنا بدأ عقد الدولة بالانفراط الفعلي وكثرت الفتن والثورات وبدأت البلاد بالانقسام، ويمكن تلخيص حال ملوك الطوائف بهذا القول الذي كان يردده (خَلَف الحصري: أحد شخصيات رواية خريف إشبيلية): “فَهُمْ بين آمر على طائفته، مأمور ممن هو أقوى منه [في إشارة إلى الأعداء القشتاليين] يتوزعه الخوف على ما في يده والطمَع فيما هو في يد غيره” (ص 6) وخَلَفٌ هذا سيكون له دور في أحداث مهمة في الرواية من حيث لا يدري.
  لم ينسب أحد أمراء بني أمية منذ (الداخل) لقب الخلافة لنفسه وهم يعلمون أن اللقب انصرف للخلفاء العباسيين منذ انهيار الدولة الأموية واستلام العباسيين للحكم (سنة 132هـ=749م)، وبقي الأمر كذلك إلى أنْ لقَّب عبد الرحمن الناصر والمعروف في الروايات الغربية بعبد الرحمن الثالث، بخليفة المسلمين؛ كان ذلك  في قرطبة مستهل ذي الحجة عام 316 هـ = 928م).
   في فترة “ملوك الطوائف، وبعد “تغييب” الخليفة هشام المؤيد (الذي سبق وأنْ ظهر في مسلسل ربيع قرطبة ورواية “مواعيد قرطبة”) ادعى الخلافةَ محمد بن هشام (أحد أحفاد عبد الرحمن الناصر) ولُقِّب بالمهدي؛ وقد اتصف بالرعونة وسوء التدبير، فقامت في وجهه عدة ثوات من قِبَل البربر حيث نصَّبوا حفيداً آخر للناصر خليفةً مكانه هو (سليمان بن الحكم)، ولكن لضعف قوة سليمان أما المهدي، استحدث أقبح عمل سيكون مثالاً يُحتذى في السوء وهو الاستعانة بملك القشتاليين، ثم جرت موقعة كبرى بين المهدي من جهة وسليمان وحلفائه القشتاليين من جهة أخرى، فهُزِمَ المهدي واستتب الأمر لسليمان، كان هذا سنة (404هـ= 1013م). وعُرف عهد سليمان بالاضطراب السياسي الشديد، وعُرفت هذه الفترة بـ (فتنة الأندلس) وتم قتل سليمان عام (407هـ = 1016م).
اتصال آخر بالأعداء:  فرَّ المهدي ولجأ إلى رجل من موالي بني عامر يدعى (الفتى الواضح) وفي سبيل مواجهة خصمهم (سليمان) استعانوا بأمير برشلونة (الأراغوني) فعقدوا معه اتفاقاً لمساعدتهم في القضاء على مُلك سليمان، وكان الاتفاق ذا شروط قاسية جداً ومجحفة بحق (المهدي) والتي منها أن يمدهم بالعون مقابل أن يسلمهم مدينة (سالم) التي كانت منطلق الجهاد ضد الأعداء من القشناليين والأراغون لا سيما أيام (الحاجب المنصور)، وما إن أخذ الأراغون مدينة سالم حتى احتلُّوا الجامعَ وضربوا فيه بالناقوس وحوَّلوا قِبلته (أي صيروه كنيسة) وكانت هناك شروط أخرى كلها مؤلم ومخز.[1]
وهكذا تسارعت الأمور باقتتال وانقسام واستعانة بالعدو حتى تم الإعلان عن سقوط الخلافة في الأندلس عام (422هـ = 1031م)
  عندما وصلت الأمور لهذا الحد تداعى الفقهاء في قرطبة برئاسة الفقيه القاضي (أبي الحزم بن جَهْوَر) وشكلوا مجلساً للشورى لإدارة البلاد، ولكنَّ ابن جهور لم يكن يسيطر عملياً إلا على قرطبة فقط، وأما بقية البلاد فقد انقسمت عملياً، وأعلن ابن جهور انتهاء عهد الخلافة الأموية،  وهنا ظهرت (دويلات الطوائف) والتي تكاثرت حتى وصلت اثنتين وعشرين مملكة.  وكان لكلٍ منها رئيس ووزارات وعِمْلَةٌ  وسفراء، وقد استمر هذا الانقسام حتى جاء يوسف بن تاشفين وأعاد توحيد الأندلس وضمها إلى المغرب سنة (481 هـ/1088 م.)  ، ولكن الفترة التي تغطيها رواية (خريف إشبيلية تمد من بداية تكوين ممالك الطوائف إلى وفاة المعتمد بن عباد سنة ( 488 هـ =  1095م)، أي نحو (64) سنة. ومن أشهر ممالك الطوائف وملوكها في العصر الذي تغطيه الرواية:

بنو عباد وقد حكموا إشبيلية جنوبي الأندلس. وحكمها إسماعيل بن عباد ثم ابنه أبو القاسم محمد بن إسماعيل ثم ابنه أبو عمرو عباد بن محمد الملقب بالمعتضد، ثم ابنه أبو القاسم محمد بن عباد المعروف  بالمعتمد بن عباد.

بنو زيري، وحكموا غرناطة جنوبي الأندلس. وأسسها زاوي بن زيري، وخلفه ابن أخيه حبوس بن ماكسن ثم ابنه باديس ثم حفيده عبد الله بن بلقين. وهم من البربر.

بنو جَهْوَر، وحكموا قرطبة وسط الأندلس. وحكمها أبو الحزم بن جهور ومن بعد ابنه أبو الوليد محمد بن جهور ثم ابنه عبد الملك وحكموها نحو أربعين عاماً.

بنو الأفطس، وهم من البربر وحكموا بطليوس الواقعة غرب الأندلس في الثغر الأنى. ومؤسسها عبد الله بن الأفطس ثم ابنه محمد وعمر بن محمد (المتوكل على الله).

بنو ذي النون، وهم من البربر، وحكموا طليطلة الواقعة شمال الأندلس. وأول حاكم لها إسماعيل بن ذي النون، ثم ولده يحيى الملقب بالمأمون ثم ابنه يحيى الملقب بالقادر

بنو عامر ، وحكموا بلنسية شرقي الأندلس.

بنو هود، وحكموا سَرَقُسْطَة ( الثغر الأعلى) في الشمال الشرقي للأندلس.

 تركز الرواية على حكم بني عباد إشبيلية، فقد أسس حكم بني عباد جدهم الأعلى (أبو الوليد إسماعيل بن عباد) وعُرف بذي الوزارتين،  وجمع حوله أعيان إشبيلية، وبعد وفاته ورثه في حكم إشبيلية ابنه أبو القاسم محمد والذي يُعتبر المؤسس الفعلي لدولة بني عبَّاد.
رواية خريف إشبيلية
  تبدأ الرواية بذكر الخلاف والصراع بين صاحب إمارة قرمونة وخصمه صاحب مالقة الذي ضم قرمونة لملكه، وطمع صاحب قرمونة في بعض ممالك الطوائف ومنها إشبيلية،(ص 14و15) وقد ادَّعى القرموني الخلافة ولقب نفسه بأمير المؤمنين، ولتفويت فرصة الخلافة عن القرموني قام أبو القاسم؛ صاحبُ إشبيلية بتقديم شبيه  للخليفة المغلوب على أمره (هشام المؤيد) والذي اختفى في خضم هذه الصراعات، وكان هذا الشبيه شديد الشبه بالمؤيد واسمه (خلف الحصري) وقدمه للناس على أنه الخليفة الغائب، ورغم معرفة كل الأطراف بعملية الاحتيال التي قام بها بنو عباد، إلا أنهم اعترفوا به خليفة، باستثاء ابن جهور صاحب قرطبة. (الفصل الأول من الرواية، ابتداء من ص 5 ـ 19).
   ثم تسير بنا الرواية في فترة المعتضد بالله ابن عباد، وقد اتصفت فترة حكمه بالاستبداد والظلم والقتل، وكان من أوائل ضحاياه (خلف الحصري) أو الخليفة المزور.  وكان للمعتضد هذا خزانة في قصره وضع فيها جماجم خصومه الذين قتلهم. (ص 151و 169) وسعى لتوسيع مملكته على حساب الممالك المجاورة، وكان يضم تلك الممالك بالحرب أو المكر والخديعة، وكان من شدة بطشه أن قتل ابنه  إسماعيل الذي شعر أنه يسعى للإطاحة به، وقد هابه جميع المحيطين به حتى أن وزيره الشاعر ابن زيدون وصف حاله معه كالذي يمسك الأسد من أذنيه، يتقي سطوته، تَرَكَه أم أمسكه! (ص 160) وعندما مات المعتضد كرر المعنى نفسه بقوله “أخيراً مات الطاغية! ليس عليَّ بعد اليوم أن أمسك الأسد من أذنيه، لا آمن أن أفْلَتُّه أم أمسكُته! (ص 274).
 ولكن المعتضد رغم جبروته مع رعيته كان يخضع للقشتاليين ويدفع لهم الجزية ويستعين بهم على إخوته من ملوك الطوائف المسلمين.
   تنتقل الرواية للحديث عن المعتمد بن عباد الذي تولى ملك إشبيلية بعد موت والده المعتضد (سنة 461هـ = 1069م). حاول المعتمد أن يغاير سيرة أبيه وأن يعامل الرعية بالعدل واللين، واستبدل بخزانة الجماجم رفوفاً من الكتب في دلالة على تغير المشهد). (ص281).
   ولكن طبع الملوك غلبه عندما قتل بيديه صديقه الحميم ووزيره (ابن عمَّار) بعد أن غدر به هذا الوزير واستأثر بولاية (مرسية) التي أرسله المعتمد والياً عليها، فقال له بعد أن تمكن منه ووضعه في السجن “ولكن الذي فاتك يا ابن عمَّار، أنه مهما يختلف السلاطين أفراداً، فإن للمُلكِ طبائع مستقلة عن شخص السلطان، فإن وافق طبُعه تلك الطبائع، فهو المعتضد. وإن لم يكن طبعه موافقاً لها ، طبَّعته بها ولو بعد حين، يعينها عليه أفاقون من أمثال ابن عمار، فلذلك هو المعتمد تستيقظ فيه دماء أبيه!” (ص 524).
  كان المعتمد محبوباً من أهل إشبيلية لأنه كان حَسَنَ المعاملة ومن الملوك الفضلاء والشجعان والعقلاء والأجواد الأسخياء، ولأنه لم يتابع سيرة والده التي كانت ترتعد الفرائص لذكره.
  بدأ المعتمد بتحقيق حلم أبيه بالدخول إلى قرطبة حيث تم ذلك سنة (462هـ = 1070م)  وعندما طمع في ضم غرناطة لملكه واستعصت عليه، دفع للقشتاليين الجزية لينصروه على أهل قرطبة المسلمين!!.
  اتسم عهد ملوك الطوائف بالتناحر الداخلي ورغبة كل مملكة بالتوسع على حساب جاراتها، وفي سبيل ذلك، أو في سبيل اتقاء شر الرومي تحالف الكثير من ملوك الطوائف مع أعداء الأمة والملة، مع القشتاليين الذين كان يسميهم مسلمو الأندلس بالرومي، حتى إن  البلاد كلها أوشكت على السقوط في قبضة الرومي، لولا أن تدارك بعض ملوك الطوائف الأمر وقاموا باستدعاء أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فجاء من المغرب ووضع حداً لأطماع الأعداء وأخَّر سقوط الأندلس نهائياً بيد القشتاليين نحو أربعمئة سنة.
تستمر الرواية في الحديث عن المعتمد بن عباد وبقية ملوك الطوائف وما جرى بين قدوم ابن تاشفين الأول وخوضه معركة الزلاقة العظيمة، وبين مجيئه الثاني بعد أن عاد ملوك الطوائف سيرتهم الأولى في الاختلاف والصراع… والأهم بالاتصال بالعدو القشتالي وطلب مساعدته.
المعتمد بن عباد
 عاد ابن تاشفين وقام بتوحيد الأندلس  مع المغرب وعاد إلى المغرب مصطحباً معه من ملوك الطوائف: المعتمد بن عباد وعبد الله بن بلقين ملك غرناطة  وأما المتوكل بن الأفطس ملك بطليوس وملك دانية وشاطبة وملك بلنسية وملك قرطبة، فليس مؤكد اصطحابهم للمغرب.
  في المغرب فُرضت الإقامة الجبرية على المعتمد، وعاش في ضيق من العيش، واضطرت زوجته اعتماد الرميكية ـ التي طالما تنعمت في قصور إشبيلية ـ أن تغزل الصوف وتبيعه بنات المعتمد للإنفاق على الأسرة. ومات المعتمد حسرة وكمداً في بلدة (أغمات) بعد خمس سنوات من إسقاطه عن سُدة الحكم، سنة (488هـ = 1095م).
قصر المعتمد بن عباد في إشبيلية
بين الرواية والمسلسل
تم نتفيذ مسلسل “ملوك الطوائف” عام 2005 وجاء في ثلاثين حلقة، وكتب رواية “خريف إشبيلية/الطوائف” عام 2025 وجاءت في (670 صفحة)
عندما يحوِّل “وليد سيف” العمل الدرامي من سيناريو إلى رواية، فإنه يحاول المحافظة على أحداث المسلسل وشخوصه، وأجوائه الفنية، وبطبيعة الحال فستتغير طريقة السرد والحوار والحديث عن الجوانب الداخلية للشخصيات، في الرواية يتركك مع خيالك في تشكيل أجواء الحدث وسمات الشخصيات.
 والقارئ للرواية والمشاهد للمسلسل يدرك أن أمر الرواية غير أمر المسلسل من حيث الصياغة وسرد الأحداث، فأسطر قليلة في الرواية تختصر المشهد المقابل في المسلسل.
 جاء في الرواية (ص 115) أن أبا الحزم ابن جَهَوَر قد استدعى وزيره ابن زيدون وبدأ بتوبيخه على ما جاء في تلك الرسالة التي بعثها ابن زيدون لغريمه الوزير ابن عبدوس على لسان ولادة بنت المستكفي، وفيها يقول ابن زيدون عن نفسه بأن يتراسل مع الملوك الآخرين، وأنه يستطيع الوصول لسدة الإمارة، وبعد هذا الموقف يقول له ابن جهور: “نعفيك الآن من أعباء عملك يا أبا الوليد… حتى تراجع نفسك، ونراجع أنفسنا فيك! ثم يعقِّب “سيف” على هذا الموقف في الرواية بقوله: آثر ابن الوزير أبي الحزم: أبو الوليد ابن أبي الحزم وصاحب ابن زيدون أن يغيب عن مجلس أبيه وهو يعاتب ابن زيدون كيلا يشهد ذلك الموقف تحرجاً من صاحبه، ولكنه لم يتوان عن مراجعة أبيه في الأمر من غير جدوى، ولمَّا ألحَّ عليه نهره بشدة حتى أيأسه ( ص 115).
   أما في المسلسل فلا يتأتى أن يذكر هذا الموقف كلاماً مجرداً أو يتم ذكره على لسان أحد الشهود، فجاء المشهد على النحو التالي:

