رجاء بكريّة: هل لأننا في فلسطين نُعرف بـ “العرب”؟ تحية لـ “أفيفيت”

رجاء بكريّة
لم أتبيّن بعد الطّريقة المناسبة للتّعبير عن خجلنا من عبوديّة القِرش، دَهشة العصر، وأثرهِ غير الأخلاقي على المنظومات السيّاسيّة الفكريّة والأدبيّة، ولا أعرف كيف يخذِلُنا حتّى الأدب في هذه المسألة فنقع على عجز مُطلق لا نلوي على غير اجترارِ اخفاقاتنا واجتراحِ ذاكرةِ سيناريوهات الاستغلال المكرورة والمأثورة في منظوماتنا الفِكريّة والثّقافيّة بالمُجمَل. والحديث في هذه العُجالَة عن شركة “مَرْمَانِيت” المُهيمِنةِ المُطلقة على مشروع “مُستحقّات الكُتّاب” من اعارات الجمهور لاصداراتهم. ولمن فاتتهُ المعرفة فالحديث يجري عن شركة نافذة مهيمنة على عالم المشاريع والمبادرات التربويّة في المدارس الحكوميّة والأهليّة للمرحلة الابتدائيّة على وجه التّحديد. وعلى استثناء واضح فقد احتكرت هذه المؤسّسة ملفّ مستحقّات الكُتّاب من اعارات الجُمهور في الدّاخل الفلسطيني كاملا بعد أن رست عليها مناقصة الاستحقاق الثّقافي الّتي نتحدّث عنها منذ عدّة سنوات فأبدعت في أساليب الانقطاع المُجحف مع الكُتاب، وأعني مع أصحاب القلم بكافّة تخصّصاتهم. وقد ظلّ السّؤال المُحيّر بالنّسبة لي, هل تقف شركات كهذه على رأس مَعلمٍ روحانيّ اسمهُ “كِتاب” كي تسلبَ الكتّاب عالمهم أم كي تلغي كلّ علاقة للأدب بروحانيّة حضوره في المكتبات تحديدا؟ لم أعثر على إجابة واضحة في المسألة، فتعثّرتُ بالكلمة ملاذا كي أثير الموضوع على مستوى الجمهور البديع الّذي يقرأنا ويتابعنا ككتّاب.
حين انبثقت فكرة “مستحقّات الكتّاب” في الدّاخل الفلسطيني الى جانب ذات المنظومة في الوسط اليهودي اعتُبِرت مفاجأة سعيدة هدفها الاحتفاء باصدارات الكُتّاب وحضورها الجماهيري وقد خيّل للبعض أنّ أبواب أَليس في بلادِها العَجيبة تُفتح على مصراعيها كي تأخذَنا الى غرائبها، غير أنّ أسلوب إدارة هذه المنظومة من قبل المؤسّسة المرموريّة الّتي وقَفَت عَليها أساءت لمفهوم المستحقّات ولجمهور الأدب. فالغريب في مُهمّة رصد عدد استعارات الكُتب أنّ المرأة الّتي تتواصل مع شريحة الكتّاب واسمها الرّبيعيّ شائع بين الجمهور “أفيفيت” تبدو غريبة عن مهمّتها. تتحدّث بشكّ بالغ في تصريحاتها حول الأرقام الّتي صنعها جمهور القرّاء من استعاراتهم ومن رغبتها في منح الكتّاب حقوقهم. والمتحدِّث اليها عبر مكالماتها القصيرة، وأعني أنا أو سواي، لا يَفهم ممّا تقولهُ غير رقم المبلغ المسكين الّذي تدفعهُ الى بريد الكاتب الالكترونيّ بجديّة بالغة كأنّها ستجري تحويلتهُ العاجلة على تواضُعِها الى حسابهِ البنكيّ مباشرة. “أفيفيت_ ربيعيّة” تنتظرُ منك اقتصاص فاتورة عن المبلغ المُرسَل اليكَ بكَبسةِ زِر، دون أن يرفّ لها صوت ومعها توقيعك السّعيد عليها حفظا لصلاحيّة استعماله. كلّ ذلك يجري تحت عيني الرّقم الحائر المعلَّق بصوتِها هو الاخر ولا يعرف لأيّ جهة يَزيحُ، فهوَ عن سنواتٍ فائتة بعيدة وسنةٍ لم تتسجّل بعد، ويسأل كما نسأل لماذا يبقى محفورا في ورقة مصرفيّة بدل أن يتحرّر في صندوق للأوراق النّقديّة ويصل الى صاحبهِ سالما مُسَلَّما؟ أين نذهب، نحن الّذين ترسل اليهم مفاجآتها السّعيدة أوّل كلّ سنة بالعيد الّذي لم نحتفل بهُ منذ سنوات عدّة وقد سدّدنا الضّريبة المُضافة خاصّتهُ للسّلطات المسؤولة عن اقتطاعِ مستحقّاتِها من كلِّ خير يدخلُ بيتَكَ أو حسابك؟ على دهشةٍ مُضاعفة تأخذكَ بِكلامها الكثير حين تعثر على الأوراق الضّائعة الّتي عثرتْ عليها فجأة، أوراقكَ، وأنت تعاتب الفوضى الّتي تُدخل اسمكَ فيها. فجأة وكأنّما تَكُتّ غبارا علقَ بصوتِها تُبلِغَكَ أنّكَ لستَ غائبا مرفوعا على اللّاشىء في سجلّاتِها بعد أن اختفيتَ مسافة الرّسائل الّتي تبادلتَها معها، بل حاضرا لامعا في أبهج صفحة منسيّة وَجدَتْها. وهي لقلّة خبرتها تقنعكَ أنّكَ مثلها حديث العهد بالكتابة, الثّقافة وعلل الأدب وأنّها تكتشفُ معكَ الانَ أنّكَ أصبحتَ حديثا تكتب في خضمّ اكتشافاتها، وستسعى دون شكّ لاشهارِكَ
ِ في منظومة رفوفها وأرقامها!
لكنّ المُدهِش بعيني من يتابعُ التّفاصيل بدقّة شَأني أنا أنّها تستحثّك على الإسراع في أشياء كثيرة. تعبئة الاستمارة، تفاصيل البنك اسمهُ وموقعهُ، رقم الحساب، عنوان الفرع ورمزهُ كي تضمن مثلا أنّهُ في شارع حقيقيّ. ثمّ تلخمُكَ بضرورة أن توفِّرَ مستندا يثبت أنّ اسمكَ يعيشُ هناك. ودون أن تناقش تجربتك السّابقة معها في السّنةِ الفائتة حولَ اختفائِها المفاجئ. اختفاء يرسلُ الى عُبّكَ ألف هُدهُدٍ يسأل، ماذا تفعل “أفيفيت” بالأوراق والى أين تذهب؟ ما هو عنوان الشّارع الّذي تعيش فيهِ هي مع أكوام الأوراقِ الّتي تستلمها من الكُتّابِ أمثالي؟ تُرى هل تتسلّى بوقتنا وتعيش مثلا من فواتير الضّريبة الّتي نشحنُ بها الورق الفضيّ الّذي نسلِّمُهُ لها؟ هل شارعها حقيقيّ فعلا ويعيشُ كما تعيشُ أنت في شارع البنك؟ كلّها أسئلة تذهب أدراج شكّ لا يُقاوَم في طبيعة المهمّة السريّة الّتي تُنفِّذُ خُطواتها أنت ورعيل من الكتّاب وفق تعليماتِها واحدة بواحدة. غير أنّ الغريب بعينيّ، كيف يمكن لمؤسّسة تعتبر أداءها موضع ثقة لدى جمهور الكُتّاب والمؤسّسات التّعليميّة أن تتبنّى هذا النّهج مع معظم الكُتاب العرب ولا تُحرّر أيّ مبالغ بحقّ أحد! والأمر يتكرّر لدى عديد الكتّاب والشّعراء باختلاف مرجعيّاتهم وعلى مدى سنوات.
والمرأة الّتي أحدّثكم عنها، ” أفيفيت” تظهر لمرّة واحدة وتختفي دون أن تحفل بأيّ رسالة بريديّة أو هاتف لأنّ الهواتف مُحرّمة في هذه الشّركة وكلّ من يردّ على هاتف، أيِّ هاتف سيدخُلُ النّار وفق عقيدتها الرّاسخة، ولذلك هم يختصرون علاقتهم بالوسط الثّقافي العربي على فكرةِ الاقتصاص والهرب بكلّ ما لديهم من حُنكة في إدارة الحقّ الضّائع. سنتان على التّوالي مرّتا بلمحِ الهرَب الّذي اعتادت عليهِ أفيفيت 022 و023 ولم يتمّ تحويل المبالغ على تواضعها أمّا 024 فالبعض احتفل بوصولها ودفع ضرائبها ولم يستلم قيمتها المأجورة لعلم الغيب، والبعض الآخر لم يسمع بها بعد.
