عبد الجليل الزبيدي: هل ستقوم إسرائيل بشن هجوم على إيران؟

عبد الجليل الزبيدي
ما يجري من تشابك سياسي بين تل ابيب وواشنطن على خلفية تسريبات حول استعدادات اسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية وفي اوج نجاح خمس جولات من المفاوضات بين واشنطن وطهران ، يفسر في الانطباع العام والظاهر على انه :
إما هو تكتيك ديبلوماسي غايته فرض ضغوط قصوى وحرجة على المفاوض الايراني لحمله على تقديم تنازلات .. او انه قرار اسرائيلي اوروبي غايته وضع الفرامل امام جموح الرئيس دونالد ترامب ونزعته في التفرد باتخاذ قرارات استراتيجية فيما يتعلق بالازمات الشرق اوسطية واوروبا والعلاقة مع الصين .
ولا شك ان اية ضربة لايران من شانها تحقيق كل ذلك وانها ستعرقل الى حد بعيد تحركات ترامب الذي يستقل في رؤيته تجاه الازمات ويتعامل معها على اساس الربح والخسارة في بازار المصالح الاميركية وبتوجه اناني ووطني اميركي ومنفلت عن اية تاثيرات .
ولايزال ترامب يربك استراتيجيات الكتلة الغربية والمؤسسة الصهيونية في ضوء ما يشاهده العالم من رضا روسي وصيني وايراني وهي دول تصنف لدى المنظومة الغربية على انها دول ( محور الشر) .
والصعوبة التي يواجهها حلفاء اميركا هي ان الرئيس ترامب يقرر ومن ثم يتراجع وذلك وفق قراءات آنية وتبعا لردود الافعال مع الابقاء على قدرته في قلب الطاولة على الجميع ووقت مايشاء .
والصعوبة الثانية التي يراها الحلفاء هو ان ترامب رئيس استثنائي ومتمرد على تأثيرات الكونغرس واللوبيات والمحفل الصناعي العسكري الاميركي لانه وصل الى كرسي الرئاسة عبر آليات غير تقليدية فرضت تأثيراتها على الناخب الاميركي بمايمتلكمه من قدرات التجنيد العقائدي للجمهور بنزعته الشعبوية العنصرية .
وازاء حالة استثنائية في البيت الابيض ، كيف سيتعامل الغرب اذ ما ابرم ترامب صفقة مع كل من روسيا واوكرانيا لانهاء للحرب ؟
وكيف ستقتنع اسرائيل اذا ما ابرم الرئيس الاميركي اتفاقا مع ايران والذي يبدو انه سيكون نسخة مشابهة لاتفاق عام 2015 مع بعض اجراءات الرقابة المشددة ؟
بداية لابد من الاشارة الى ان الظروف الحالية ليست على مايرام بين اوروبا واسرائيل وذلك بحكم العار الذي جلبه نتنياهو ( للغرب المتحضر ) بعد المجزرة المروعة التي ارتكبتها اسرائيل ضد شعب غزة والحصار اللا اخلاقي واللانساني على هذا الجزء من الانسانية .
فهل سيؤثر هذا الانزعاج الاوروبي الظاهر حيال ما تقوم به قوات نتنياهو وبالتالي سينعكس الموقف على المصالح المشتركة بينهما تجاه تفرد الادارة الاميركية بالتسويات والصفقات ؟
على الاغلب ،ان الانزعاج الرسمي الاوروبي هو بحد ذاته رد فعل مطلوب حيال الغضب الشعبي الاوروبي تجاه ما تفعله اسرائيل . وعليه لا يعتقد ان ذلك من شانه التاثير على قنوات التنسيق الاستراتيجي مع اسرائيل بدليل ان كلا من المانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وايطاليا واليونان قدمت دعما واسنادا جبهويا وميدانيا للكيان الاسرائيلي في التصدي للصواريخ الايرانية خلال ضربتي 13 نيسان ابريل والاول من اكتوبر 2024 ، وحينها كانت المجازر الاسرائيلية في أوجها ضد الشعب الفلسطيني في القطاع .
اما عن الجانب الاميركي، فإن الانطباع السائد هو ان اسرائيل ليس بمقدورها القيام بعمل عسكري من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وان الدعم الاميركي اساسي لجهة الاسناد اللوجستي سواء عند وقوع الهجوم ام في التصدي لردود فعل الخصم .
في مقال سابق ، رجحت ان الولايات المتحدة ستكتفي بوقف التنسيق العسكري مع الجيش الاسرائيلي وذلك لاحباط اية محاولة اسرائيلية للقيام بعمل منفرد ضد ايران . ويبدو ان هذا قد حصل في الساعات الماضية بحسب ما اوردته ( قناة 12 ) الاسرائيلية ، مايعني : ان اميركا جادة في منع نتنياهو من اتخاذ قرار الهجوم المنفرد ، والثاني يدلل على ان نتنياهو قد استكمل الاستعدادات لشن الهجوم .
تجدر الاشارة الى ان قرار اميركا بوقف التنسيق العسكري لم يحصل في تاريخ العلاقة بين الطرفين ، فقط حصل على مستوى التهديد ليوم واحد في الخامس من حزيران عام 1967 لحث اسرائيل وقف هجومها الكاسح على العرب انذاك وايضا في عهد الرئيس جورج بوش الاب عام 1989 وذلك في معرض الرد على رفض اسرائيل خطة ( غزة – اريحا أولا ) .
وهنا يبدو ان الرئس الاميركي دونالد ترامب جاد في ترويض نزعات نتنياهو من اجل البقاء وثنيه عن القيام بمغامرة عسكرية لخلط الاوراق السياسية في صراعه مع المعارضة الاسرائيلية ، هذا مع حقيقة اوصلها الاميركيون للجانب الاسرائيلي بان الاتفاق النووي المقترح من شانه تحجيم البرنامج النووي الايراني لسنوات طويله بالاضافة الى علم نتنياهو جيدا هو ان الايرانيين ليس واردا لديهم فكرة البرنامج العسكري لا سابقا ولا مستقبلا .
ولكن ماذا عن المشاغبات الاوروبية ؟
يبدو جليا لدى جميع الاطراف الخائفة من التفرد الاميركي ، هو ان الرئيس ترامب جادة ومصمم على تحقيق مكسب من الاتفاق مع ايران ، وخطواته الصارمة الاخيرة تثبت ذلك وبالتالي هو جاهز للتصدي الى اية محاولة من الثنائي الاوروبي – الاسرائيلي سواء التحريض على ضربة ذات طابع خبيث ام من خلال تفعيل الية ( سناب – باك ) ضد ايران ، وهي خطوة بالحد الادنى التي يحتمل ان يهدد بها الفرنسيون والبريطانيون والالمان لغرض العرقلة قبل ان يوافق الجانب الاميركي على اشراكهم في حفل اختتام المفاوضات وظهورهم امام عدسات الاعلام لمباركة الاتفاق المحتمل سواء مع ايران ام مع روسيا وبالتالي يبقى نتنياهو منفردا ليلاقي مصيره وليختفي من المشهد السياسي والى الابد .