ابن جهور مخاطباً ابن زيدون: نعفيك الآن من أعباء عملك يا أبا الوليد… حتى تراجع نفسك، ونراجع أنفسنا فيك!.

[يغادر ابن زيدون المكان دون أن يقول أي كلمة، وفي طريق خروجه من قصر الإمارة يصادف غريمه ابن عبدوس وهو ينظر إليه نظرات جامدة ولكنها تبطن التشفي، ويستمر ابن زيدون في الخروج عابساً لا يكلم أحداً]
المشهد التالي:
في قاعة الحكم، يكون ابن حزم ابن جهور وابنه أبو الوليد:
يدخل الابن فيسارع الوالد لمخاطبة ابنه بحزم قائلاً له:

لا تدافع عنه بعد الآن، لو كان صاحبك حقاً لما عرَّض بدولتنا ذلك التعريض!

الابن: لو تحول ولاؤه يا أبتِ لاستجاب لدعوة صاحب إشبيلية وهو كما علمنا ما زال يستحثه إليه ويمنيه!

الأب: وصاحبك يستعمل ذلك ليدلَّ به علينا ويطلب المزيد ولسان حاله يقول: إن لم تعطوني فغيركم يعطي، وما زلت أشك أنه يداخل أنصار دعوة هشام، وخيط دقيق بين الطمع والطموح، وبين الاعتزاز بالنفس والغرور والخُيَلاء، وقد آن الوقت لإلزامه حدَّه.

[ يخرج الأب مسرعاً من القاعة]
( مسلسل ملوك الطوائف الحلقة الخامسة، الدقيقة 30)
   هذا المشهد الذي جاء في الرواية بثلاثة أسطر استغرق في المشهد نحو دقيقتين. فإذا اكتفى بالوصف في الرواية، فلم يكن يسعه في المسلسل إلا أن يُنطِق الشخصيات ويحركها ويملأها انفعلاً وإحساساً حياً .
رسالة المسلسل والرواية ملوك الطوائف
   جاءت الرواية في (670 صفحة)؛ وجاء المسلسل في (30) حلقة، ويتحدثان عمَّا اعترى الأندلس من أحوال في فترة ملوك الطوائف، وبالتحديد  في الفترة الممتدة من (422- 488هـ =1031 = 1095م).  التي لم تعد أندلس عبد الرحمن الداخل ولا عبد الرحمن الأوسط ولا الناصر ولا المنصور ابن أبي عامر، ولكنها أصبحت أندلس الفرقة والاقتتال الداخلي بدلا من مجاهدة الأعداء، والاستعانة بالعدو ودفع الجزية له بعد أن كانوا يأتوها طائعين، أندلس الألقاب والتسميات الرفيعة حتى قال قائلهم:
مِمَّا يُزَهِّدُني في أَرْضِ أَنْدَلُسٍ *** سَماعُ مُقْتَدِرٍ فيها وَمُعْتَضِدِ
أَلْقابُ مَمْلَكَةٍ في غَيْرِ مَوْضِعِها ***  كالْهِر يَحْكي انْتِفاخاً صَوْلَةَ الأَسَدِ
ولم يفت الدكتور “سيف” الإشارة إلى أن قائل البيتين هذين غير معروف على وجه التحديد. (ص386)،   وقد لخَّص الملكُ القشتاليُ نفسُه المشهد، فمع تولي فرناندو الأول الحُكْمَ في قشتالة عام 449هـ = 1057م،  قال مخاطباً جمعاً من كبار نبلاء قشتالة وأمرائها وقساوستها (في ليون / عاصمة قشتالة):” كان المسلمون دولة واحدة قوية، وكنا إمارات متفرقة يقاتل بعضنا بعضاً، ويستعين بعضنا بالمسلمين على خصمه، ويدفع لهم الجزية المذلة، ولكننا كنا ننهض من جديد مثل طائر الفينيق، والآن انقلب الحال، وما لم نقدر عليه في القرون الماضية تكفَّل المسلمون أنفسهم به عنَّا. فهم الآن أكثر من عشرين مملكة يقاتل بعضُهم بعضَاً. قد تفرقت قلوبهم واختلفت غاياتهم وذهبت قوتهم. وقد آن الأوان لنستغل ضعفهم وتفرقهم، قبل أن يظهر فيهم رجل قوي كالخليفة عبد الرحمن الناصر والملك المنصور بن أبي عامر الذي وضعت خيوله حوافرها هنا في عاصمة مُلكنا فيوحدهم من جديد على غاية واحدة”.
ونستطيع تلمس هذه الرسائل التي وصلتنا من الرواية من خلال ما يلي:
أولاً: أساب داخلية أدت لظهور ممالك الطوائف!

من القوة إلى الضعف:

  مع وصول فرناندو الأول الحكم في  ليون  بلاد قشتالة، وفي ظل الانقسام في جانب المسلمين والصراع الداخلي والاستبداد، انقلبت الصورة، وصار الحديث عن حروب الاسترداد (ص181) وبدأ بسرقسطة عاصمة بني هود فعاث فيها فساداً، وكذلك فعل بطليطلة، وبدأ حاكمها المأمون ذو النون بدفع جزية باهظة سنوية للقشتاليين، مع اتفاق أن لا يحالفوا أحداً عليه من قومه أو من المسلمين، وألا يُنْجدوا أحداً من ملوك طوائف الأندلس إلا برأيه.  وأما في بطليوس فحصل لها ما حصل لغيرها، “ونزلوا له عن بلدتين منها”، حتى إنه توجه إلى إشبيلية. (ص183).