والسّؤال الّذي افترض ضرورة طرحهِ على الأوساط الثّقافيّة العربيّة هنا لماذا يصمت الجميع عن هذا النّهج غير الأخلاقي ولا تُحاسَب عليه شركة مرمانيت لأيّ سبب؟ ألأنّنا حِمشين؟) حين يتعلّق الأمر بالمبالغ الّتي لا تتجاوز الثّلاثة الاف شاقل أم لأنّنا شعب اعتاد اللّامُبالاة السّمِجة؟ لقد دوّرتُ السّؤال في رأسي لأكثر من مرّة دون أن أصل لأجابة، بل ازددتُ نبشا في السّؤال عن الموظّف المسؤول عن المكتبات, اعارات الجمهور وأسماء الكتّاب العرب المدرجين الى جانب نتاجاتهم الثّقافيّة وفق المتّفق عليه في بروتوكولات التّواصل القانونيّ؟
ما دورهُ؟ ما اسمهُ، كيف تبدو نظّارات الأرقام الّتي يشارك “أفيفيت” النّبيهة فيها ولماذا يسكت عن التّجاوزات الفاضحة بحقّ الوسط العربي السّاكت سكوت الأزل عن كلّ شيء؟ لديّ شره غير محدود في التعرّف على مسؤول المكتبات هذا، والّذي لا يردّ هو الاخر على أيّ رقم. أين الجهة الّتي يجب أن نشكو لها قبل أن نقرّر أنّ القضاء أكثر الوسائل فاعليّة في اقتصاص فواتير حقوقنا من هؤلاء!! سؤالي هذا سيتعدّى ما اعتدنا عليه حتّى الآن، ويتعلّق بهويّة الأشخاص الّذين يجلسون خلف كراسي المكتبات والكُتب والنّشاطات الأدبيّة المتعلّقة بالصّغار والكبار، ولماذا يتمّ اختيار كاتب أو كاتبة لادارة شؤون المكتبات، والمعروف أنّ التوافق في السّاحة الثّقافيّة العربيّة يشهد ازدحام خلافات من كلّ لون وقُطر؟ ما طبيعة انتماء الكاتب الّذي تمّ اختيارهُ كي يهيمن على مشروع الكتب والمكتبات العربيّة في الدّولة، وهل يردّ هاتفهُ على أحد ممّن لا يحفلُ بهم مثلا, والازدحام في اختلاف الرّأي لا يُعدّ ولا بآلة حاسبة! هل فكّر القيّمون على تعيين الكُتّاب في أماكن حسّاسة كهذه على شكل علاقاتهم بالكتّاب أمثالهم أم أنّهم تركوا المسألة شأن معظم الأمور الّتي تتعلّقُ بالعرب للصُّدَف؟ فمن نافل القول أنّ تبنّي هذا الكاتب| الكاتبة القائم|ة على إدارة المكتبات موقفا من أيّ كاتب|كاتبة لا يعجبهُ مُثبتٌ، والواقع يوثّق حقيقة ما أطرحهُ في مقالتي هنا. وفق هذه الفرضيّة تبدو فكرة رفض الرّد على هواتف من لا يعجبهُ وعدم استقبال إصدارات من يختلف معهم من أصحاب القلم واردة. بعينيّ تبدو المسألة حسّاسة جدّا وأكثر ممّا يُخيَّلُ للمسؤولين في الدّولة. لا يجوزَ أن تُحكّمَ كاتب في إصدارات كاتب اخر في مرفق ثقافيّ له الكلمة النّاهية في أمر استقبالها من عدَمِهِ.
