مسؤول دولي: طريقة توزيع مساعدات غزة “مهينة” وتعرض المدنيين للخطر

جنيف/ محمد إقبال أرسلان/ الأناضول
حذر أجيث سونغاي، ممثل مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أن الآلية الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع مساعدات إنسانية بقطاع غزة “غير مستدامة” وتنطوي على “إذلال” يفاقم معاناة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة متواصلة منذ أكثر من 20 شهرا.
وفي مقابلة مع الأناضول بجنيف، تحدث سونغاي عن مخاطر هذه الآلية، مشيرا إلى أنها تحمل “إذلالا” يضاعف من المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع الفلسطيني، و”تفتقد للإنصاف والحياد والاستقلالية”، كما أنها “غير مستدامة”.
وأضاف: “الوضع في غزة مأساوي لدرجة يصعب وصفها بالكلمات؛ هناك مجاعة واضحة، وسكان يعانون من سوء تغذية ظاهر للعيان في ظل قصفٍ مستمر، وفي خضم هذه المعاناة نجد خطة توزيع مساعدات بها مشاكل جوهرية، بدءا من مبدأ الحياد، مرورا بالاستقلالية والإنصاف، وانتهاء بمخاطرها العملية”.
ومنذ أيام بدأت “مؤسسة غزة الإنسانية” الإسرائيلية – الأمريكية (مسجلة في سويسرا) المرفوضة أمميا، بتوزيع مساعدات شحيحة جدا بمناطق في جنوب ووسط قطاع غزة، وذلك لإجبار الفلسطينيين على الجلاء من الشمال وتفريغه.
لكن المخطط الإسرائيلي – الأمريكي فشل تحت وطأة المجاعة، بعد أن اقتحمت حشود فلسطينية يائسة مركزا لتوزيع مساعدات جنوب القطاع، فأطلق عليها الجيش الإسرائيلي الرصاص فقتل 3 منهم وأصاب نحو 50 آخرين، وفق مصادر رسمية فلسطينية.
– إذلال جماعي
سونغاي انتقد صراحة آلية توزيع المساعدات عبر مؤسسة “غزة الإنسانية” في ظل “وضع كارثي بكل المقاييس” في غزة.
وقال: “أبلغنا القائمين على المؤسسة، وكذلك السلطات الإسرائيلية، أن هذا النظام غير مستدام، وبه عدة مشاكل جوهرية، بدءا من مبدأ الحياد، مرورا بالاستقلالية والإنصاف، وانتهاءً بمخاطرها العملية”.
وأضاف: “لا يمكن أن نتوقع من النساء والأطفال والمسنين والمرضى والجرحى أن يسيروا كيلومترات للوصول إلى نقاط توزيع محدودة في جنوب غزة فقط، بينما يبقى بقية القطاع محروما تماما من المساعدات”.
وعليه، جدد المسؤول الأممي المطالبة بضرورة وصول المساعدات إلى حيث يوجد الناس “لا أن يُجبروا على المخاطرة بحياتهم للوصول إليها”.
وأشار المسؤول الأممي إلى أن المشاهد الصادمة التي وثقتها عدسات المصورين وتظهر تزاحم المدنيين خلف الأسلاك الشائكة في طوابير مذلة للحصول على الطعام الذي توزعه تلك المؤسسة المدعومة أمريكيا وإسرائيليا “تعكس واقعا مريرا لا يمكن قبوله”.
وأوضح: “ما رأيناه يوم 27 مايو/ أيار الجاري من فوضى ومعاناة هو نتيجة مباشرة لهذا النظام المختل. الناس يموتون جوعا، وباتوا يندفعون بشكل يائس نحو أي شيء يمكنهم الحصول عليه. هذا ليس توزيع مساعدات، بل إذلال جماعي”.
وعلى هذا النحو، أضح سونغاي أن الأمم المتحدة لم تشارك في آلية توزيع المساعدات عبر تلك المؤسسة انطلاق من هذه المخاوف، مبينا :لقد أوضحنا موقفنا بجلاء، هذا النظام لا يمكن أن يكون مستداما ولا يلبي احتياجات الفلسطينيين”.
وأبرز المسؤول الأممي رفض سكان غزة لتلك الخطة الإسرائيلية – الأمريكية ” تحدثنا مع الناس هناك، وهم أيضا يرفضونها”.
وكانت العديد من الدول والمؤسسات الإنسانية الغربية أعلنت معارضتها ألية عمل “مؤسسة غزة الإنسانية” لتوزيع مساعدات، لتكون البديل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” التي حظرتها تل أبيب حديثا.
-“علينا التحرك فورا”
من ناحية أخرى، أكد سونغاي أن الأمم المتحدة، بما في ذلك المفوض السامي فولكر تورك “دقا ناقوس الخطر مرارا بشأن استخدام التجويع كسلاح جماعي”.
وناشد قائلا: “تجويع المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني ويجب أن يتوقف فورا”.
وبسياسة متعمدة تمهد لتهجير قسري، وفق الأمم المتحدة، مارست إسرائيل تجويعا بحق 2.4 مليون فلسطيني في غزة، عبر إغلاق المعابر منذ 2 مارس الماضي بوجه المساعدات الإنسانية ولا سيما الغذاء، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.
ووفقا لسونغاي، تسببت هذه السياسة الإسرائيلية في تهجير نحو 900 ألف شخص، أي ما يقارب نصف سكان غزة منذ مطلع مارس الماضي، بدفعهم إلى “زوايا ضيقة تشكل 20 بالمئة فقط من مساحة القطاع، حيث لا مياه نظيفة، ولا طعام كاف، ولا حتى مستشفيات آمنة”
وشدد سونغاي في حديثه للأناضول على أن المجتمع الدولي “مطالب بالتحرك فورا” لوقف هذه الكارثة،
وأردف: “تحدثنا مرارًا عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في غزة، وحان الوقت لكي تتحمل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مسؤولياتها. يجب أن نتحرك الآن، وإلا سنرى المزيد من القتلى والمزيد من المعاناة. هذه الحرب يجب أن تتوقف”.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن منذ منتصف مارس الماضي عن السيطرة على مناطق واسعة في شمال قطاع غزة بعد قصف كثيف وأنذر السكان بإخلاء منازلهم تحت تهديدات بما وصفها “هجمات غير مسبوقة”.
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حرب إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.