إهمال شؤون العامة

  هذا ما لاحظه ألفونسو نفسه من مظاهر عندما كان لاجئاً إلى طليطلة بعد أن حرمه شقيقه سانشو نصيبه من الملك، وبعد أن رأى بأم عينه كل مظاهر الفخامة والترف قال في نفسه:”من أين يأتي هؤلاء القوم بكل هذا الثراء الذي يتنعَّمون به، مع كل تلك الإتاوات  التي كان أبوه يقبضها منهم؟ وقال: لا بد أنها لم تكن شيئاً قياساً بما يفرضونه هم على قومهم من المغارم والمكوس. وبلادهم على كل حال أعظم وفرة في أرضها وطبيعتها وزراعتها من قشتالة التي تنتشر فيها الجبال الصلدة التي يصعب استصلاحها. ولكن، يبدو أن هذه الوفرة تذهب إلى ترف الحكام وقلة من أوليائهم، بدلاً من إنفاقها في تعظيم قوتهم وجيوشهم، وهذا من حُسْنِ حظِ قشتالة”. (ص 333)

الكرسي أولاً:

المُلك عقيم، هذا ما قالته العرب قديما، وكثيراً ما سمعناه من عبد الرحمن الداخل موحد الأندلس، وهذا ما قام به ملوك الطوائف، فهذا المعتضد يقتل ابنه إسماعيل وولي عهده  لأنه شعر أنه على رأس مؤامرة تريد الإطاحة به نعم؛ قتله  بيده طعناً بالخنجر (ص 194).
  وبدلاً أن يتنازل ملوك الطوائف عن عروشهم، ويقفوا صفاً كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضاً، رأينا ما ساعد على تصدع الأندلس، وبينما كانوا مشغولين بصراعاتهم ومؤامراتهم ضد بعضهم بعضاً، كانوا يؤدون الجزية للرومي عن يد وهم صاغرون، انظر لكبيرهم وأقواهم الذي كان شديداً على المسلمين صاغراً امام الكافرين: “غداً يوم آخر، وحتى يبلغ المعتضد أحلامه وأوهامه في توحيد الأندلس أو ضمها قسراً إلى سلطانه، فإن عليه غداً أن يستقبل القُمص (الكونت) شيشند، وكيل الملك القشتالي لاقتضاء الجزية السنوية، وقد حان وقتها! (ص 284).
وماذا قال حاكم مرسية أبو عبد الرحمن بن الطاهر عندما حاصر ابن عمار مُرسية بالتعاون مع ملك برشلونة وقطلونية (رذموند)، قال ذلك الحاكم :” لا أفرط بمُلكي  لأحد  من ملوك الأندلس، ولا للرومي حتى أستفرغ جهدي. ولكن الأنكى أن يأخذها ذلك الرجل الذي وقف بين يدي يوماً  يتسولني… (يقصد ابن عمَّار)  ص 443.  وبعد أن أخذ ابن عمار مرسية لحساب سيده المعتمد، ورأى مظاهر فخامة المُلك والمنصب الرفيع وما تجره من جاه ومال، سرعان ما انفصل عن سيده المعتمد في إشبيلية وصار ملك مرسية (ص 480و491) [مساحة مرسية تساوي: 11,313 كيلومترًا مربعًا (4,368 ميلًا مربعًا].

الاستـــــــــــــــــــــــــــــــــبداد

  من رسائل الرواية تسليط الضوء على الاستبداد والحكم الفردي التسلطي القمعي، واعتبرت الرواية أنه سبب رئيس في استقواء الأعداء على أهل الأندلس وطمعهم فيهم، ويستحضر الدكتور وليد سيف في هذا المقام  مقولة “الطغاة شرط الغزاة… الطغاة جسر الغزاة! الطغاة مقدمة الغزاة” ويقول “سيف” بأن هذا القول يتناقله الناس “منذ أن سمعوه من الفقيه أبي الحسن الهوزني أيام المعتضد، (وبعد أن سمعها الناس في مسلسل ملوك الطوائف عزوها لابن خلدون) والفقيه الهوزني هذا قتله المعتضد حاكم إشبيلية لأنه صدع بكلمة الحق، ولكن المعتضد الذي أخذه جنون العظمة استفظع أن يعظه فقيه وينبهه إلى ما يجب عمله مع الأعداء (251و414و529) ومظاهر الاستبداد في الرواية كثيرة جدا.
   بعد أن خان ابنُ عمَّار سيدَه وصديقه المعتمد بن عباد، بعد ان أرسله عاملاً على مرسية فاستقل بها وأعلن نفسه ملكا عليها، ولكن بعد أن تمكن منه المعتمد وحبسه، وقابله المعتمد في حبسه قال له :” ولكن الذي فاتك يا ابن عمار، أنه مهما يختلف السلاطين أفراداً، فإن للمُلك طبائع مستقلة عن شخص السلطان. فإن وافق طبعه تلك الطبائع فهو المعتضد [أي الاستبداد والقسوة والبطش] وإن لم يكن طبعه موافقاً لها، طبَّعته بها، ولو بعد حين، يعينها عليه أفاقون من أمثال ابن عمَّار، فهو المعتمد تستيقظ فيه دماء أبيه! ص524 ولهذا سارع بقتل صديقه الذي خاب أمله فيه: ابن عمار.
  المعتضد بن عباد يبدي تبرماً من مسألة الشورى ويضيق بهذه الفكرة التي اصطنعها والده (أبو القاسم) في أول حكمه (ص18) ويصرح بأنه السلطان الذي يُنَصِّبُ من يشاء، ويعزل من يشاء بأمره، ومن عصى يُقتل بأمره، وقال بأنه يأخذ بالظنَّة ولا يبالي.( ص 143).
وهذا صاحب غرناطة: باديس بن حبوس كان وحشاً ضارياً في هيئة أنسان، وإلى جانب قسوته كان رجلاً جاهلاً بالعلوم والمعارف، إلا أنه مع ذلك شديد الذكاء، وما حاجته إلى معارف الكتب في إدارة إمارته؟ حسبه أنه يتقن فنون البطش والقتل والتنكيل، ويحفظ ملكه ببث الرعب” (ص129).

الفسق والفجور وارتكاب الموبقات:

   هذا صاحب غرناطة: باديس بن حبوس؛ كان سكيرا يسرف في الشراب (ص 130) وكذا كان المعتضد والمعتمد وابن عمار وحتى ابن زيدون كان يشرب الخمر، ولا يكاد هناك ملك من ملوك الطوائف لا يعاقر الخمر، وينشغل بالنساء والجواري، ويتخوض في الأموال واقتناء التحف والمجوهرات. وهذا صاحب قرمون “يعكف على الخمر حتى يتعتعه السكر ولا يترك موبقة إلا أتاها” (ص16) وهذا الخليفة المستكفي (الأندلسي) والد الشاعرة ذائعة الصيت (ولاَّدة بنت المستكفي)  يُعزل من منصب الخلافة (الأموية) بعد فترة وجيزة من توليه المنصب لأنه كان “خليعاً متهتكاً لا يفيق من السكر” (ص53)
وهذه ولادة بنت المستكفي تكتب على عاتقها:
 “أمَكِّنُ عاشقي من صحن خدي *** وأعطي قبلتي من يشتهيها” (ص 80) [هذا إن صحت الرواية].

البذح والإسراف والتبذير:

  من مظاهر البذخ الشديد أن ألفونسو الذي لجأ لطليطلة طامعا بمساعدة ملكها المأمون ذو النون، وقد شاهد ما شاهد من عمران طليطلة، قال: “فلا شيء يقارن في بلاده بقصر المأمون الذي كان أعجوبة زمانه في روعة معماره وسعته وتحفه ورياضه ونوافيره والجداول التي تعبر أرضه وتسقي شجره، حتى أخذ يسأل نفسه: من أين يأتي هؤلاء القوم بكل هذا الثراء الذي يتنعَّمون به، مع كل تلك الإتاوات  التي كان أبوه يقبضها منهم؟ وقال: لا بد أنها لم تكن شيئاً قياساً بما يفرضونه هم على قومهم من المغارم والمكوس. وبلادهم على كل حال أعظم وفرة في أرضها وطبيعتها وزراعتها من قشتالة التي تنتشر فيها الجبال الصلدة التي يصعب استصلاحها. ولكن، يبدو أن هذه الوفرة تذهب إلى ترف الحكام وقلة من أوليائهم، بدلاً من إنفاقها في تعظيم قوتهم وجيوشهم، وهذا من حُسْنِ حظِ قشتالة”. (ص333).
 ولعل أشد مظاهر البذخ والترف والسفه كان فيما يُعرف بيوم الطين، وما أدراك ما يوم الطين؟ نهضت السيدة اعتماد الرميكية ذات صباح مبكراً، فوقفت على شرفة القصر ورأت بضع فتيات فقيرات يحملن قِرَابَ اللبن ليبعنه، كانت الفتيات يتضاحكن بكل سرور ويتخوضن في مخاضات من الماء والطين كونها المطر، كن سعيدات بلهوهن هذا، فخطر لها أن تفعل فعلتهن مع بناتها، ولكن زوجها ملك إشبيلية لم تعجبه الفكرة، وأمام إلحاحها وإصرارها، أمر بأن يصنع له الخدم مخاضة من طين مخصوص مكون من مادة لينة عبارة عن عجين من المسك والعنبر والكافور لتحاكي الطين شكلاً وقواماً، ثم تُمَدُّ على أرض الفناء الداخلي لتخوض فيها اعتماد مع بناتها الصغيرات ووصيفاتها وخادماتها، وقد حملن قِراب اللبن يخضن حافيات في ذلك الطيب الممدود أو الطين المُزَوَّر، وهن يصحن:
لبن.. لبن.. من يشتري اللبن! (ص341)
 ولكن ولأن الدنيا لا تبقى على حال، فالله تعالى يُؤْتِي الْمُلْكَ مَن يشَاءُ وَينزِعُه مِمَّن يشَاءُ ويعِزُّ مَن يشَاءُ وَيذِلُّ مَن تَشَاءُ… انقلب الحال على المعتمد وأسرته وتم نزع الملك منهم وأخذه يوسف بن تاشفين (أسيراً) إلى أغمات في المغرب، وضاقت الحياة بهم حتى اشتد عليهم الفقر والقهر قالت له يوما وقد  اشتد الكلام بينهما حول سوء الحال الذي وصلوا إليه: لا تمنن علي، فوالله ما رأيت معك يوماً حسناً.  فقال لها حانقاً: ولا يوم الطين؟ مذكرا إياها بيوم الطين (ص637).

الغدر:

 وهذا المعتضد يمكر ويتآمر على زعماء الإمارات المجاورة، لا سيما الصغيرة منها، جاء في الرواية: “وهو الآن على كل حال يبدو منشغل الذهن منذ عاد من سفره إلى إمارتي مورور ورُندة، هل تحقق له غرض الزيارة بأن يحالفوه على إمارة شِلب إذا خرج في طلبها، بعد أن استولى على الإمارات الصغيرة غرب إشبيلية على أن يقاسمهم خيراتها؟ وما كان المعتضد ليفصح عن تفاصيل الزيارة ونتائجها بوضوح وتفصيل. كل ما قاله هو أن الجماعة أحسنوا استقباله ووفادته، وأنزلوه في خير منزل، ووعدوه خيرا، وأنه في المقابل دعا صاحب مورور محمد بن نوح وصاحب رُندة هلال بن قُرَّة ، وابن عمه معاذ بن قرة، وجمعاً من كبار شيوخ بني  قرة…. وتتمة القصة أنه بعد أن استضافهم دعاهم للاستحمام فدخلوا الحمام وأغلقه عليهم حتى اختنقوا فيه… وما هي إلا أنْ جهز جيشه وانقض على إماراتهم وضمها إليه ليصير المعتضد أقوى ملوك الأندلس بلا منازع، وبذلك أحاط مُلكه بغرناطة من كل جانب، فإذا حازها كانت جائزته الكبرى في تلك الأنحاء. (ص 165 ـ 173).  لقد فعل فعلته التي فعلها لأنه كان يخطط مسبقاً لضم ممالكهم لمملكته، فوجد هذه الطريقة الخبيثة لتحقيق مطمعه هذا، وقدَّم لمن سأله كيف يغدر المرء بضيوفه، قال بأنه وقد أغلق عليه السكر وظنوه قد نام قد راودوا أنفسهم بقتله، وأنه سمعهم وهم يظنون أن السكر قد أخذه وأفقده الوعي.
  وهذا ابن حبوس ملك غرناطة، وبعد أن رأى ضم المعتضد كل الإمارات الصغيرة المحيطة بإشبيلية والقريبة من غرناطة، أحس بالخطر المحدق به، شعر أن خيانةً (من شيوخ العرب في غرناطة، أي زعماؤها) ستتم لتمكين المعتضد من دخول معقله، كما أن شيوخ العرب في رُندة ومورور مكنوا المعتضد منهما بتواطئهم معه، لذلك قرر ابن حبوس هذا قتل جميع (شيوخ العرب في غرناطة) أثناء صلاة الجمعة وهم في المسجد الجامع، فقال ابن حبوس لوزيره اليهودي  ابن نغرالة: ” يحيط جُنْدي بالجامع، ثم يدخلون على القوم فيضعون في نحورهم السيف… كلهم عن بكرة أبيهم.. مرة واحدة… وبذلك نقطع أسباب الخيانة، ومعها آمال ابن عباد… ونوجعه في أنصاره كما أوجعنا في حلفائنا، ولولا أن هذا الوزير اليهودي ابن النغرالة استفظع الأمر وخشي عواقبه وخاصة على قومه اليهود فسرب الخبر من خلال زوجته لزوجات شيوخ العرب فلم يذهب للمسجد أحد، وإلا لكانت مجزرة رهيبة (ص175 ـ 178)