ولا بدّ لي في هذه العُجالة أن ألفت عناية القرّاء الى الحرص الّذي تذهب اليه المكتبات في الوسط اليهودي حينَ تُعيّن مفوّضا للكتب في مكتباتها، فهو دائما يتمهّن في علم المكتبات ويعرف في خفاياها وأسرار العلاقة بينها وبين الكُتّابِ والجمهور وهو ما لا نعرف مُعظمهُ في الوسط العربي. فلديهم الحقّ الكامل في المطالبة والزام مدير المكتبات العام بتوزيع الحقوق كما يرد في دستور المهنة وبرتوكولات المُستحقّات. هذا ما أعرفه من بعض الكُتّاب في الوسط اليهودي وحينَ أجاد المُشرِّعُ لديهم الفصل في هذه القضيّة، ثبّتَ القوانين شأن الأشخاص في أماكنها وتخصّصاتها ولم يترك مجالاً للشّكِ لدى جمهور الكتّاب والقرّاءِ على حدّ سواء. لكلٍّ حقّهُ يصل كاملا، ولا يوجد كتّاب متمهّنين في إدارة شؤون المكتبات يقومون عليها، تلك الّتي تزدهر بنتاجات الكتّاب والشّعراء والمُفكّرين وسواهم ممّن يكتبون لجيل الطّفولة والنّاشئة، الرّواية، الشّعر، القصّة والفلسفة بل متمهنّون في إدارة المكتبات حاصلون على شهادة أكاديميّة في هذا العلم. هم يفهمون جيّدا هذه الاشكاليّة فينزّهون أدبهم وكُتابهم بينما تعجّ الغابويّة والفوضى وترَصّد المسؤول في شؤون المكتبات للكاتب الفُلاني الّذي لا تعجبهُ كتاباته وتقريب الأسماء الّتي تكتب وفق مزاجهِ ومصالحهِ منه ومن رفوفهِ. والأهمّ من هذا وذاك ليس لديهم “أفيفيت” تشبهُ الّتي تقوم على متابعة شؤون “مستحقّات الكُتّاب” من اعارات الجمهور، لأنّها لا تجرؤ على ما تجرؤ الأفيفيت الّتي أدخلناها غرف بريدنا السريّ والعلنيّ لفقر الخبرة والممارسة.
سؤالي الملحّ الآن هل يمكن أن يبادر المسؤولون بعزل من يتمهّنون بفعل الكتابة عن المكتبات ونقلها لمسؤوليّة من درسوا هذا العلم موثّقين بشهادات أكاديميّة فيها؟ سؤالي صريح ويبتغي مبادرة جادّة من الوسط الثّقافي كاملا أن يقدّم عريضة تضامن ولو لأوّل مرّة الى كُتّاب الدّاخل يطالبون فيها بتعيين مسؤولين ذوي خبرة في علم المكتبات، كلّ المكتبات قاطبة يشمل الأمر مدير المكتبات العامّة المهيمن على شؤون الكٌتب في الوسط العربي. عنّي سأبادر لهذه الخطوة كي نغيّر الصّورة المشوّهة للواقع الثّقافي والأدبي، ويضاف سوف أثير حفيظة شركة “مرمانيت” القابضة الّتي تٌهرّب مُستحقّات أصحاب الأقلام الى جهة لا نعرفها دون أن تقدّمَ استحقاقا واحدا عن أيّ مبلغ كبير أو صغير. واسمحوا لي أن أخاطبَ أفيفيت” وجها لوجه أمام حروفي وأبلغها أنّ الخطوات القادمة ستفاجئُها هي ومرمانيت وسوف نسعى لتبديل هويّة الجِهة الّتي سترسو عليها المناقصة وندعم فتحَ باب المتقدّمين اليها. مللنا رتابة السّنوات ومسح الاستحقاقات، خمس سنوات على التّوالي مع حروب استنزاف لا تنتهي بنتيجة واحدة واضحة تحترم حقوق الكاتب وكرامة قلمِه. يحقّ لأصحاب الأقلامِ الّذين يملأون استمارات هذه الشّركة الكثيرة ويمهرونها بتوقيعات أصابعهِم الملولة من املاءات بلا اخر أن يعوَّضوا قانونيّا عن كلّ يوم تأخير وبالقدر الّذي ينصّ عليه القانون. السّأم من الاستغلال الفكري والجسدي يحيل الكاتب الى مناهض حقيقي للمؤسّسات الرّبحيّة الّتي تعتاش على قلمهِ وفِكرهِ الصّافي، لا يجوز أن نقبل نهجا متخلّفا في إدارة مستحقّات الكُتّاب يَسقُطُ أمام منافسةٍ عابرة أمام ما يحدث في الوسط الآخر اليهوديّ المُزدهر فكريّا ورقميّا لأنّنا تحت التّسمية “عَرب”.
حيفااا، مايو/ 025