التنافس والاقتتال الداخلي:

لا تكاد توجد ولايتان أو مملكتان في الأندلس في هذه الفترة ليس بينهما توتر أو قتال أو مؤامرات، ولم تُجدِ معهم كل مواعظ الواعظين، ولا قصة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) ولا قول الشاعر:
تأبى العصي إذا احتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحادا
ولا أي موعظة أخرى، فكل منهم لا يثق بالآخر ولا يطمئن له، بل ويتىمر عليه، ويمد يده للرومي لمساعدته في البطش بأخيه، فكانت  هناك فُرْقَةٌ وتنافر بين إشبيلية وبطليوس، ومع غرناطة، وقرطبة  وغيرها من المدن والممالك الأخرى،  ومن ذلك هذا الصراع بين غرناطة وإشبيلية، وصاحب إشبيلية يخطط للقضاء على حكم باديس في غرناطة، عندما أخذ فرناندو الأول بالزحف نحو إشبيلية لم يُظهر المعتضد حماساً لملاقاته، فقال لابنه وهو يسأله عن الاستعداد بأن قشتالة أقوى من كل واحدة من ممالكنا على حدة ( 184) وتحت هذه الذريعة وأن البلاد منقسمة توجه لمعسكر القشتاليين محملاً بالهدايا ومعلناً الخضوع وقبول دفع الجزية كما فعل ملوك سرقسطة وطليطلة وبطليوس 186 وعندما عاد إلى إشبيلية جهز جيشا لمحاربة قرطبة ، وسط دهشة الجميع (ص190) وكان قد وزع جيشه إلى الحدود مع بطليوس وغرناطة ووضع قطعا منه في الجزيرة الخضراء قبالة المغرب 191

سوء في الإدارة:

من علامات سوء الإدارة أو ما يُطلق عليه هذه الأيام بالفساد الإداري توسيد الأمر لغير أهله، فكان هناك وزراء ومستشارون غير مسلمين، فكان مستشار صاحب غرناطة يهودياً  اسمه إسماعيل بن نغرالة اليهودي (ص 135) وكان يتولى الوزارة وتدبير الدولة. ومن بعده ابنه يوسف (ص179).
 وهذا شيشند القشتالي الأصل يعمل قائما على خزانة الدولة للمعتضد، وعندما يفر من البلاد إلى القشتاليين أهل آبائه الأصليين يظهر أنه كان نصرانيا متخفيا (ص157 ـ 164)
 طبعاً، تمت تولية هؤلاء مناصب حساسة في الدولة دون فحص وتأكد من ولائهم وأخلاصهم للدولة، او كفاءتهم، لقد تم اعتمادهم بناء على الثقة الشخصية وحسب.

ألاعيب سياسية:

 ادعى  يحيى بن علي بن حمود صاحب مالقة أن له نسباً في آل البيت، وبالتالي تسمى بالخلافة وصار لقبه أمير المؤمنين، ويطالب بالتالي بسائر الأندلس (15 و18)، وهنا ادَّعى حاكم إشبيلية أبو القاسم وابنه عباد (المعتضد) أنهم عثروا على الخليفة المختفى (هشام المؤيد بن الحكم، الذي حجر عليه الحاجب المنصور)، وبالتالي أعادوا الشرعية لهم من خلال منصب الخلافة بعودة الخليفة الذي اختفى (الصحيح أن مصير المؤيد بقي غامضاً ومختلفاً فيه، وقيل بأنه قُتل) وبالتالي صار على أمراء الطوائف أن يقدموا له البيعة ويجتمعوا تحت شعاره، “فإن أعطوا فقد عصموا دماءهم، وإلا قاتلناهم بسيفك حتى تنطاع الأندلس كلها لنا.. كما قال المعتضد لخلف الحصري بعد أن نصبه مكان الخليفة الغائب” (ص31)  استخدم الفريقان لقب الخلافة ومنصبها لتسويغ أطماعهما التوسعية والكيد للاخرين، فابن حمود ادعى نسبه لآل البيت ليعطي نفسه الحق بالمطالبة بالأندلس كلها، وبنو عباد ادعو أنهم مجرد حُجَّاب للخليفة الذي عثروا عليه مؤخراً للهدف نفسه، وآخر ما كان يطلبه الفريقان الصدق في الرواية والنوايا، فما الخلافة التي تلحفا بها إن هي إلا رداء ارتدياه لحاجة مكشوفة في نفس يعقوب، لم تكن هذه الحاجة غائبة عن عامة أهل الأندلس وخاصتها!
  انتهت محاولتا حاكم مالقا وحاكم إشبيلية في لبس ثوب الخلافة بالفشل، فقد أخفقت خطة  ابن عباد الدعوة باسم الخليفة هشام المؤيد، ولم يستجب له أحد من الملوك (ص145)
كذلك كان مطلب وحدة الأندلس مطلباً نادى به معظم ملوك الطوائف، ولم يجرؤ أحد على القول بأنه يرى في الوضع القائم وضعاً شرعياً ومقبولاً! فمن يقبل بالفرقة والتجزئة!!
يقول المعتضد بعد أن تولى الحكم في إشبيلية بعد وفاة أبيه موضحاً خطته في الحكم :”فخطتي أيها السادة أن نفوز في السباق. فنجمع ما انفرط من عقد الأندلس تحت راية إشبيلية. فإن قيل: إنما هي أطماع الحكم، قلنا: وما ضرَّ الأطماعُ الخاصة إذا التقت بالغاية العامة: توحيد الأندلس. إذ يوشك الرومي أن يميل علينا ونحن على هذه الحال فيضرب بعضنا ببعض. فإن كانت تلك غايتنا فالوسيلة جيش عظيم وسياسة حازمة، والخطة أن نبدأ بالإمارات الصغيرة، فنستقوي بها على الأكبر والأقوى. (ص 142)
أما كان الأجدى السعي لتوحيد هذه البلاد ولو بإقامة تحافات بينية بين تلك الممالك قبل التفكير بأن يلتقي المسلمون بسيفهم ويضرب بعضهم رقاب بعض؟
ربما كانت المحاولة الوحيدة لتوحيد الأندلس ما قام به المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس، فقد أرسل هذا الملك القاضي أبا الوليد الباجي رسولاً للمعتمد بن عباد ضمن رُسُلٍ أرسلهم المتوكل إلى كل ملوك الطوائف يدعوهم إلى نبذ خلافاتهم القديمة، والاجتماع لنصرة طليطلة قبل سقوطها ويدعوهم للجهاد “فإن لم تجتمعوا في حال السلم، فلا أقل من أن تجتمعوا في حال الخوف، وإلا فعلى الأندلس وأهلها السلام” (ص513) ولكن هذه الصرخات والاستنجادات ذهب أدراج الرياح (ص527).
ثانياً: أسباب مشتركة مع العدو
  لم تقتصر عوامل الضعف والانحطاط في الأندلس على عاتق المسلمين وحدهم ـ وإن كان ذلك هو الأهم في الموضوع ـ بل كان للعامل الخارجي دور مهم فيما آلت إليه الأمور، وقد رصدنا هذا الأمر في الرواية من خلال النقاط التالية:

عدم تقدير الموقف نتيجة للتفكير السياسي الساذج:

  عندما لجأ ألفونسو إلى المأمون ذي النون ملك طليطلة، بعد خصام بينه وبين أخيه سانشو الذي اغتصب نصيبه من البلاد الذي أعطاه له أبوهما “فرنادنو الأول” قبل وفاته، قَبِلَ المأمون أن يجير ألفونسو وأكرم ضيافته، وكان المأمون يأمل أن ألفونسو بعد استعادته عرشه المغتصب أن يذكر صنيع طليطلة له، فلا أقل من أن يعفيها من الجزية إذا عاد وفرضها على سائر الطوائف، ويطلق يده فيما ترمي إليه  بالاستيلاء على قرطبة التي كاد أن يضمها لولا نصرة المعتمد لقرطبة التي كان يحكمها أبو الوليد  ابن جهور، وقد سبقه المعتمد وضم قرطبة بمكرٍ من ابن عمار (332)
الفونسو السادس
أي إن المأمون فكر في أمرين: وضع الجزية، وأن يُطلق (ألفونسو) يده ويمكنه من دخول قرطبة، كان على ملك طليطلة ابتداء من رأس الدولة ومروراً بوزرائه ومستشاريه وقادة جيشه، أن يستغلوا وضع الضعف الذي حلَّ بقشتالة نتيجة للصراع على السلطة ويجمعوا قوتهم، ويتحالفوا مع ممالك المسلمين الأخرى للهجوم على الأعداء، وكان عليهم في حال قبول إجارة ألفونسو أن يحدُّوا من حركته، ولكن ألفونسو صار بإمكانه التجول في طليطلة وحده أو مع بعض اللاجئين القشتاليين معه مما مكنه من دراسة نقاط الضعف والقوة في المدينة، وكان عليهم إظهار الحزم والشدة معه لا التبسط بالحديث معه وإسماعه كلمات الثقة والإعجاب به، وكان عليهم إدراك أن العدو عدو لا ثقة به ـ لا سيما وهو في حالة ضعف ـ وأنه سيغير مواقفه في حالة التمكن.
  في ذات جلسة بين ألفونسو والأمير القادر حفيد، حفيد حاكم طليلطلة، قال له:”ها نحن هنا… أنت ملك قشتالي ألجأته الضرورة إلى بلادنا من دون البلدان. عسى أن تسترجع حقك من أخيك. وأنا أمير مسلم، إذا قدَّر الله وصرت ملك طليطلة بعد جدي، أطال في عمره. وقد كان بيننا من العداوات والحروب ما تعلم.. والآن إذ نجلس معاً ونتبادل الحديث، لا أشعر  بغير المودة الخالصة والصحبة الحقيقية. كلانا شاب.. تلتقي مشاربنا وأحلامنا وصبواتنا على الرغم من اختلاف الملة والقوم. فلماذا تُفرِّقنا الحروب والأطماع، وأصل الطبائع التي فُطرنا عليها واحد؟ إلا أنك وُلدت هناك، وأنا وُلدتُ هنا. وما كان هذا باختياري ولا باختيارك، وهذا أخوك ابن أبيك، ودمك ولحمك، قد صنع بك ما صنع، وها نحن هنا، أنا وأنت: ألفونسو والقادر، قد نشأت بيننا صحبة أرجو أن تغيِّرها حوادث الأيام” (ص 336)
اكتفى الطليطليون بوعود شفهية في جلسة (أُنس) غير رسمية واعتبروها اتفاقاً وكلمة شرف، لقد كان هذا الأمر في منتهى السذاجة.
ألفونسو بعد عودته إلى ليون ةمقتل أخيه سانشو، صار ملكاً لقشتالة وليون وجليقية معاً، وبإجماع النبلاء (ص338) وبعد أن تولى الحكم وباركه القساوسة أعطى أمامهم عهوده بمواصلة ما بدأه أبوه: حرب الاسترداد.(ص339) وإخراج المسلمين من الجزيرة إلى الأبد، ولم يتأخر في البدء بإنجاز المهمة (ص 353).
 وما إن عاد ألفونسو للحكم حتى عاد أشرس من سابقيه، وتنكر لكل وعوده لهم، ولما جاء شيشند: رسول ألفونسو وجابي الجزية، إلى طليطلة طالباً الإتاوة التي كان والد ألفونسو ياخذها من طليطلة، نهض المأمون  من مقعده منصدماً، وقال محتجاً:

والعهد الذي قطعه لنا وحلف عليه؟

أجاب شيشند جوال العالم بشؤون المسلمين وأحكام دينهم: كان ذلك ذلك يمين المكره في الحال الذي كان فيه، وهو لا يُلزم، وهذا في دينكم يا سيدي؟

صاح المأمون: وما وجه الإكراه، وقد جاءنا لاجئاً طريداً فآويناه وأحسنا إليه؟

فأجاب شيشند: وهو شديد الامتنان لكم يا سيدي، ولكنه كما قلت: كان لاجئاً لا خيار له ، ولو شئتم لقتلتموه أو حبستموه وتقربتم بذلك إلى أخيه وعدوه، وما كان ليقدر على دفع ذلك. وهذا وجه الإكراه. (ص354)

الركون للاعداء طلبا للسلامة والاستعانة بالأعداء

   حكاية توحيد الأندلس التي نادى بها زعماء الطوائف هي غطاء لأطماعهم، وكيف يكونون صادقين وقد قصدوا التوصل إليها بالقتل والاقتتال بين المسلمين، ولم يقلع هؤلاء الحكام عن كل مفاسدهم الأخلاقية والاستبدادية. حتى عندما تواطأ ابن عمار وسيده المعتمد مع ألفونسو لدخول عرناطة ودفعهم ألوف مثاقيل الذهب برر ابن عمار ذلك بقوله :”إذا بلغنا الغاية، غفر الناس لنا الوسيلة. فإذا بلغناها فربما صرنا في قوة نستطيع معها أن نغالب الرومي نفسه، ونعود بالأندلس سيرتها الأولى” (ص 359) ونتيجة ذلك “استطاعت إشبيلية ضم قرطبة” (ص373)، وقد وجد المعتمد مَنْ قَبِلَ ورضي له تعاونه مع الرومي في حصار قرطبة بحجة الضرورة ما دام الهدف نبيلاً وأنه لا سبيل لتوحيد البلاد دون ذلك ما دام أنه لا يوجد بين ملوك الطوائف مَنْ يقبل التنازل عن عرشه مقابل الوحدة (ص373)
  ومشهد آخر: جاء شيشند مندوب ألفونسو ملك قشتالة إلى صاحب طليطلة المأمون بن ذي النون (والذي كان ألفونسو قد لجأ إليه مستجيراً به من أخيه) وطالبه بدفع الجزية لهذه السنة والسنوات السابقة وخمسة آلاف مثقال من الذهب، وعندما احجتج المأمون قائلاً، بأنه لم يبق إلا أن يطلب طليطلة نفسها؛ أجابه شيشند بأن هذا ما يجب أن تتجنبه، ولكنه (أي ألفونسو) يتعهد بحمايته من بقية ملوك الطوائف، ويُطلق يد (المأمون) في أي خطة يرسمها بالاستيلاء على أي من تلك الإمارات (ص 355) ولكن ما يفعل المأمون وحفيده القادر بعد أن شعرا بالغدر وعدم الوفاء ممن استضافوه بالأمس، ثم توجه ابتزاز ألفونسو نحو إشبيلية  وغرناطة، والمخزي في الأمر أنه بعد رفض حاكم غرناطة (عبد الله بن زيري) دَفْعَ ما طلبه ألفونس، جاء ابن عمار وزيرُ المعتمد واجتمع بمندوب ألفونسو وكان الذي لا يتصوره عقل، فقد قال ابن عمار لشيشند: كم المبلغ الذي رفض ابن زيري دفعه؟  عشرون ألف دينار… أنا أزيدكم خمسين ألفاً، غير الضريبة الراتبة التي نؤديها لكم. وذلك مقابل إطلاق يد إشبيلية بالاستيلاء على غرناطة بمعاونة الجند القشتاليين، وفي الاتفاق أنه بعد دخول غرناطة فللقشتاليين أخذ أموالها، المهم هو أن يمتد حكم إشبيلية إلى غرناطة (357و358) وتحت شعار فارغ هو وحدة المسلمين قبل المعتمد عرض ابن عمار لألفونسو (وكأن الوسيلة الخسيسة تبرر الغاية النبيلة؟!!) هذا إذا سلمنا ان مقصد المعتمد هو ضم غرناطة لإشبيلية كان فعلاً لتحقيق الوحدة بين المسلمين!!!.
ولكن: ورغم التزام إشبيلية بكل تعهداتها لألفونسو، هاهو يزحف إليها بجيش عظيم سنة 470هـ = 1078م (ص411) فألفونسو لا يريد  لأي مملكة إندلسية مسلمة التسوع والقوة!
  فما أشبه اتفاقيات ألفونسو مع ملوك الطوائف باتفاقيات العرب مع القادة الصهاينة، ابتداء من اتفاقيات الهدنة عام 1948 وحتى اتفاقياتهم مع سلطة حماس أثناء حرب 2023 ـ 2025 الراهنة، فما إن يتم الاتفاق على شيء حتى يتم اختراقه فوراً، بحجة أو بدون حجة!
 وهذا مشهد آخر: ابن هود صاحب سرقسطة يتحالف مع سانشو راميرزملك أراغون، ليغيروا على أراضي طليطلة ويعيثا فيها فسادا ويهلكا الحرث والنسل، ولكن المعتمد يعلم أن ألفونسو ليس بعيداً عن هذا، وإلا لكان أول من يخف إلى ردعهم، فهو يريد طليطلة لنفسه وعلى هذا جرى تعاقده مع ابن عمار حين أحاط بإشبيلية (ص467) وبالمقابل قام صاحب طليطلة بالاستنجاد بألفونسو رغم غدره به (467) والذي سيبتزه هذه المرة بالمطالبة بدفع ستين ألف مثقال من الذهب والزيادة في ضريبة السنة لتصير خمسين ألف دينار ذهبا، وفوق ذلك ينزل له عن حصون: سرية وقتورية وقنابش وهي الحصون المتقدمة التي تصد عن طليطلة. (ص 468) ( والمبلغ الذي فرضه القشتاليون يعادل نحو 33 مليون دينار أردني ، وما يساوي 46 مليون دولار أمريكي، بحساب هذه الأيام) وهو مبلغ رهيب في كل الأوقات قديماً وحديثاً.  وفي تقديري أن ما دفعة ملوك الطوائف لألفونسو وحده في تلك الفترة يعادل مليار دولار أمريكي “. والأنكى من ذلك  أن الفونسو هذا قال لشيشند أحد مساعديه بعد أن غادره وفد طليطلة: أرسل إلى ملك أراغون أن يزيد في غاراته على أراضي طليطلة مع صاحبه ابن هود، حتى يأتيه منه أن يكُفَّ. ص 468
المصيبة:  الجميع يتصل بالعدو بالخفاء ويطلب ودَّه
 [طليطلة أول السقوط: هي عاصمة الحكام القوط قبل نزول المسلمين الجزيرة، وعاصمة المسلمين الفاتحين الأولى، قبل نقلها إلى قرطبة! ومع ذلك كانت من أوائل الممالك الإسلامية التي وقعت فريسة لألفونسو، ومن العُجب أن طليطلة تقع في وسط الأندلس، حتى قال الشاعر “ابن العسال” في شأن سقوطها:
              يـا أهـل أنـدلس حثــــــوا مطيكـم *** فمـا المقام بها إلا مــــــــــن الغلط
             الثـوب ينسـل مـن أطرافه وأرى *** ثـوب الجزيـرة منسولا من الوسط
             ونحــن بيــن عـدو لا يفارقنـــــا *** كيف الحياة مع الحيات في ســـفط]
  بعد أن فشلت طلبات النصرة التي أرسلها صاحب بطليوس نجدة لطليطلة التي أشرفت على السقوط، حاول أعيان طليطلة التفاوض مع ألفونسو نفسه، ولكنه لم يتزحزح  عن موقفه وهو الاستسلام التام مقابل حقن دمائهم وأموالهم وإلا فسيستبيح الدَمَ والمال والنساء، ولكن هذا العرض لم يرق لهؤلاء الأعيان فقال أحدهم لألفونسو: لا تغتر بحالنا أيها الملك، ولا بما كان من خلافنا مع إخواننا ملوك المسلمين. فإنك ستراهم جميعاً يقاتلون عن بلدنا صفاً واحداً.
ولكن الملك القشتالي ألفونسو سخر من هذا القول، فاصطحب أعيان طليطلة إلى سرادق مجاور، فدخل ومعه وفد طليطلة. وكان في الداخل عدد من رجال الأندلس، وأشار إليهم وخاطب الوفد بنبرة ساخرة:

انظروا .. مَن هؤلاء؟ هل تميزونهم؟ إنهم سفراء إخوانكم ملوك المسلمين الذين سيقاتلون عنكم صفاً واحداً… جاءوني يجددون عهود المسالمة بيني وبينهم. (ص528).

وبلغ استخفاف ألفونسو بكل ملوك الطوائف أن قال في حقهم :” كيف أترك قوماً مجانين، تَسَمَّى كل واحد منهم باسم ملوكهم وخلفائهم الغابرين: المعتضد.. المعتمد.. المعتصم … المتوكل … المستعين … القادر .. المقتدر.. الأمين والمأمون، وكل واحد منهم لا يسلُّ سيفاً، ولا يرفع عن شعبه ظلماً… وقد أظهروا الفجور والبطر، واعتكفوا على المغاني والآلات… فكيف أدعها [الأندلس] بين أيديهم؟ (ص 528).
طليطلة
 هل مِنْ حل

الوحدة هي الحل.

كان أول ما يجب أن يفكر فيه حكام الطوائف من المسلمين في الأندلس في ظل تلك الأوضاع أن يتوقفوا عن الصراعات بينهم، وان يعمدوا إلى عقد هدنات مؤقتة بينهم (على الأقل)، والدخول في تحالفات عسكرية لتوحيد الجهود في الوقوف في وجه التهديد الوجودي الذي كان يشعر به كل أهالي الأندلس.

إن لم تكن الوحدة وكان الكرسي أعز من الوالد والد، فلنستعن بصديق قوي!

    تهامس… وصرَّح الكثيرُ من الفقهاء والعلماء وعامة الناس بأن قدوم المعونة من المغرب صارت واجبة، فهناك القائد القوي الشجاع، أمير المسلمين، أمير المرابطين، الزاهد في الحكم، يوسف بن تاشفين؛ الذي يمكن أن يؤدب القشتاليين ويكفَّ شرهم؟ فلماذا لا يتم الاستعانة به؟َ!
  الغريب في الأمر أن عدداً كبيراً من ملوك الطوائف كانوا مترددين في استدعاء ابن تاشفين خوفا من بقائه في الأندلس واستيلائه على عروشهم، ولكن لم يكن أمامهم إلا متابعة المعتمد في الاستعانة بالمرابطين لدفع ألفونسو وبأسه وتهديده ممالكهم، وأخيراً أرسل المعتمدُ ملكُ إشبيلية والمتوكلُ بن الأفطس ملكُ بطليوس وعبد اللهُ بن بلقين حاكم غرناطة إلى ابن تاشفين للقدوم إلى البلاد وإنقاذ العباد، فدخل القائد المرابطي الأندلس عام 478هـ = 1085م ومعه ثلاثون ألف مقاتل، وأعدَّ ألفونسو العدَّة للمواجهة وقدَّمت له العونَ ممالكُ الفرنجة: فرنسا وإيطاليا والجلالقة وغيرها، وقد أصيب ألفونسو بالغرور إذ بلغ تعداد جيشه (حسب بعض المراجع) نحو ثلاثمئة ألف مقاتل، فقال”بهذا الجيش أقاتل الجن والإنس، وأقاتل ملائكة السماء”، وحتى لا ندخل في التفاصيل فقد جرت معركة كبرى بين المسلمين المرابطين وقائدهم ابن تاشفين ومعهم ملوك الطوائف الذين كتبوا إليه، وبين ألفونسو وآلافه المؤلفة، وجرت معركة الزلاقة يوم (12رجب479للهجرة الموافق23/10/1086) وكانت معركة حامية جداً انتهت بهزيمة مروعة لأفونسو وجيشه، قُتِل فيها معظم جيش الأعداء، وهرب ألفونسو من أرض المعركة ودخل طليطلة ومعه نحو مئة من جنوده.
  بعد انتهاء المعركة عاد ابن تاشفين وجنوده إلى المغرب تاركين الأندلس لأهلها وملوكها الذين سرعان ما عادوا إلى ما كانوا فيه من فرقة وخلاف واقتتال واستعانة بألفونسو، فبدأت بلاد المسلمين بالتساقط بأيدي القشتاليين وأهمها”بلنسية” وقد بلغ الأمر ببعض ملوك الطوائف أن أرسلوا لأفونسو يشجعونه على المقاومة والصمود، وقد وقعت هذه المراسلة بيد ابن تاشفين، وهنا قرر فتح الأندلس ثانية وضمها للمغرب، وهنا حاربه ملوك الطوائف وعلى رأسهم المعتمد، والذي استعان بألفونسو ضد المرابطين، وبعد أن انتصر  ابن تاشفين عليهم أصبح أميراً على دولة تمتد من شمال الأندلس وبالقرب من فرنسا وحتى وسط إفريقيا، وكان اسم هذه الدولة “دولة المرابطين”.
معركة الزلاقة

تستوقفنا في أحداث هذه الرواية بعض الأسئلة، فلماذا ابن تاشفين بعد معركة الزلاقة وانتصاره العظيم لم يتابع ألفونسو حتى عقر داره، ولم يتركه يدخل طليطلة، هذه المدينة الإسلامية التي كانت من أوائل المدن الإسلامية سقوطاً عام 478 هـ/1085 م. بيد ألفونسو، أي قبل الزلاقة بسنة!

والسؤال أيضاً: لماذا ترك ابن تاشفين ملوكَ الطوائف على كراسيِّهم، مع أن ماضيهم في الفُرقة والاقتتال يشير إلى أنهم لن ينصلح أمرهم بعد الزلاقة، ألم تكن عنده رؤية شرعية وسياسية أنه لا يمكن ترك الأندلس موزعة بين هذا العدد الكبير من الدويلات والتي تتصارع فيما بينها، والتي سبق لبعض ملوكها أن اتصلوا بالأعداء وتحالفوا معهم ضد المسلمين!!!

صحيح أنه اضطر شخصياً للعودة السريعة للمغرب إثر وفاة ابنه الأكبر، ولكن كان يمكنه وضع نائب له على الأندلس؟

ولكن ابن تاشفين استدرك الأمر وقام بتوحيد الأندلس عندما تكررت خروقات ملوك الطوائف بعد دخوله الثاني للأندلس عام (483هـ = 1090م) واستمرت البلاد موحدة حتى ضعفت دولة المرابطين.

بعد ضعف دولة المرابطين في الأندلس، دخلت المنطقة في فترة من الاضطراب السياسي والاجتماعي. في القرن 12 الميلادي، تفككت دولة المرابطين إلى دويلات صغيرة، وظهرت ممالك الطوائف أو ملوك الطوائف للمرة الثانية. ومن ملامح الحالة في تلك الفترة *الضعف السياسي

تفككت الدولة الموحدة إلى إمارات صغيرة، مما أدى إلى تناحر بين الحكام المحليين.

الغزوات*: استغلت القوى الخارجية مثل الموحدين هذه الفوضى، حيث تمكن الموحدون من السيطرة على المغرب ثم الأندلس.

الصراعات الداخلية*: كانت هناك صراعات بين مختلف المجموعات العرقية والدينية، بما في ذلك المسلمون واليهود والمسيحيون.

ومن أهم الأحداث التي وقعت:

قيام دولة الموحدين*: تمكن الموحدون من السيطرة على الأندلس بعد فترة من الاضطراب، وأسسوا حكمًا جديدًا استمر لعقود.

الحروب المسيحية*: استمرت الحملات المسيحية على الأندلس، مما أدى إلى فقدان المزيد من الأراضي لصالح الممالك المسيحية في الشمال.

كل ذلك مهد للانهيار التام واستقواء الأعداء حتى سقطت الندلس نهائياً بسقوط غرناطة التي كان يحكمها بنو الأحمر عام (897هـ = 1492م).

من رسائل المسلسل التي لمسناها: ما يجب أن يكون عليه المسلمون لتحديد أسلوب حياتهم: تقريب الفجوة بين السلفيين المحافظين والمتفتحين على الحياة!!

   سبق وأن عرفنا من أين استوحى “وليد سيف” اسم روايته؟ إنه من تبدل حال الناس في إشبيلية (والأندلس عامة) بعد دخول المرابطين فيها المرة الثانية وخلعهم ملوك الطوائف وضم الأندلس للمغرب، فقد مثَّل المرابطون الخط السلفي المتشدد الذي يأخذ بالخشونة والزهد والتقشف وترك متاع الحياة الدنيا، ومثَّل أهل الأندلس الخط المنفتح على الحياة؛ الذين يتذوقون الجَمال ويأخذون بأسباب المدنية، أي يحبون بحبوحة الحياة وطيبها، ولمَّا كان المرابطون هم المسيطرين على الحكم والمتحكمين بتوجه الناس؛ فقد فرضوا كثيراً من نمط حياتهم الخشن على أسلوب حياة الناس.
   كأني بالدكتور وليد سيف يريد أن يوصل لنا رسالة أنه لا يستقيم حال الناس مع هذين الخطين، فلا إفراط ولا تفريط، ولا تراخٍ وتهاون يقالبه التشدد والقسوة، ماذا لو عاش الناس في منزلة بين المنزلتين: التزام بأحكام الشريعة والتنعم فيما هو مباح من متاع الحياة الدنيا، لتعود الأندلس كما كانت أيام الداخل والناصر والأوسط… وحتى المنصور ابن أبي عامر الذي لم تهزم له راية، وحيث القوة والانتصارات، ومحاربة الفساد، طبعاً دون أن تشوبها مظاهر القسوة والفساد والاستبداد .
الحل يكون من جنس الفكرة والعقيدة
عندما حاصر ألفونسو إشبيلية، وجاء ابنُ عمار وزيرُ المعتمد لمفاوضته، وانتهت المفاوضات بقبول ألفونسو عدم دخول إشبيلية، ولكنه اشترط أن لا يعود عنها إلا بعد أن يأخذ إتاوة عامين غير هذا العام، وأن يتركوا ألفونسو يدخل طليطلة (دون اعتراض منهم)، ولما اعترض ابن عمار على ذلك لأن طليطلة ليست لهم، قال ألفونسو :”ما هي إلا أن تكون لنا أو لكم. وأعَلْمُ أنكم تستطيعون الآن  أخذها .. ونحن نريدها لنا. ولكي أثبت لكم أنني ملك منصف، فهذا عَرضي: نُطلق أيديكم في مرسية والجنوب، وحتى بطليوس، لا مانع عندي. وأنتم في المقابل لا تدخلون بيننا وبين طليطلة مهما يحدث. بل يترتب عليكم أن تشغلوها فتغزوا أراضيها الجنوبية، فما حزتم منه  تسلموننا منه كل ما يقع شمال سييرا مورينا.
 وبعد أن وافق ابن عمار على (شروط) ألفونسو قال للزعيم القشتالي:

هذا التعاقد… أرجو أن يظل سرَّاً، لا نريد أن يقوم علينا فقهاء مملكتنا وعامتهم… فما في ذلك نفع لنا ولا لكم. (ص427)

بعد هذه المصيبة عاد ابن عمار مزهواً بنصره وقد منحه ألفونسو لقب “رجل الجزيرة”.لكن النذالة أبت أن تفارق أهلها
سقوط طليطلة تم بعد حصار شديد” فافتقر الناس وضاقوا بعيشهم وبلغ بهم الجهد حتى طفح الكيل، وشمل ذلك العامة والخاصة ص 481، وهذا  يشبه حصار غزة الآن (2025)،  فاجتمع رأي الأعيان والقضاة  على خلع صاحبها “القادر بن ذي النون” وواطأهم على ذلك العسكر، ولم يجد الملك المخلوع إلا أن يذهب إلى ليون، يستنجد “ملك الملتين” كما صار ألفونسو يلقب نفسه، الآن يدور الزمان على أهل الزمان، قديماً جاء ألفونسو طليطلة لاجئاً، والآن يأتيه صاحبها شريداً طريداً  مستغيثاً به ليرده إلى عرشه، وكان شرط ألفونسو عليه أن يحكم طليطلة باسمه، فتكون بمثابة ولاية أو حامية تابعة لقشتالة، ويكون لألفونسو الرأي الأخير فيها (ص482).
  المفاوضة مع الأعداء بهذا الشكل المذل، يأباه الله ورسوله وصالح المؤمنين، وهو مخالفة شرعية بيِّنة، ما دام أن هناك بدائل شرعية تتمثل في الوحدة، وحتى لو تم التنازل عن العروش التي هي بأي شكل ساقطة بيد الأعداء، أما كان الأجدر بزعيم إشبيلية المعتمد بن عباد ووزيره ابن عمار أن يدخل في مفاوضات لقيام تحالف مع بقية دول الطوائف وعلى رأسها طليطلة بدل من هذا الإذلال والمهانة أمام القشتاليين الذين لم يُخفوا هدفهم الأعلى.. استرداد كل الأندلس وتخلصها من حكم المسلمين..
أين دور العامة:
شأن العامَّة في كل زمان ومكان، إن لم تكن هناك قيادة واعية مسؤولة تنظمهم وتكون على وعي بهدفها وما يحيط بها، فلن يكون لعملها نتيجة مؤثرة في الأحداث، وغياب هذه القيادة بين الناس في الأندلس أدى إلى غياب دورهم في الواقع، وهذا ما لاحظتُه في الرواية، ولم يكن دورهم أكثر من التذمر ولوم الحكام وانتظار النصر، وحتى ما قام به الفقهاء والعلماء من وعظ وخطابات نارية، وحتى عندما وصلت رسائلهم للحكام “كما حصل مع الفقيه أبي الحسن الهوزني مع المعتضد وقيام المعتضد بقتله بطريقة بشعة” أيضاً كان عملاً فردياً، فلم يثر العامة ضد المعتضد.(ص251ـ 254)
  ولكن كان هناك دور للعامة في خلع بعض الحكام كما صار مع القادر بن ذي النون حاكم طليطلة بعد أن رضي أن يكون تابعاً لألفونسو، أو كما فعلت العامة مع ابن زيري حاكم غرناطة الذي امتنع أول الأمر عن الاستجابة لابن تاشفين بعد أن عاد لتوحيد الأندلس! لقد أدت ثورة العامة ضد ابن زيري إلى أن يستسلم لابن تاشفين. وفي كلا الحادثين لم يكن للعامة مَن يستلم الحكم بعد ثوراتهم، ففي حالة القادر جاء القشتاليون فوراً ودخلوا طليطلة، وفي حالة غرناطة جاء ابن تاشفين.
  الحل الصحيح … أن ياتي متأخراً خير من أن لا يأتي نهائياً!
(1)
 المغرب كانت تابعة للأندلس أيام الناصر والحكم المستنصر والمنصور ابن أبي عامر على فترات من الزمن، والآن وقد تفرقت الأندلس  طوائف وشيعاً وذهبت وحدتها وقوتها، فأخشى أن ينقلب الحال، فيعمل هؤلاء المرابطون على إلحاق الأندلس بالمغرب. (ص245) وقال “المعتضد” أيضاً بعد أن قال لابن زيدون انه بين نار الرومي ونار المرابطين: لا نريد أن نُحمل على الاختيار بين نار الرومي ورمضاء المرابطي.. بين عدو من غير ملتنا وديننا، وبين من يمكن أن يقاتلنا باسم ديننا وملَّتنا! ولا بديل إلا أن نضاعف نحن جهودنا في توحيد البلاد، وتمكينها بكل ما نقدر عليه، حتى لا يقدر علينا غيرنا (ص 247) هذا ما قاله المعتضد لابن زيدون وهو يحاوره ويبثه مخاوفه. لقد كان هؤلاء يعرفون الداء، والدواء، ولكنهم لا يريدون تناول هذا الدواء لنه يقضي على مطامعهم ويشكف خبث نواياهم.
(2)
  لقد طفح الكيل: كلما أسرف العدو في تعاليه واستفزازه كلما حانت ساعة المواجهة، هذا ما كان بين المعتمد وألفونسو، فرسول ألفونسو (ابن شالب) والذي كان من رعايا المعتمد، ولكنه فر إلى قشتاله، تمادى في غيه وعنجهيته وهو يطلب الجزية من المعتمد وقد تقصد إهانة المعتمد نفسه، فما كان من المعتمد إلا أن صفعه بقوة صفعة ألقت به أرضاً، ثم أمر أن يُصلب منكَّسَاً  على خشبة على باب المدينة. (ص503)؛
لم يشعر المعتمد بالندم، رغم تقديره للعاقبه، وقال لنفسه:”فأي خيار بقي له؟ فكلما أعطى ألفونسو شيئاً اشتط في طلب ما هو أعظم منه. ولا تزيده الموادعة إلا استعلاءً واستكباراً، وهو لن يتوقف حتى يحوز ممالك المسلمين كلَّها، واحدة إثر الأخرى، وما مطالبه المتعاظمة إلا تمهيد لتلك الغاية، فإن كان لا بد من الموت فليمت الإنسان عزيزاً” (ص 504).
  والحل: جاءت فكرة الحل الذي تحدث عنها العامة والفقهاء وأعيان الأندلس وقضاتها، لا بد من الاستعانة بمرابطي المغرب، والأمير يوسف بن تاشفين. رغم المخاوف من بقاء المرابطين، ولكن إن ذهبت إليهم أولى من ذهابها للرومي (ص 505).
   قبل قدوم ابن تاشفين للأندلس دارت أحاديث بين الناس حول هذا الموضوع، فقال أحد العامة:

وَلِمَ يتكلف ابن تاشفين وقومه النهوض إلينا ليحمي بلاداً يفرط بها أصحابها.

فأجاب آحر: بل قل: من يدعوه ويستصرخه؟ أمَّا حكَّامنا فيخشون قدومه أكثر من خشيتهم أذفونش (ألفونسو) وقومه! (ص417).

(3)
لم يتأخر رد ألفونسو على مقتل رسوله ابن شالب؛ فحشد جيشاً كبيراً انتهى به الأمر إلى حصار إشبيلية، ولكن معاون ألفونسو (شيشند) أقنعه بترك حصار إشبيلية والتوجه لأخذ طليطلة، الأمر الذي تم (ص 507).
(4)
 انسحب ألفونسو من حصار إشبيلية، وذهب واحتل طليطلة، ثم عاد ثانية لحصار إشبيلية، ووجد أنه لا مفر من مواجهة الفونسو وأنه لا بد مما هو بد، وهو استدعاء قوة كبيرة تساعدهم في صدِّ هذا العدو المتغطرس الذي ليس لأطماعه حدُّ.
   ورغم مخاوف ابن عباد وبقية ملوك الطوائف أن استدعاء المرابطين من المغرب وبقائهم في الأندلس، إلا إنهم لم يجدوا أمامهم إلا الكتابة ليوسف بن تاشفين أمير المرابطين لنجدتهم من القشتاليين، وقال المعتمد قولته المشهورة :” رَعْيُ الجِمالِ عند ابن تاشفين، ولا رعي الخنازير عند أذفونش (ص 566 ) وسرعان ما استجاب ابن تاشفين، فبدأ وصول المرابطين إلى الأندلس. وأما الفونسو فقد أرسل في بلدان ملَّتِه طالباً العون والمتطوعة. فبدأوا بالتقاطر عليه من غالة، وراء دبال البرتات (البرانس) وما يليها من بلاد الفرنج (الفرنسيس)، وبلاد اللمبارد، وقد أدرك الجميع خطورة الوضع ومآلاته على الجميع؟ (ص536). وكانت موقعة الزلاقة العظيمة.
  بعد هزيمة ألفونسو القاسية جدًا في معركة الزلاقة (479هـ = 1086م) وفرار ألفونسو بنحو مئة من جنوده (من أصل ستين ألفاً ) لم يلحقه جيش المسلمين إلى طليطلة التي كان قد احتلها قبل سنة (478هـ = 1085م). يقول وليد سيف :” طليطلة:  سيظل الناس يتساءلون دهراً: لماذا لم يلحق ابن تاشفين بألفونسو وقد دَمَّرَ قوته فيسترجع منه طليطلة قبل أن ينهض من كبوته؟ ولسوف تختلف الإجابات والاجتهادات، دون التوصل إلى رأي قاطع! (ص 547) وبالطبع، حتى ألفونسو نفسه سأل هذا السؤال.
 والسؤال الآخر: لماذا عاد ابن تاشفين إلى المغرب دون أن يضمها إلى المغرب، ويعزل كل ملوك الطوائف عن كراسيِّهم، أليسوا هم من تسببوا بكل تلك الكوارث! هذا رغم مناشدة جمع من فقهاء الأندلس ـ الذين جاؤوا يناشدونه البقاء في الأندلس (ص 549 ) وهل كان حرص ابن تاشفين على الوفاء بعهده لملوك الطوائف أن لا يستقر بالأندلس؟ وهل كان اجتماعه بهم قبل مغادرة الجزيرة وحثهم على نبذ الخلاف مبرئاً للذمة! ألم ترتفع أصواتهم في حضرته وكل واحد يقدم طلبات من شأنها تثبيت الفرقة والتجزئة بينهم، وتكشف أنهم في صراع سيعود بعد هذا الانتصار(551 بتصرف) وألم يقل لهم: لم نجتمع لننظر فيما استدبرتم. ولكن ، فيما تستقبلون من أمركم، فاتقوا الله في أنفسكم وفي رعاياكم. فإن الرومي لم يجترئ عليكم إلا بما جرأتموه، تُخْرِبون بيوتكم بأيديكم وأيدي عدوكم، والرومي معذور في أن يطلب صلاح أمره بفساد أمركم، فما عذركم في أن تطلبوا فساد أمركم بأيديكم ثم تلقوا بها إلى الرومي” (ص522).
(5)
لم يلبث ألفونسو ان أعاد ترتيب أوضاعه، فأعاد الإغارة على أراضي الإمارات الأندلسية والاستيلاء على بعض الحصون  هنا وهناك ويستقوي يوماً بعد يوم، ولم يستثن أطراف قرطبة وإشبيلية في بعض غزواته  (ص 566) وعندما وصل حدود غرناطة قام حاكمها “ابن زيري” بالخضوع وأعطاه ما يريد ليرجع عنه (ص569).
فابن زيري لم يستمع لنصائح ابن تاشفين وهو يغادر الجزيرة بعد انتصار الزلاقة، وأما ألفونسو  فقد استفاد من الدرس جيداً، فما دام المسلمون منقسمين ستظل عوامل سقوطهم قائمة، فلا شيء تغير عما كانوا عليه قبل الزلاقة. وابن زيري هذا وبعد أن ثار الفقهاء والعلماء عليه نتيجة تخاذله أمام الرومي همَّ بقتل الفقيه قاضي الجماعة أبو جعفر القليعي الذي أثار العامة عليه، القائل:” أبعد الزلاقة وما تكلفه المرابطون فيها، والعهود التي أخذها ابن تاشفين يعود ابن زيري مع ألفونسو سيرته الأولى”، ولولا تدخل والدة ابن زيري وتوسله لابنها أن لا يقدم على جريمة  قتل وحتى لا يُقال: قدر على قاضي الجماعة إذ عجز عن رد الرومي، لكان قد قتل القاضي الذي ينهى عن منكر التواطؤ مع العدو (ص 571 بتصرف).
(6)
لماذا عاد المرابطون بعد بضع سنين؟!!!!
 بعد سنتين اثنتين من الزلاقة، وسنة (481 هـ/1088 م.) وبعد دعوة من الفقهاء وعلى رأسهم القاضي أبو جعفر القليعي الذي أوشك ابن زيري على قتله احتجاجاً على تعاون ابن زيري مع ألفونسو، عاد ابن تاشفين ثانية، عاد هذه المرة لجبر الخطأ الذي ارتكبه في المرة السابقة، جاء لكنس كل ملوك الطوائف وتوحيد الأندلس مع المغرب.
  أرسل أولاً لابن زيري يريده الحضور فامتنع، ولم يكتف بذلك بل عاود الاتصال بألفونسو طالبا مساعدته على ابن تاشفين. (ص574) ولكن الغرناطيين انفضوا عنه، وأصبح وحيداً، فلم يجد بداً من تسليم نفسه وماله الوفير جداً لابن تاشفين  (ص575) ولما رأى ابن تاشفين هذه الأموال والمجوهرات التي لا تقدر بثمن عند ابن زيري، قال: أهذا كله لرجل واحد كان يستوفي ضريبة الرومي من رعيته؟ وإن كان هذا عنده، فكيف الذي عند المعتمد، وهو أغنى منه، ومملكتُه أعظم من مملكته.. ومثل إشبيلية، بطليوس وسرقسطة والمريَّة! (ص 576).
  أما المعتمد وبعد أن لبى دعوة ابن تاشفين وحضر لمعسكره، إلا أنه هرب من غرناطة حيث كان من المفترض لقاء ابن تاشفين، واتصل بالأذفونش طالبا الحماية (حين يحتاجها) ص 578
وكان لا بد للمرابطين من خوض حرب في الأندلس، ولكنها هذه المرة ضد (ملوك الطوائف المسلمين) وليس ضد القشتاليين.
  هل كانت عقوبة مناسبة؟ أم قاسية؟ أم متساهلة؟!!!
  دخل ابن تاشفين الأندلس وانتصر على ملوك الطوائف وأخذهم أسرى عنده في المغرب لا سيما المعتمد بن عباد (ملك إشبيلية) وابن زيري (ملك غرناطة)، فينتهي مقام النفي بابن زيري في مكناس، بينما ستكون (أغمات) جنوبي البلاد على مسافة من مراكش (المسافة بين مراكش وأغمات نحو 36كم) في بيت طيني ضيق مكون من غرفتين وبلا أي أثاث سوى بعض الحُصُر والأغطية الخشنة (ص621)، يحرسة حارس مرابطي، وكان معه زوجته اعتماد وابنتاه عائشة وعبيدة والصبي أبو هاشم (في حين فُقدت بثينة أثناء اقتحام الغوغاء والمرابطين للقصر في إشبيلية، ثم بيعت في سوق النخاسة، وانتهى بها الأمر في بيت رجل عرف أنها ابنة المعتمد فتزوجها بعد أن راسلت أباها وأخذت موافقته) أما الأبناء فقتل منهم المأمون والمعتد، وأما من بقي منهم وهو الرشيد فقد احتجزه ابن تاشفين بعيداً عن والديه، وبقي ابنه عبد الجبار مختفياً في الأندلس.
  أشد ما قاسى المعتمد في منفاه هذا بالإضافة إلى خشونة العيش ومرارتها، وفقدان السلطان، أن زاره حارسه إبراهيم وأنه لما لمس ما به المعتمد من شظف العيش اشترى من بنات المعتمد ما كن يغزلنه من صوف، فقد اعتبر المعتمد أنه قد وصل لدرجة أن يشفق عليه حارسه ويشتري غزل بناته في تصرف اعتبره المعتمد من باب الصدقة.
 وكذلك عندما اشتد الحوار بينه وبين زوجته حول سوء الحال الذي وصلوا إليه قالت له: لا تمنن علي، فوالله ما رأيت معك يوماً حسناً.
 فقال لها حانقاً: ولا يوم الطين؟ مذكرا إياها بيوم الطين (ص 637) وقد ذكرنا قصة يوم الطين هذا عند الحديث عن “البذح والإسراف والتبذير”.

لمسات فنية

   لستُ بالناقد الدبي لأعطي رأياً فنياً في عمل أدبي، لا سيما إن كان من إبداع كاتب كبير هو الدكتور وليد سيف، الذي رفع الذائقة الدبية لدى جمهور واسع عريض من متتبعي أدبه، فكثير من الناس الذين التقيتهم قالوا بأن أول ما شد انتباههم لأعمال الدكتور وليد سيف، تلك اللغة الجميلة العالية المبهرة، فهي مفتاح التلقي عنه، وقد لفت انتباهي في هذه الرواية “شأن اعماله الإبداعية الأخرى” بعض اللمسات الفنية، منها:
(1)
قصص الحب والغرام: لا يمكن للرواية أن تكتمل وأن يكون لها مذاقها الخاص دون الحديث عن صالون “ولاَّدة بنت المستكفي” الأدبي حيث يجتمع عندها عِلية القوم لا سيما الشعراء؛ وما كان يدور فيه من نقاش أدبي ومطارحات شعرية.
 وكذلك لا بد من الحديث عن علاقتها بشاعر الأندلس أبي الوليد بن زيدون، هذه العلاقة التي آلت للهجران والبعد، رغم بقاء نارها مشتعلة في الصدور، وكذلك مناكفاته لغريمه في العشق الوزير أبي عامر ابن عبدوس، وكيف نغفل العلاقة التي شكلت ركنا من الرواية!
 ولا يمكن الحديث عن المعتمد بن عباد دون الحديث عن علاقته بزوجته اعتماد الرميكية التي اشتق لقبه الملكي من اسمها، فشكل من (اعتماد …اسم  المعتمد). ص284 والتي صاحبته من القصر إلى الفقر فالقبر.
(2)
 الروايات ملئية باقتباسات شعرية منتقاة بعناية، وكيف تغيب هذه الاقتباسات والأندلس  مليئة بالشعراء والشاعرات والمواقف التي تم تجسيدها شعرا؟ وهل سنصطحب ابن زيدون وولادة دون الاستماع لمطارحاتمها الشعرية؟ وهل سيمر الوقف بسلام دون أن نسمع شعر المعتمد باعتماد الرميكية؟ وكيف سيغيب شعر ابن عمار الوزير المخادع الماكر، لاسيما وهو يستعطف صديقه القديم الأثير المعتمد، بعد أن خان ابن عمار سيده وغدر به؟!
(3)
التناص: وهو تلوين الجملة بتأثيرات إبداعية من نصوص أخرى جميلة الصورة والتشكيل، ومن ذلك على سبيل المثال:

ها قد عدت إلى السؤال، وأنا رجل قليل الصبر! فاصدع بما تؤمر (ص25)، فهنا التناص واضح ومعبر من قوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * الحجر 94)

وقال الكاتب يصف حال الوزير الأندلسي ابن عبدوس وكثرة ماله على لسان الوزير ابن زيدون “وعنده من المال ما تنوء بحمله العصبة من أولي القوة… ص 60 فهو متأثر ومندغم بقوله تعالى (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ *76 القَصَص).

ومرة أخرى يذكر على لسان ابن زيدون: اجتهدت برأيي، ولم أكتمه عنكم يا سيدي. ولم أرد إلا الإصلاح ما استطعت والمستشار مؤتمن… ص 79، فهنا التناص مع قوله تعالى (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ* هود 88) ومذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم (إنَّ المستشارَ مؤتمنٌ) * البخاري: صحيح الأدب المفرد، رقم : 193،| الترمذي (2369) والنسائي (4201)، وأحمد (7887).

ص43 وتلك أقدارنا، ولكن ، لا نتعجل في أخذ قرمونة حتى يبلغ الكتاب أجله، فقد تناص النص مع قوله تعالى (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ * البقرة 235).

ولذا ترى المعاني مكرورة لم يغادر الشعراء فيها من متردم (ص219)، فالتناص هنا واضح مع معلقة عنترة بن شداد العبسي (هل غادر الشعراءُ من متردم *** أم هل عرفت الدار بعد توهم).

وبعد!!!

وليد سيف
رواية خريف إشبيلية؛ إضافة نوعية في أدب الرواية، لا سيما الرواية التاريخية، وأنت تقرأ هذه الرواية وتنظر حولك، حيث أحداث الأندلس بالأمس في تلك الفترة العصيبة، لا بد أن تتلمس عوامل السقوط والضعف التي عايشها الناس هناك؛ مع ما يقع معنا وحولنا من أحداث: الفرقة، الاقتتال الداخلي، الاستعانة بالأعداء اتقاءً لشرهم، حصار طليطلة بالتجويع والتعطيش وشدة التقتيل… ونقارنه بما يحدث في غزة والضفة الغربية الآن، حرق الناس في خيامهم بعد هدم بيوتهم، وتدمير القرى وحرق المحاصيل والحيوانات… الذي قام به فرناندو الأب ومن بعده ابنه ألفونسو؛ وغيرهم من ملوك قشتالة وليون وأراغون.. أليس هو ما يقوم به النتن يا هو بشكل مطور ومكبر وأشد قذارة… ما أشبه اليوم بالبارحة!!
 ألفونسو كان يريد المسلمين أن يبقوا ضعفاء مفرقين قبل أن يظهر فيهم شخص مثل الداخل أو الناصر أو الحاجب المنصور… وهذا ما يريده الآن كل أعداء المسلمين شرقاً وغرباً للمسلمين اليوم: أن نبقى ضعفاء مفرقين لا نرى النجاة والحياة إلا في التعاون معهم والاعتماد عليهم… وأن لا يظهر صلاح الدين من جديد!!
  بعد خريف إشبيلية، نحن بانتظار الحديث عن آخر أيام المسلمين في الأندلس وسقوط غرناطة، نحن في انتظار المسلسل الجديد الذي انتهى الدكتور وليد سيف  من كتابته وعنوانه: “غرناطة … آخر الأيام” وفي انتظار  قراءة ذلك المسلسل رواية أيضا.
زياد أحمد سلامة
عمان 29/5/2025
[1] يمكن الرجوع لكتاب: قصة الأندلس من الفتح إلى السقوط للدكتور راغب السرجاني، ص 240 وتاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، خليل إبراهيم السامرائي وآخرون، المؤسسة اللبنانية للكتاب الأكاديمي. ص 219 وما بعدها.